العراق ... بلد بلا خدمات

مايثير الألم الشديد والشجن في النفس أن يتعود المواطن العراقي، البطل والصبور، على حال مزر منذ عقود من السنين، لاسيما في السنين العجاف التي حكم فيها الدكتاتور صدام البلاد بيد من حديد. لقد تعودنا على رؤية مواطني الكثير من مناطق العراق الشعبية وهم يخوضون في الأوحال والأوساخ اثناء أنهمار الأمطار ( الخــير!)؛ وتعوّد الناس على المعاناة المضنية سعيا وراء الغاز والنفط، خاصة أثناء فصل الشتاء. وحين أندلعت الحرب العراقية الأيرانية بدأ وضع الكهرباء يسوء شيئا فشيئا فيما لم تعمد الحكومة منذ ذلك الحين الى تبليط شوارع جديدةأو أنشاء حدائق أو أماكن ترفيهية أو أقامة مجار جديدة للمياه الثقيلة أو مياه الأمطار أو صيانة القديمة منها. كان هم صدام وأتباعه حيازة أموال العراق وأحتكار خيراته ونهب كل ماتقع عليه اليد.
وأذا كان حال الخدمات قد تردى كثيرا بعد سقوط الصنم الصدامي، في وقت هفت فيه نفوس العراقيين العطشى الى الحرية، لابد أن نذكر هنا أن توفير أفضل الخدمات للمواطنين هو المقياس الحقيقي لنجاح الحكومات أو فشلها خاصة في الدول المتقدمة. بيد أن مايؤسف له أن تردي الخدمات في العراق أرتبط كثيرا بتفشي الفساد الأداري في العراق وأندفاع الكثير من المسؤولين الكبار والصغار لمليء الجيوب بالسحت الحرام وكأن الفرصة مؤاتية اليوم وليس غدا!! والذي يزور العراق اليوم ، عدا أقليم كردستان، يصيبه الذهول وتصعقه الصدمة، فالنفايات والقاذورات تتراكم بشكل غير معقول في الشوارع الرئيسية والأحياء السكنية والأسواق، الأمر الذي يشي بتفشي الأمراض بسهولة. وغدت معضلة أنقطاع الكهرباء كابوسا مرعبا متعذرا حله! أما حاجات المواطن العراقي اليومية فأصبحت تقض المضاجع وتثير المواجع!
هل يعقل أن يعجز محافظ عن بذل جهد متواضع يقنع فيه أبناء مدينته أنه عمل شيئا ما لهم؟ هل يصح أن تظل صورة المسؤول الكبير مقرونة ب (الحرامية) كما تتناقله ألسنة الناس هذه الأيام؟! كيف يقبل ذلك على نفسه، وكيف يغفو له جفن في الوقت الذي يعاني فيه أبناء جلدته الأمرّين!! وأذا كان المواطن العراقي قد بدأ يحدد من يسرق قوت يومه ومن ينهب الأموال التي كان ينبغي أن تصرف على الخدمات الضرورية فأن عليه اليوم أن ينتفض على واقعه وأن يؤشر بشكل واضح على المسؤول المنحرف وألأخبار عنه وعدم أنتخابه ومن ينتسب اليه مستقبلا وأن يتعاون بجدية مع لجان النزاهة العامة على أستئصال أولئك المجرمين وتقديمهم للعدالة. يتعين على الحكومة العراقية الدائمية القادمة أن تعطي جل أهتمامها للخدمات التي أفتقدها المواطنون. وأذا كنا قد أعطينا بعض الحق للحكومتين المؤقتة والأنتقالية في الفترة الماضية بسبب قصر الفترة فأن الحكومة القادمة لابد أن تتحمل كامل المسؤولية لتعوّض مواطنيها ماأفتقدوه طيلة السنوات الطويلة الماضية.
وأن غدا لناظره قريب.

د. أحمد عبد الله
15/2/2006