وزارة الفقراء
لايتشابه العراق مع الكثير من بلدان الله ، فهو بالرغم من ثرائه وثرواته المتعددة يعج بالمسحوقين من البشر ، وهؤلاء يزدادون عاماً بعد عام ، فأعداد الشباب العاطلين
عن العمل تفوق البلدان الفقيرة التي تفتقر لما يوجد في أرض العراق ، وأعداد المتسولين التي تشكل جيشاً يمتد من أقصى كوردستان الى أخر أراضي العراق الجنوبية
، وأعداد ممن لايمتلكون سقوفاً أو بيوتاً يقيمون تحت سقوفها مع أطفالهم يمكن أن يصل الى ربع عدد سكان العراق ، وأعداد من يعيشون على الكفاف وتحت خط الفقر
أعداد لايمكن الأستهانة بها في أنتخابات مجالس النواب القادمة .
ومنذ أستشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم توقفت مشاريع الأسكان في العراق بعد أنقلاب شباط 1963 ، بالرغم من أن الحكومات التي تشكلت بعد هذا الأنقلاب كانت لها
وزارة تدعى وزارة الأشغال والأسكان ، وأحيانا يسمونها وزارة الأشغال والاعمار ، ولكن العراق منذ أنقلاب شباط 63 لم يشهد أي مشروع سكني عمراني يمكن ان
يحلم به الفقراء في العراق ، ولم تتجه نية الحكومات المتعاقبة الى مشروع لأسكان الفقراء ومن يعيش تحت خط الفقر أو من ذوي الدخل المحدود ، بل جعلت عذاباتهم
وهمومهم تزداد يوماً بعد يوم ، فباتوا في مهب الريح ، ومن أجل أرباك الحياة العراقية سنت السلطات وحرصت على أن يكون قانون أيجار العقار السيف المسلط على
رقاب أصحاب العقارات ، بغية الحد من أقدام العديد من أصحاب العقارات والدخل على أقامة مثل هذه المشاريع السكانية ، التي قد تساهم فيما لو أقدمت السلطة على
مشروع سكاني لأسكان الفقراء من أهل النفط في العراق .
وذراً للرماد في العيون كانت الحكومات تمنح المعوزين فتات من المال لايقيهم حر الصيف ولايمنع عنهم برد الشتاء ، بأعتبارها رواتب للرعاية الأجتماعية .
وتكاثر الفقراء في العراق تكاثراً كبيراً ضمن الخطوط البيانية ليشكلوا النسبة الأكبر بين سكان العراق ، كما ساهمت الخطط الشيطانية والحروب العبثية التي قادتها
الأنظمة الشوفينية المتطرفة في العراق ، بضمنها الحرب الشعواء التي شنتها السلطات على الشعب الكوردستاني من أجل اسكات صوته ومنع مطالبته بحقوقه الأنسانية
المشروعة ، ساهمت هذه الخطط والسياسات زيادة فقر العراق الغني حتى بات العراق بلد النخيل والنفط والزراعة والمعادن يقتات المساعدات الدولية ، وتتصدق عليه
الأنظمة الغربية ومنظمات مساعدة البلدان الفقيرة ، وأنتشرت صفائح السمن الأمريكي وأكياس الرز التايلندي والمنقوش عليها علامة المساعدات الأنسانية من المنظمات
الدولية للبلدان الفقيرة ، والتي كانت حكوماتنا المتعاقبة لاتستحي من أستلامها وتوزيعها ، ولم تستحي من الأعتماد عليها في خططها الأقتصادية المستقبلية .
وبقي الفقراء دون أهتمام من أي سلطة من السلطات التي تساقطت وهي تحكم العراق بواسطة مؤسسات الأمن العام والمخابرات والأستخبارات ، وبقي العراقيين دون
مساكن وماتت احلامهم حتى صار الحلم بأمتلاك العراقي متراً من الأرض يكون له قبراً بعد موته ليطمئن الى دفنه في تراب العراق ، ولم يتحقق الحلم المذكور للعديد
من أبناء العراق الذين أحتوت أجداثهم بلدان غريبة ، وكما احتوت المحيطات والخلجان بقايا الجثث التي غرقت قبوراً لأهل العراق أهل النفط والنخيل .
ولم يعد العراقي يتباهى بالنخيل ولا بآبار النفط ، حيث لم يلمس منها مايجعل له سقفاً لبيت متواضع يأويه وعياله ، ويؤمن له رغيفاً من الخبز يسد به رمقه و جوع
أطفاله ، بالأضافة الى مايستر به جسده .
لم يعد العراقي يهتم لالوزارة الأسكان ولالوزارة الشؤون الأجتماعية ، فثمة أهتمامات غير حاجة الأنسان العراقي الملحة في هذا الزمن الأغبر تتوجه لها كل الوزارات
، وأذا حسبت الوزارات تجدها تمتد كا لاخطبوط الى كل مرافق الدولة والحياة ، ولكنك لن تجد فيها وضمنها وزارة للفقراء أو حيزاً صغيراً للفقراء .
وزارة يكون اهتمامها أن تتفقد الفقراء الذين انقطعت بهم السبل فلا قدرة للعمل لديهم ولاسقفاً يأويهم ولارغيف خبز يأكلونه بكرامة ، وزارة يكون أهتمامها ان تحقق
للعراقيين الذين ليس لهم شبر من التراب في هذا الوطن الذي أكل فلذات اكبادهم وأمتص عرقهم وأرتوى من دماؤهم ، أن تساهم في أيجاد مأوى يليق بالأنسان لهم ،
ريثما تحقق لهم وزارة الأسكان بيتاً صغيراً بحجم عددهم متواضعاً بحجم حصتهم من النفط .
وزارة للفقراء يكون أهتمامها أن تتفقد وتخدم الفقراء في كل مكان ، وان تبذل كل جهودها من أن تجعل الفقير يشعر أن كل الأحزاب العراقية التي تتشكل منها الوزارة
، وكل أعضاء مجلس النواب الذي انتخبهم الفقراء في العراق ، انه الهدف الأول والأساس للخدمة والعطاء منهم جميعاً ، وان كل الأحزاب والنواب والوزراء ماهم الا
خدم لهذا الأنسان الفقير .
وزارة للفقراء تعطي للفقراء ولاتأخذ منهم ، تدور على كل مرافق الدولة تحصل لهم حقوقهم دون منة ودون تعداد وأستعراض لما تحققه لهم ، فالفقراء خجلون لايريدون
أحد أن يطلع على فقرهم ، والفقراء من أكثر الناس التزاماً بالقوانين وتمسكاً بتطبيقها .
وزارة للفقراء لاتترك أحداً يهيم في الشوارع ، ولايمد احداً يديه طالباً معونة ، ولاتترك احداً ينام في العراء دون سقف او دون مكان دافيء في الشتاء وبارد في صيف
العراق اللاهب ، وأن لاتترك احداً ينام وهو جائع ، وكيف ينام المرء وهو جائع ولايخرج شاهراً سيفه ، وأن لاتترك الفقراء دون دواء وعلاج ، وأن لاتترك احداً دون
كفن او قبراً يليق بانسانيته ، وأن تؤمن حياة عياله من بعده ، وان لاتدع أطفالنا يجوبون الشوارع والطرقات يتسولون بطرق لم يألفها العراقي من قبل ، وأن تعمل على
أيواء اليتامى وكبار السن ومن عافته الدنيا فتركته مهشما وحيداً ، وأن تكون المحامي الامين المدافع عن الفقراء في كل وزارة من وزارات العراق .
وزارة للفقراء ترمم حال الفقراء وتعوض لهم مافات من حياتهم كل هذه المدد الطويلة والعسيرة ، ووزارة للفقراء لاتترك بيوتاً من القصب أو خيام مهترئة أو صناديق
من الخشب او التنك يسكنها الفقراء ، وزارة للفقراء تهتم بهم كما يهتم وزير الداخلية أو الدفاع بشرطته وبجنودة ، فالفقراء ملح العراق ، وهم بناته ودمه الذي يبني ،
وبأرواح اولادهم سارت قوافل الشهداء التي أعجزت سلطات البغي والطغيان وأعجزت سلطة الطاغية صدام ولم تعجز ، وهم ملح العراق الذي ينبغي ان يتم الالتفات
لهم ، وهم أحق من كل الشرائح بالألتفات والأهتمام والأنصاف ، فقد شبعوا ضيماً وظلماً وتعسفاً وأهمالاً ، كما شبعوا كلاماً وشعارات وبيانات لم يستطيعوا أن يأكلوها
أو يستفيدوا منها .
وزارة للفقراء تهتم بشؤون الفقراء الذين لم يلمسوا شعاراً واحداً من الشعارات ، ولم يتذوقوا طعم الحكومة الجديدة بعد نهاية الطغيان والأرهاب .
زهير كاظم عبود
المصدر: صوت العراق، 10/2/2006