وزارة المهجرين والمهاجرين تلعب في الوقت الضائع !

- عقدت وزارة المهجرين والمهاجرين في 14 و15 من شهر كانون الثاني 2006 في مدينة مانشستر البريطانية ماسمي مؤتمرا للمغتربين ! وقد أثار هذا المؤتمر ردود فعل تراوحت بين المجاملات الاخوانية وتقديم الشكر والثناء لأصحاب الدعوة ، وبين من كانت لديه ملاحظات هامة حول جديته وظروف عقده والهدف من وراءه .
- ومن خلال متابعة لما ظهر لاحقا عن المؤتمر ، حتى لمن كتب بايجابية عنه ، ومع التقدير لدماثة اخلاق السيدة الوزيرة وكادر الوزارة ومن حضر المؤتمر ، فأن دوائر الشك وعدم الارتياح زادت اتساعا والقت بظلال قاتمة على الأداء العراقي المرتبك الذي انتقل من الداخل ليصل الى المهجر أو ربما العكس . ولا نعرف متى يدرك السياسيون والمثقفون العراقيون بأن العمل الفاشل يزيد الحالة ارتباكا وتعقيدا ويتطلب جهدا أكبر من اللازم لإزالة الركام من طريق العمل اللاحق ؟
- وأول مايسجل على المؤتمر هو استخدامه لتسمية " المغتربين " ، وهي مفردة من قاموس الخطاب السياسي للبعث المنحل ، ولكن الشائع للآسف في الساحة العراقية مثل مفردة القطر ، عراقيو الداخل وعراقيو الخارج . واذا كان البعض قد نسى ، فلا بأس من التذكير بأن النظام السابق قد عقد عدد من المؤتمرات بهذه التسمية لأشخاص كانوا يرتبطون معه بصلات سياسية وامنية وتجارية ويؤدون خدماتهم له . وقد كتبت عنهم وكشفت بعضهم عدد من الصحف وبالتحديد في الدول الاسكندنافية . وكان للمعارضة العراقية حينها أكثر من نشاط ضد مؤتمرات المغتربين هذه ، منها المؤتمر الصحفي الذي نظمه مجموعة منهم في مدينة مالمو السويدية وشاركت فيه نائبة من البرلمان السويدي ، وجهت بعده ، في داخل البرلمان ، سؤالا لوزير العدل السويدي عن خطورة عمل هؤلاء المغتربون . فهذه التسمية ارث من خطاب النظام البائد والقصد منها أفراغ حالة المنفى والمنفيين والآن المهجر والمهجرين والمهاجرين من بعدها السياسي . كان الأجدر ان تنسجم التسمية ، على الاقل ، مع اسم الوزارة والوزيرة ليكون مؤتمرا للمهجرين والمهاجرين ، أما اذا كان الرأي غير ذلك فالأفضل ان تغير الوزارة والوزيرة اسمها ليصبح وزارة المغتربين ووزيرة المغتربين !
- ومن الملاحظات الأخرى على هذا المؤتمر ، الذي كان اقرب الى "الوليمة السياسية" منه الى مناقشة قضايا المهجرين والمهاجرين المهمة ، هي في انعقاده بعد إنتهاء مدة التكليف الرسمي والدستوري للوزارة التي انتهت بمجرد تنظيم الانتخابات في 15 كانون الأول 2005 ، وبالتالي اصبحت الوزارة ماتسمى عادة بوزارة تصريف اعمال ، بانتظار ماتسفر عنه الانتخابات ، ومايتبع ذلك من تشكيل حكومة جديدة ، وهذا يعني ان وزارة الهجرة لم تتمكن من تنظيم مؤتمرها في الوقت الأصلي ففضلت ان تبدأ المباراة في مانشستر في وقتها الضائع ! ومن يدري ربما كانت هذه بالضبط خطة الوزارة ، فهلا تكرمت بالتوضيح ، وهي التي عقدت مؤتمرا " للمغتربين " في اوربا ، ان كانت تعلم بوجود " مغتربين " آخرين في اميركا الشمالية وكذلك في استراليا ونيوزلندة ، ومتى ستنظم مؤتمرا لهم !؟
- أما اذا اعتمدنا مايرد كثيرا على لسان السياسيين والمسؤولين من احاديث وتصريحات عن "الشفافية والمؤسساتية" فأن هذا المؤتمر وبالطريقة التي شكل فيها لجنته التحضيرية والكيفية التي وجهت بها الدعوات ومن ثم انعقاده ، يبتعد كثيرا عن هاتين المفردتين ولا علاقة له بهما اطلاقا . وقد اوضح بيان صادر من احدى الجمعيات التي حضر مندوبها بعد اتصال خاص مع السيدة الوزيرة ، وكذلك مانشره أحد الكتاب الذي حضر المؤتمر ، الطابع الفردي المزاجي لتشكيل اللجنة التحضيرية والدعوات التي وجهتها مما انعكس سلبا على المؤتمر واعماله "وحضور بعض الشخصيات التي لا تمثل الاّ نفسها وكوجوه فقط دون ان يقدموا شيء يذكر ، ومحاولة بعضهم وبسذاجة التزلف للسيدة الوزيرة ... من اجل الحصول على وظائف مستقبلا او ابرام عقود تجارية" ، وهو ماأكده مثقف آخر حضر المؤتمر فذكر "انه سمع في اروقة المؤتمر بعض من كان يروج لتوصية أو نداء من المؤتمرين يطالب باعادة توزير الوزيرة واحتفاظها بمنصبها في الوزارة القادمة" ! بينما غيبت مؤسسات عراقية في اكثر من بلد اوربي ، وبعضها ذات حضور ونشاط منذ اكثر من عقد ونصف ، وامتداد يصل حتى البرلمان الاوربي كأتحاد الجمعيات العراقية في السويد .
- والجدير بالاشارة الى ان كل من كتب تبريرا للمؤتمر وتسويقا له "بالشكل والمضمون لكي يكون مبدأ عمل للمؤتمرات القادمة" لم يتمكن من تجاوز الاشارة الى "بعض الثغرات" ، التي تمثلت "بضيق الوقت الذي اصبح مربكا للمحاضرات والبحوث التي قدمت مختصرة ... كما ادى الى عدم الخروج بنقاط يتفق عليها الجميع أو هيئة منتخبة كلجنة تحضيرية مقبلة ولتأخذ على عاتقها كثير من الاقتراحات التي قدمت في المؤتمر"
- ولمعرفة الكيفية التي عقد بها المؤتمر ومدى انسجامها مع معيار الشفافية والمؤسساتية ، أستطلعت آراء عينة من المثقفين والعاملين في منظمات المجتمع المدني ، فذكر الباحث القانوني محمد عنوز ساخراً:
الحمد لله نحن من الذين سمعوا بعقد المؤتمر وليس بنية عقده أو التحضير له ! ومن الذين تلقوا العتاب لعدم المشاركة او الحضور ، كبقية الحاضرين بهذه الاستراحة الممتعة ، بعد عدة زيارات للعراق . ولا غرابة ، وهذا مايجب ان تسمعه الجهة المنظمة ، من باب تجاوز الاخطاء بكل مفاصل المؤتمر ، بعد ان لم تعتمد اسسا ومعايير سليمة لاختيار المشاركين والجمعيات الناشطة منذ سنين ، بعيدا عن الشخصنه التي اصبحت داء ينهش في جسد وروح المجتمع العراقي للأسف ، والاغلبية تتفرج ! اما كريم الربيعي المسؤول في جمعية الدفاع عن حقوق الانسان في الدانمارك التي اعتمدت كمراقب للانتخابات العراقية الاولى والثانية فيكتب :
لم توجه لنا دعوة كجمعية ، ومثلنا العديد من الجمعيات والنشطاء في وسط الجالية الذين لم تصلهم اية دعوة ، حيث تساءل العديد منهم حول هذا المؤتمر . الدعوات التي وجهت ليست على اساس تمثيل الاشخاص لجمعيات ناشطة بالوسط العراقي ، وانما بصفة شخصية فردية .
وهنا أود ان اضيف بأن ساحة المهجر تعاني من ذات الامراض التي تعاني منها الساحة في داخل العراق ، ومنها مرض الزعامات والوجاهات الذي يبدو انه يضرب بجذوره عميقا ، كما ان عقد المؤتمر باسم المغتربين العراقيين اساءة للجاليات العراقية ، التي يعد وجودها لاسباب القمع والتنكيل والارهاب الذي مارسه النظام الدكتاتوري! وعقد المؤتمر بهذا الاسم هو طمس لتلك الاسباب .
ويؤكد الدكتور تيسير الالوسي المسؤول في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك :
لقد سمعت عن المؤتمر عن طريق أحد الزملاء العاملين معنا في إطارالأكاديمية العربية المفتوحة ، وعلى الرغم من الاتصال الشخصي الذي عمله معي إلا أنني لم أفهم بالضبط الجهة الرئيسة التي دعت للمؤتمر ولا الجهة المنظمة وحسب الاتصال المذكور كان يُفترَض أن يتم الاتصال بي لكي أحضر المؤتمر ولكن لم يتصل أحد ولا الزميل بعث عنوان المنظمين وإذ كان يهمني أن أتعرف على المؤتمر وطبيعته وتوجهاته ، وأن تشترك الأكاديمية العربية المفتوحة بغرض التعبير عن أنشطة مؤسسة عراقية في المهجر ، الاّ أني لم أجد أي استجابة أو اتصال حقيقي .. وما دفعني للتساؤل وجود دعوة موجهة للأكاديمية ولكنها كما يبدو لم تكتمل أو أنها ليست دعوة مباشرة وصريحة..الأمر الآخر أن الزميل الذي حضر المؤتمر وكان يُفترض أن يمثل الأكاديمية لم يذكر في تقريره الذي نشره في المواقع الألكترونية أي شئ جدي يُذكر بخصوص المؤتمر سوى أرقام وعناوين لا تغني ولا تسمن .
ويضيف الكاتب والصحفي والمسؤول عن موقع القيثارة السومرية حسين السكاف :
لم أسمع بهذا المؤتمر الاّ منك ! لقد أصبح معروفاً لدى الجميع أن هناك صنف جديد من التجارة أو المتاجرة عراقياً، إنها المتاجرة بأسم الثقافة العراقية والجرح العراقي النازف، كما وأصبح السفر بحجة إقامة المؤتمرات والندوات نوع من المتاجرة التي تدر أرباحاً لا بأس بها . قد يكون هذا من حسن حظنا، حيث نبقى بعيدون عن متاجرة هذا أو ذاك، بعيدون عن كوننا سلعة عراقية قابلة للتسويق والربح من قبل أشخاص فرضوا علينا وليس لنا أي دخل أو دور في توليهم مناصبهم .
أما فرات المحسن الكاتب والناشط في الجمعية العراقية لحقوق الانسان في السويد :
مثلكم لم اسمع بالمؤتمر إلا بعد صدور تنويه صحفي عنه في المواقع الألكترونية . أعتقد أنه جزء من صناعة البدع وسلق المراحل لبناء هياكل ومنظمات لأغراض خفية تظهر بعد حين قوتها وشراستها نحو المنافسين ، وهذه واحدة من مظاهر الخراب الذي يضرب أطنابه في نفوس العراقيين . أعتقد أن تشكيل مثل هذه المنظمة يحتاج الكثير والكثير من التروي والحشد والدراسات ليكون متناسبا وحجم العراقيين الموجود في بلدان الشتات .بالمناسبة أنها فكرة جيدة ولكن من تبناها في لندن يسعى لغرض أخر وقد أستغلوا وجود وزيرة الهجرة للمعالجة فعقدوا هذا المؤتمر الذي شمل مجموعة أصدقاء ومعارف وأقارب .
- بقي ان نشير الى حاجة العراق والعراقيين لكل عمل وجهد مخلص ونزيه يوقف نزيف الدم اليومي ، وهو مايتطلب موقفا وخطابا سياسيا وثقافيا يرتقي الى مستوى هذه الحالة ، يبتعد عن العشوائية والتسطيح والاستخفاف بعقول الناس في تناول الشان العراقي ، بمختلف مستوياته . واذا كان صحيحا ان مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ، فمن الضروري ان تكون هذه الخطوة راسخة لا ننزلق بعدها الى الهاوية ، وان تكون في الاتجاه الصحيح ، وليس كخطوة الطاغية المعتوه الذي أشاع أنه سيتحرك بأتجاه القدس لتحريرها ، فخطا بنا الى الكارثة في الاتجاه المعاكس ... الى عبادان !

محمد ناجي
muhammednaji@yahoo.com

المصدر: صوت العراق، 29/1/2006