كيف يصبح العراق لكل العراقيين؟

بعد جهاد الأنتخابات الأخيرة تبقى الحالة العراقية تتحرك في الواقع الداخلي والأقليمي والدولي . ففي الداخل سوف تدخل الكتل المشكلة للمكونات العراقية في نقاشات معمقة ، بغية التأسيس لحكومة الأربعة سنوات . رغم وجود أختلافات هنا وتقاطعات هناك .الا أن الجميع يتطلعون الى أجراء حوارات معمقة ومثمرة ، وهذا يتطلب توفر الجميع في هذه المرحلة على ثقافة تمكنهم من هندسة الطريق الى كافة العقول .

في هذه المرحلة لا يبدو ان الأمر في غاية الصعوبة ،لأن يظهر أنه حتى من كان معاندا للعملية السياسية ،قد توصل أخيرا الى حقيقة جدواها ،أوعقم المقاطعة لها . ومن هنا يبدو المناخ مناسبا أكثر من أي وقت مضى لتتحرك فيه النيات الصادقة والأفكار النيرة التي تدرس الواقع العراقي بشكل موضوعي ودقيق . لتكفل للجميع الأرتفاع الى مستوى الوحدة الوطنية ، عن طريق حكومة مشاركة واسعة تضع الأستحقاق الأنتخابي كقاعدة أساسية لها .

هذا فقط يحول دون ألأخلال بمبادئ وثوابت الديمقراطية ، التي تكفل للأغلبية حقوق وترتب عليها واجبات . وهنا يكون على الجهات الرافضة السابقين للعملية السياسية والدستورية ،أن تغلب المصلحة الوطنية ،ولا تحاول مجرد التفكير في أستصحاب المعادلة التاريخية المنحرفة التي أمتدت لعقود وان شئتم لقرون طويلة . وان تغلب المصلحة الوطنية ، وهي الضمانة لنجاح مشروع العراق الموحد الفدرالي الجديد برمته . ومتى نجح هذا المشروع الكلي ، ضمنا نجاح المشاريع الجزئية المتفرعة عنه . لأن المشروع الكلي الذي ذكرناه هو يمثل المساحة المشتركة لتوافق العراقيين الذي تجسد بالدستور ، وبالتالي هو المنطلق الذي ننطلق منه لتحقيق سائر الأهداف.

دون أن يزايد فيها طرف طرفا آخرا بانه الحامي الوحيد لوحدة العراق ، ليجرح مشاعر الأغلبية التي قدمت دماءها لوحدة البلد على قاعدة العدالة ، المفقودة حينها . وان يتشارك الجميع في بناء البيت الجديد الذي يحوينا كلنا، بفرص متكافئة تكفل على قاعدة المواطنة .
وعندما أقول الجميع ، علينا ان لا نتحرك ضمن حدود الوطن فقط ، بل ليمتد هذا التعريف واقعا الى حيث كل عراقي في بلدان المهاجر.
كي لا نؤسس لمفردة جديدة تضاف الى مفردات التنوع العراقي . عراقيي الداخل وعراقيي الخارج .الا أذا كان التمييز يجري وفق أقرار تنوع تجربة أهلنا في الداخل وتجربة أهلنا في الخارج . بأعتبار لكل منهما أنعكاساتها المتباينة ، بحكم تباين الأجواء والظروف والتجارب التي عاشها العراقيون . لتتلاحم وتتكامل وتتعاضد كل التجارب ، وتصهر في بودقة خدمة هذا الوطن التي قست وأشتدت وطالت فصول محنته . كي يعيش السلام بعد ويلات الحروب وأرهاب السلفيين التكفيريين والصداميين المجرمين ، وكي يتنفس هواء الحرية بعد طول أختناق ويستعيد كرامته بعد أن سحقها الطغاة ، وأستقلاله الفعلي بموازات أستتباب الأمن والسلام الداخلي .
مع أيماننا بأن معاناة من تلظى بنار النظام الصدامي لفترة أطول هي المعاناة الأكبر والأشد والأقسى .

دون أن ننسى من هاجر بعد أن تعرض للسجن والمعاناة ومصادرة الأموال وتقتيل الأبناء ، مما لم يتعرض له البعض من أهل الداخل .
ثم من ينسى الذين هاجروا بسبب تصديهم المبكر لرفض النظام ومقاومته تمهيدا للتخلص من كابوسه ،مما عرضهم للملاحقة والأختيال .
وفي أقل الأحوال أضطراب في أحوالهم المعيشية ، مضيعين فرصهم من تحصيل علمي ونمو أقتصادي .
ثم من كان على خط المواجهة مع البعث في جبال كردستان والأهوار وعمق الأراضي العراقية . يصعب أن يصنف بعراقي الخارج.

واين نضع المهجرين في هذه المعادلة ، الذين محنتهم لا تساويها محنة ؟ .

ثم ليس كل من كان في الخارج ، من هو باحثا عن رفاهية العيش كما يظن البعض . بل كان الكثير منهم ومازال ، جنودا يتحركون في مجتمعات الغربة ، ليخلقوا ظروفا تنسجم مع ثقافة العراق وعاداة العراقيين ولتمتد معاناتهم النفسية الى حيث المعاناة المادية لكل عراقي يعيش الآن فقدان الأمن وأنهيار الخدمات وضيق العيش .
المهم أن تتكامل تجارب جميع العراقيين من أجل بناء وطنهم ، العراق، في المرحلة القادمة . وتتحقق لهم ما يتطلعون أليه من أمن وخدمات أساسية لتحقيق شروط العيش الكريم ورفع للمستوى المعاشي ومكافحة الفساد بكل أنواعه ومنع عودة البعث الصدامي والقضاء على الأرهاب وتوفير مستلزمات الأستغناء عن القوات الأجنبية .

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com

المصدر: صوت العراق، 28/1/2006