نساؤنا وعام المرأة..

وصفت صحف فرنسية عام 2006 بعام المرأة. المناسبة هي فوز مرشحات في ليبريا وتشيلي وفنلدا بمنصب رئاسة الجمهورية في بلدانهن في هذا العام، بعد فوز الألمانية ميركل بفترة قصيرة. وتشغل النساء مناصب كبرى غير الرئاسة في جميع الدول الغربية، وهناك المئات من البرلمانيات النشيطات وعشرات الوزيرات. وامرأة فرنسية احتلت سكرتارية مجلس أرباب العمل. هناك أيضا الكاتبات والصحفيات والفنانات وغيرهن.
في البلدان الإسلامية لا تزال قضية الحجاب تحتل المركز الأول من اهتمام الساسة ورجال الدين والمثقفين، عائدين بنا إلى وراء عقودا من السنين بعد أن كانت القضية قد حلت تقريبا بالاعتراف بحرية الملبس للنساء والتشكيك في كون الحجاب فريضة مقدسة. وقد سمعنا عن مأساة مدرسة التلميذات الصغيرات في السعودية حين شب الحريق وكيف منع "المطاوعون" رجال الإطفاء من إنقاذ تلميذات لم يستطعن لبس حجابهن بسبب النار، وقد ضربوهن عند محاولة الخروج من الباب، فراحت عشرات منهن ضحية للحريق. وفي التقرير المنشور في إيلاف منذ أيام للناقد السينمائي المصري محمد عبد الرحمن تعريف بمحنة السينما المصرية اليوم بفتاوى شيوخ الأزهر وفرض مساطرهم على الحياة الفنية والإبداعية وهي مساطر الحرام والحلال، والمركز منها كالعادة المرأة وهوس الجنس. ولا أعتقد أنه بالإمكان اليوم إعادة عرض العديد من الأفلام الاستعراضية المصرية للأربعينيات، وإلا فالويل والثبور من المشايخ والمثقفين الأصوليين. وباسم الدين والأصالة فرضت الأصولية والتزمت الدينيان حيثما أمكنهما جعل اللباس مقاسا ومعيارا للتدين والعفة أو عكسهما. وعدا الحجاب، هناك تحريم بنطلون الجبينز، بل وكل السراويل ما لم تغطها ثياب طويلة وتحريم لبس الباروكة. ووصل الأمر في التسعينيات لإصدار بعض المشايخ فتاوى تحريمية كثيرة ذات علاقة بشهوات الجنس، ومنها تحريم أنواع من الخُضر بسبب أشكالها الهندسية "المثيرة"!! ومن الفتاوى عدم جواز إشغال مقعد كانت تجلس عليه امرأة إلا بعد مرور وقت كاف، وذلك خشية انتقال ما تركته من حرارة للرجل فتثور شهواته، نعوذ بالله! وبالطبع لا تجوز مصافحة الرجل للمرأة. ويذكر أن وزيرا إسلاميا عربيا حضر ندوة في منظمة اليونسكو قبل شهور، وشوهد يتجنب مصافحة أية امرأة مع أنه كان في منظمة تغلب فيها نسبة الموظفات. وعرف عن عدد من أعضاء مجلس الحكم العراقي الامتناع عن مصافحة زميلاتهم في المجلس. كما سكرتارية مجلس الوزراء العراقي تطرد أية موظفة سافرة. فالمرأة السياسية المسلمة اليوم في العراق، كما في معظم الدول العربية الأخرى، يجب وعدا حجابها أن تبشر علنا بكون الرجل وصيا على المرأة وبأنه يجب تطبيق أحكام الشريعة في العلاقات الزوجية وما يتصل بها. ونعرف سطوة المليشيات الدينية العراقية وملاحقة المرأة في لبسها وحركاتها، وفرض الحجاب حتى على المسيحيات وفي الجامعات بالذات. وكانت منظمة "ائتلاف حقوق المرأة العراقية" قد أصدرت منذ حزيران 2003 نداء يدين "قيام جماعات الإسلام السياسي بتهديد النساء بارتداء الحجاب الإجباري، ومنع الزينة في مدن بغداد والبصرة ضد طالبات الجامعة وموظفات المستشفيات ومحلات الحلاقة وفي مدينة الكاظمية، والتصريحات حول معاقبة المتهمات ببيع الجنس" ، واعتبرت المنظمة هذه الممارسات تهديدا لنساء العراق "بإقامة أفغانستان ثانية." أما بالنسبة للذكور فنعرف عن عدوان شرطة النجف على طلبة بسبب بنطلون الجينز، وفرض الأصوليين تطويل اللحى، وغير ذلك من ممارسات.
كان ذلك بعد شهرين فقط من سقوط النظام البعثي. ومنذ ذلك الوقت استشرت الظاهرة وامتدت لمعظم المحافظات خارج كردستان، وتطاولت أيدي الأصوليتين، السنية والشيعية على السواء، لامتهان المرأة وسلبها حريتها الشخصية بالقوة أو بالضغط والفتاوى الدينية. وقد أفتى فقهاء الشيعة ما كان قد أفتى به مشايخ مصر من وجوب تطليق المرأة لزوجها إذا لم يعد يؤمن بالأفكار الإسلامية كما يشرعونها. و جوابا على سؤال :
" قد تحصل بعض المراسلات بين شاب وفتاة بغرض السؤال عنه ومعرفة أحواله لأنها تعتبره مثل أخيها وهو يعتبرها كذلك، أو التحدث في مسائل شرعية بعيدا عن الجو غير الشرعي.. فما حكم الشرع في ذلك؟"، كان الجواب:
"لا يجوز لما فيه من خوف الوقوع في الحرام."
ـ سؤال: " ما حكم تبادل الرسائل الألكترونية بين الجنس الآخر بشكل مباشر؟"
ـ جواب: " لا يجوز لما فيه من خوف الوقوع في الحرام ولو بالانجرار إليه شيئا فشيئا."
وأذكر بالمناسبة حادث إرسال صديق لي بالفكس في أواسط التسعينيات قصيدة غرامية طالبا رأيي. كانت الأبيات الأولى منها تقول:
"سحرت عقليَ باربي وكوتني نار حبي
لا أنام الليل إلا وهي في الفرشة جنبي
فتنة تستنهض الرغبة في جد ولعب
وتثير الطفل والكهل فيا سبحان ربي!"
في الحقيقة لم أمكن قد سمعت بباربي هذه، وتصورتها فتاة جديدة من اللواتي كان صاحبي يقع في غرامهن بسرعة وبكل حرارة. ولما عرضت القصيدة في اليوم التالي على الصديق الراحل مصباح الغفري انطلق مقهقها لسذاجتي وقال وهو يضحك:" هل حقا لا تعرفها؟!" قلت "وهل تعرفها أنت؟" قال "يا أخي هي لعبة غربية جديدة للبنات أثارت بلبسها ثائرة مشايخ الدين عندنا واتهموها بتشجيع الفساد والإباحية، وكالعادة نسبوا القصة لمؤامرة صهيونية ـ أمريكية ضد الإسلام والسلمين."
رحت بعدئذ أتتبع تداعيات المسألة فإذا بملالي إيران يضعون ختمهم على لعبة إيرانية مناهضة وقد لبست الحجاب الكثيف والثوب الطويل [ربما معها سجادة صلاة، لا أذكر]. أما مؤخرا فقد غزت الأسواق العربية بدا من سوريا لعبة "فلّة" العربية المحجبة ومعها سجادة صلاة.
يظهر كأن العرب والمسلمين بهذه الأساليب المتخلفة والمضحكة يتحدون العالم "الكافر" وعدوانه على الإسلام. هكذا، هكذا وإلا فلا، لا!
لقد انتصرنا في معركة اللعب وصراع الحضارات حولها كما ننتصر اليوم على البلد المسالم الصغير الدنمرك لمجرد أن رساما رسم رسوما كاريكاتورية اعتبرت مسيئة لشخص ومقام النبي الكريم، فلا اعتذار الرسام المغمور بكاف ولا اعتذار حكومة لا علاقة لها بما تنشره الصحف ولا تفرض رقابتها كما عندنا. وإنها لغزوة حتى ارتفاع راية الإسلام في الكون أجمع. آمين!

عزيز الحاج
2 شباط 2006