شاهد عيان لقاء مع المناضلة روناك رفيق .. الجزء الثاني

ـ الجزء الثاني ـ المعتقلات في السجون البعثية
اجرى اللقاء د. منيرة أميد

اتصلت بها مجدداً لنكمل الحديث الذي بدأناه بذكرياتها عن يوم 8 شباط الاسود. تواصل رنين الهادف دون ان ترد ، فقررت انه يجب المعاودة غداً. ولكن بعد لحظات جاء صوتها صافياً هذه المرة ودون تقطع عبر الهاتف. قالت لقد كنت اواصل الصلاة عندما رن الهاتف. وعندما علمت ان المكالمة منك لم استطع الانتظار. أسعدها نشر الجزء الاول من اللقاء، ما شجعني ان اكمل الحوار بالسؤال التالي:

س : حدثيني عما حدث بعد يوم الثامن من شباط 1963، وبالذات عن من تعرضت للاعتقال ممن تعرفين، وهل حدثتك احداهن عما تعرضت له من تعذيب ، ومن كانوا مشرفين على تلك العمليلت. فاجابت:

تحول العراق الى سجن كبير ، كنت ارى الوجوم والشحوب في كل الوجوه التي اقابلها، وقد جرت عمليات قتل وتعذيب لآلاف المناضلين وقد الصقت تهمة الشيوعية بكل مثقف وذو موقف ولكل محب للزعيم ولكل اعضاء المنظمات الديمقراطية للشبيبة والعمال والفلاحين والطلبة والمرأة، وزجت بهم في السجون والمعتقلات. تعرضوا فيها لابشع أساليب التعذيب مما سبب في استشهاد الالوف منهم.

شملت اوامر الدهم و الاعتقالات بشكل خاص سكنة المناطق الشعبية في بغداد والالوية (المحافظات) وكذلك عدد كبير من المناضلات وخاصة زوجات المناضلين المعروفين ، وكانت تساق العائلة باكملها، وحتى الاطفال الى مخافر الشرطة اولا ثم يساق بهم الى مراكز التعذيب والمعتقلات.. واذكر على سبيل المثال لا الحصر من تلك المناضلات:

عميدة المصري :

اعتقلت في 30 آذار 1963 على ما اذكر في نفس اليوم الذي جرى فيه انقلاب جاء بالبعث الى سوريا ان لم تخني ذاكرتي. تعرضت الى تعذيب وحشي وعلقت بالحبل من كتفها الى مروحة لاثنا عشر يوما. ثم قطع الحبل الذي انغرز في كتفها عندما حاولوا انزالها، مما استدعي الى تدخل جراحي لاخراجه لاحقاً. كما تعرضت الى الكي بالكهرباء في اماكن كثيرة في جسدها. لكنها كانت مثال للمرأة الصامدة. وقد شهدوا كل من كان معها بذلك. مما زاد من حنق جلاديها، لذا التعذيب التي تعرضت اليه فاق التصور. وكان المشرف على تعذيبها صالح مهدي عماش.

سافرة جميل الحافظ: زوجة المناضل محمد حسين ابو العيس . الذي فتل تحت التعذيب مع سلام عادل ، تعرضت هي الاخرى لتعذيب وحشي. وابشع ما تعرضت اليه انها ربطت بين جثتي زوجها والشهيد سلام عادل لمدة يومين وهم كانوا قد فارقوا الحياة.

روز خدوري: عميدة كلية البنات.

الشقيقات بروين جاويد وساجدة ويلماز وياووز مع والدتهن: وهن شقيقات الشهيد فكرت جاويد ووالدته.

الشقيقات فخرية حبة وناهدة وفوزية وهن شقيقات المناضل عادل حبة بينما نجحت شقيقتهم سعاد في الاختفاء عن الانظار.

الشقيقات بتول الحكيم و آمنة وتماضر وزهرة مع اطفالهن ونجت شقيقتهم رابحة من الاعتقال بأعجوبة.

رضية الصفار وابنتها الصغيرة عواطف و شقيقاتها وجيهة وساجدة مع شقيقهم كاظم الصفار.

سهام العبيدي: مدرسة.

نظيمة الصفار: زوجة الشهيد عبد الجبار وهبي الذي اعتقل في الشهر السابع وتم تصفيته.

نرجس الصفار: ( ام فاضل ) زوجة الشهيد جمال الحيدري ،اعتقلت بمعية ابنائها فاضل (15 ربيعاً) و نظمي( 10 سنوات) ومهيب الحيدري شقيق زوجها. وقد تم تصفية ابنها فاضل وهو ما زال مراهقا لم يتعدى عمره 15 ربيعاً وشقيق زوجها ، ورزقت بابنتها نادية وهي في السجن ، وقد ظهر عوق في كتف وليدتها نتيجة تعرض والدتها وهي حامل للتعذيب الشديد.

ماجي (مارغريت) تلو: استشهد زوجها المناضل أدمون يعقوب تحت التعذيب . تعرضت هي الاخرى الى تعذيب ثم حكم عليها بالسجن 5 سنوات قضت منهم 4 سنوات.

ماجي (مارغريت) فيليب مع شقيقات زوجها رينا وماري: وكانت ام لاربعة اطفال ، بقوا بصحبة جدتهم.

ساهرة عبد الطيف: تعرضت الى تعذيب فاق الوصف وتم تصفية زوجها تحت التعذيب.

وابلة الشيخ.: زوجة الشهيد نافع يونس وكانت مدرسة ثانوية أعتقلت مع طفلتها ( سرو) التي كانت رضيعة ، ومن اساليب تعذيبها منعها من رضاعة ابنتها.

سهيلة السعدي: مع زوجها عدنان البراك الذي كان مسؤولاً عن اتحاد الطلبة، وقد دفن حياً.

ملكة الفيلي: زوجة الشهيد عبد الطيف الحاج الذي دفن هو الاخرحيا ً.

سهيلة السعدي: مع ابنها مازن وكان عمره اقل من عام.

سميرة البراك: كانت معلمة ، اخت عدنان البراك .

فريدة الماشطة : اعتقلت وتعرضت للتعذيب.

اما من معارفي واقاربي في كركوك اذكر منهن:

سنية داود الجباري: مع اطفالها البنات الاربعة وكانت اكبرهم في عمر 8 سنوات ، وكانت حينها تعمل مديرة متوسطة كركوك.

لطفية عبد الواحد: مديرة مدرسة آزادي بكركوك.

نريمان أبراهيم : طالبة بدار المعلمات كركوك.

طارقة يعقوب : مديرة مدرسة الفنون في كركوك سابقاً. اعتقلت في بغداد وكانت تعمل حينها مدرسة لمادة الكيمياء في ثانوية الجمهورية.

تعرضت كل المعتقلات لتعذيب وحشي ومنها التعليق بالكبلات وتشريط الجسم بالموس واضافة الملح الى الجروح كما تعرضت الكثيرات الى الاغتصاب ، وخرجن من السجن وهن يحملن عاهات مستديمة.

بعد سقوط البعث تمكنت من زيارة بعضهن في السجن ، وكان ما شد انتباهي هو وضع المناضلتين، ليلى الرومي ودلال محاريب من الطائفة المندائية، وكانت طالبتان في الكلية الطبية ببغداد،عند اعتقالهما ، وكانت تبدوان كالاشباح من هول صدمة التعذيب التي تعرضوا اليها على يد زملائهم البعثية في الكلية واخص بالذكر هنا منهم اثنان، عبد الكريم الشيخلي والذي كان في حينه طالباً في الصف الرابع والثاني وجه سياسي معروف حالياً و كان طالباً في الصف الثاني من نفس الكلية في حينه.
والذي ظهر على شاشات التلفاز قبل فترة مترحماً على الاول. لقد جرى تعذيب المناضلتين امام ناظر زملائهن. امعاناً في اذلالهن.
اما الوجوه البعثية الاخرى التي عرفت بأشرافها على عمليات التعذيب في تلك الفترة أذكر منهم محسن الشيخ راضي وصالح مهدي عماش وهاني الفيكيكي. بينما كان المشرف الرئيسي في النادي الاولمبي علي صالح السعدي. ومن اشهر مركز الاعتقال والتعذيب ، مخفر شرطة الفضل والنادي الاولمبي وقصر الرحاب والسجن العسكري رقم واحد في معسكر الرشيد.

كما لا انسى هنا دور بعض زوجات المناضلين التي تحول حياتهم الى جحيم بفقدهم لاحبتهم واخص بالذكر زوجة المناضل داود سلمان الجنابي قائد الفرقة الثانية في كركوك، كنت قد تعرفت عليه في عام 1959 عندما التقيناه كوفد من رابطة المرأة العراقية للحصول على أجازة في كركوك . ولم يكتفي بمنحنا الاجازة وانما خصص لنا مقر في دار الضيافة في بناية كبيرة كانت واقعة على طريق كركوك اربيل القديم القريبة من حديقة ام الربيعين (جهة قورية). لقد اشتهر الرجل بأمانته وصدقه وتفانيه ، وكان جسورا ومدافعاً عن الحق ، رغم ان ذلك لم يعجب الكثيرين. اخذ من منزله في صبيحة 11 من شباط 1963 عند الرابعة فجرا، ولم يسمح له بتغير ملابسه (بجامة النوم والروب )، وهو كان اخر ما يرتديه عند مغادرته منزله بعد ان طبع آخر قبلة على وجوه ابنائه، ولم تعثر على اثر له بعد ذلك، سوى احاديث من بعض من كانوا معه في سجن رقم واحد العسكري والذين اكدوا استشهاده تحت التعذيب.
ترك لها 7 اطفال كان اكبرهن في الثانوية واصغرهم كان عمره سنتين. لم يثنها حملها الثقيل في تربية الابناء من مواصلتها البحث عن قبره، لحين وافاها الاجل في اواسط الثمانينات عن مرض عضال.

فتحية لكل المناضلات ممن دخلن سجون الفاشية ، ولكل الامهات والزوجات والاخوات اللاتي عانين من فقدان احبتهن.

المجد والخلود لشهيدات الحركة الوطنية العراقية
المجد والخلود لشهداء العراق
الخزي والعار للقتلة والمتوحشين من اعداء العراق

د. منيرة أميد

14 شباط 2006

المصدر: صوت العراق، 14/2/2006