مليشيات العشائر ..!

فشلت قوات الاحتلال الأمريكية ، في مكافحة الإرهاب ، وتحقيق الأمن والاستقرار للعراق ، منذ أن أسقطت النظام وحتى الوقت الحاضر ، نتيجة لأخطاء كثيرة ارتكبتها هذه القيادة ، المدنية والعسكرية ، جراء عدم فهم طبيعة الشعب العراقي ، لذا لجأت إلى تجريب أسلوب آخر ، بعد أن جربت حلولها العسكرية ، لعله ينجح هذه المرة ، في ضبط الحدود والمنافذ التي تتسلل منها عصابات قوى الإرهاب ، هذا الأسلوب سبق للدولة العثمانية في العراق أن استخدمته ، في مراحلها الأخيرة ، عندما كانت تمر بظروف مشابهة لما تمر به القوات الأمريكية في الوقت الحاضر . فعدم القدرة على ضبط الحدود ، واتساع نشاط العشائر المناوئ لحكومة العراق العثمانية ، وتمكنها من فرض سيطرتها على طريق القوافل الحكومية والمدنية ، المتوجهة من العراق إلى بقية الولايات المجاورة ، وعدم توفر الإمكانيات للحكومة ، على تسيير حماية عسكرية كافية لهذه القوافل ، دفع ولاة الولايات العثمانية لأن تعقد صفقات ، على مبالغ مسماة ، مع شيوخ العشائر التي تمر هذه القوافل بأراضيهم لحمايتها وعدم التعرض لها ، وعند الإخلال بتنفيذ الاتفاق من جانب الولاة العثمانيين ، أو عدم تسديد ال! مبالغ المتفق عليها في الوقت المحدد، تتعرض القوافل مرة أخرى للنهب والسلب . هذا الأسلوب بعينه ، هو ما تم الاتفاق عليه بين قوات الاحتلال الأمريكية ، ورؤساء العشائر العراقية ، التي تقع تحت سيطرتهم الطرق المؤدية إلى سوريا والأردن والسعودية ، عن طريق صفقة تتشكل بموجبها قوات عسكرية ، و شبه عسكرية ، تكون مسؤولة عن حماية الطرق والمناطق الحدودية المتاخمة للعراق ، تكون إدارتها وقيادتها خاضعة لتوجيهات شيوخ العشائر ، أو لمن يفوضونهم نيابة عنهم . هذه الخطوة ( الاتفاقية ) ، تحقق بعض الأمن لقوات الاحتلال الأمريكية ، إلا أنها تحمل مخاطر جسيمة للشعب العراقي ، للأسباب التالية :ـ
1 ـ تشكيل قوات عسكرية ، وفق اتفاق أمريكي ـ عشائري غير معلنة بنوده ، بغض النظر عن التسمية ، ( شرطة وجيش ) ، من منطقة معينة ، قوميا وطائفيا ، خاضعة بالكامل لإدارة وأشراف شيوخ العشائر ، وبعيدا عن سيطرة وإشراف الدولة ومؤسساتها ، يعني تشكيل ميليشيات طائفية ـ عنصرية جديدة ، لمواجهة مليشيات قوات بدر وجيش المهدي وميليشيات حزب الدعوة ، التي تقوم بالانتهاكات الأمنية والقانونية التي كثرت في مناطق متعددة من العراق ، وانعكاس نتائجها السلبية على القوات الأمريكية ، باعتبارها مسؤولة عن الأمن في العراق .
2 ـ تمكين هذا النمط الجديد من المليشيات العشائرية ، لفرض سيطرتها على المنطقة ، ووضع الطرق الداخلة والخارجة إلى / ومن العراق تحت سيطرتها ، خطوة تؤسس لبقاء العراق وأمنه مرتهن بيد قوى غير مسؤولة ، عن قصد وتصميم أمريكي ، لإبقاء حالة التوتر الطائفي ـ العنصري قائمة في العراق ، لتقسيمه لاحقا . 3 ـ هذا الأسلوب الذي لجأت إليه إدارة الاحتلال ، يمثل هروبا من اعترافها بالفشل في مواجهة قوى الإرهاب ، وإلقاء تبعة ذلك لاحقا على قوات الأمن العراقية ، تبريرا لاستمرار تواجد القوات الأمريكية خارج وطنها .
4 ـ الهروب والتنصل من كل الالتزامات التي تفرضها المواثيق الدولية على قوات الاحتلال ، من مسؤولية إحلال الأمن والسلم بين مواطني البلد المحتل . الحلول الأمريكية ، وفق منظور المصلحة الأمريكية ، قاصرة عن وضع حلول ناجعة للمشاكل التي تفرزها قوات الاحتلال ، في بلاد الغير ، وليس من حل ، أمام الشعب العراقي ، إلا الحل الوطني ، المتمثل بإلغاء كل المليشيات الحزبية ، وليس ببناء وتشكيل ميليشيات عشائرية جديدة وفق الرؤى الأمريكية ، تزيد من مشاكلنا وتعقد فرص حلها ، ،خصوصا ونحن على أبواب فترة حكم دستورية جديدة ، يكون العراقيون ، والأمريكان ، قد اكتسبوا خبرات وتجارب من الفترة المنصرمة ، التي عانى الشعب كثيرا من مآسيها ، ولا زالت أمامه الكثير من المشاكل التي يطالب بحلها ، وهذا ما يجب أن نناضل جميعا ، من أجل إيجاد حلول اكثر واقعية للكثير مما نعاني من الهموم وما نشكو منها .

هادي فريد التكريتي
12 شباط 2006