أحمدي نجاد والأسد على خطى صدام حسين


رغم الصعوبات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر، إلا إني متفائل جداً بمستقبلها المشرق على المديين، المتوسط والبعيد. فهذه الآلام التي تعانيها شعوب المنطقة ما هي إلا آلام المخاض العسير للوليد العظيم، ولادة المجتمع الديمقراطي الحر، ودخوله في عالم الحداثة والحضارة المعاصرة والديمقراطية والليبرالية وإلقاء الأنظمة الشمولية (التوتاليتارية) المستبدة في مزبلة التاريخ وإلى جهنم وبئس المصير. وتفاؤلي هذا ليس نتيجة التمنيات وأفكار رغبوية wishful thinking كما يتصور البعض، بل مبنية على فهمي لقوانين حركة التاريخ وإيماني العميق بالحتمية التاريخية. وبسبب تفاؤلي وموقفي هذا من حركة التاريخ، اتهمني صديق عزيز عليّ، بالقدرية وعدم الاعتراف بدور الإنسان في التغيير، رغم أنه يشاركني في الكثير من الآراء. والحقيقة ليست كذلك إذ هناك فرق كبير بين (القدرية) والحتمية التاريخية. وهذا موضوع طويل سأخصص له مقالاً مستقلاً في القريب العاجل. ويكفي في هذه العجالة أن أذكر أن الدول الأوربية مرت بذات الظروف والتحولات العاصفة قبل مائتي عام والتي تمر بها منطقتنا الآن. وهذا لا يعني أن هذه الزوبعة ستستغرق مائتي عام، أبداً، لأن التحولات الاجتماعية والعلمية تسير بتعجيل شديد في عصر العولمة والثورة المعلوماتية ونظام القطب الواحد. فما سيتحقق من تقدم خلال العشرة أعوام القادمة يعادل ما حققته البشرية خلال فترة الألف عام الماضية.

أجل، للتاريخ منطقه الخاص، فحتى عندما يقع الشر، فيمكن أن يكون في صالح الخير! وهذه المفارقة من الصعب على البعض تقبلها. ومن هنا أيضاً جاءت مقولات مهمة لها دلالاتها مثل: (رب ضارة نافعة) و(الخير فيما وقع) و(عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)...الخ. فلولا كارثة 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي ارتكبها حمقى القاعدة لما تحركت أمريكا، الدولة العظمى لشن حرب ضروس على الإرهاب الإسلاموي الدولي، لأن هذا الإرهاب من القوة الآيديولوجية الدينية والإمكانيات المادية والمعنوية بحيث ليس بمقدور الحكومات العربية والإسلامية مواجهته، ولسقطت هذه الدول الواحدة تلو الأخرى، وابتلت شعوبها بنظام حكم طالباني همجي متخلف أعادها 15 قرناً إلى الوراء.

وكما قال الكاتب والصحفي الإيراني اللامع، أمير طاهري، أن فوز الإسلاموي المتشدد، محمود أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران يبعث على التفاؤل.
فهو خطوة رائعة في الاتجاه الصحيح لصالح القوى التقدمية والديمقراطية في إيران والمنطقة. لأن هكذا متطرف على رأس سلطة رجعية ثيولوجية مستبدة سيعجل بالمواجهة والمجابهة مع المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وبذلك سيحقق فنائه. وسلوك أحمدي نجاد لا يختلف عن سلوك صدام حسين بهذا الخصوص. وكما قال لينين: "دع خصمك يتعفن بأخطائه دون أن تنبهه ثم عريّه أمام الناس بعد أن يكون قد افتضح أمره وفاحت الرائحة." ونحن لا نحتاج إلى تعرية الرئيس الإيراني، فالامبراطور عريان وملابسه الجديدة ما هي إلا خدعة يخدع بها البلهاء والإنتهازيين الذين يشجعونه على السير قدماً نحو الهاوية كما صفقوا لصدام حسين من قبل. لقد فاحت رائحة النظام الإيراني المتعفن بأخطائه. فهذه العنجهية التي اشتهر بها أحمدي نجاد في تحدي المجتمع الدولي وتصريحاته الديماغوجية الصبيانية الرخيصة ضد إسرائيل وأمريكا، وسعيه المحموم لامتلاك السلاح النووي في تحد صارخ للغرب، كلها تشكل الخطوات الأساسية الضرورية التي جعلت النظام الإيراني منبوذاً دوليا وفي حالة مواجهة مع الدولة العظمى، تماماً كما فعل صدام حسين. وعليه، فمستقبل هكذا نظام لن يكون بأفضل مما حصل لنظام البعث الفاشي في العراق، لأن هكذا رئيس جاهل لن يتعلم حتى من تجربة معمر القذافي الذي اضطر أخيراً شحن جميع ترسانته من أسلحة الدمار الشامل وإرسالها إلى أمريكا وهو صاغر. مسكينة هذه الشعوب المحرومة من ثرواتها والتي يعبث بها سياسيون مراهقون بلطجية من أمثال صدام حسين ومعمر القذافي والآن أحمدي نجاد وبشار الأسد.

نعم، إن الرئيس الإيراني مصر على نهجه الانتحاري ويرفض أي عون لإنقاذه من ورطته. إذ تقول افتتاحية نيويورك تايمز يوم 13 يناير الجاري "أن إيران أدارت ظهرها نحو العرض الأوربي والروسي السخي الذي بموجبه ضمنوا تجهيزها بالوقود النووي للاستعمالات المدنية، ومساعدتها اقتصادياً وحل مشكلة البطالة والتخفيف من عزلتها الدبلوماسية، ولكنها كشفت هذا الأسبوع عن امتلاكها لأجهزة السنترفيوج المستخدمة لتخصيب اليورانيوم لمستويات القنبلة".
ورغم كون الصحيفة هي معارضة لسياسة إدارة بوش وتتصيد أخطاءها، إلا إنها متشائمة من الموقف الإيراني المتشدد. فتطالب الصين وروسيا بالانضمام إلى الجهود الأوربية في عرض سلوك إيران على مجلس الأمن الدولي وإدانة تهديدها المتنامي. فالكلام الصريح والموقف الموحد فكرة جيدة، خاصة عندما فشلت معها الدبلوماسية التقليدية لحد الآن، كما تقول الصحيفة.
وهذا يعيد على الذاكرة السيناريو الذي اتبعته أمريكا بصبر مع صدام وإصرار الأخير على نهجه العدواني في تحدي الدولة العظمى وتهديده بحرق نصف إسرائيل ولكن في النهاية أحرق الكويت والعراق معاً. وبنظرة تأملية فاحصة على تاريخ الحكومات الثورجية في المنطقة نعرف أن الغاية من تهديدها لإسرائيل هي خدع شعوبها البائسة المخدرة والمغيب وعيها، وليس أكثر من (قرقعة لسان) على حد تعبير المناضلة السورية الرائعة وفاء سلطان. لقد بهدلت هذه الحكومات الثورجية شعوبها المغلوبة على أمرها وحرمتها من ثروات بلادها، وهاهي تقودها مرغمة من هزيمة إلى هزيمة ومن كارثة إلى كارثة، في مجابهة غير متكافئة مع الغرب، تماماً على طريقة صدام حسين، ولا شك فإن النتيجة ستكون ذاتها.

ونفس الكلام ينطبق على الرئيس السوري بشار الأسد، حليف الثورجي أحمدي نجاد. هذا الصبي الذي صار رئيساً بالوراثة لدولة منبوذة عالمياً، لا يمتلك أية مؤهلات لتجعله بهذا المنصب لولا أن أباه كان رئيساً وأراده وريثاً لعرش منخور آيل للسقوط. وإذا كان والده قد بقى في الحكم أكثر من ثلاثين عاماً لأنه كان مراوغاً ولا يقل ذكاءً وخبثاً من معاوية، والذي اتخذ من عبدالحليم خدام مستشاره الأول يستمع إليه كما كان عمرو بن العاص لمعاوية، على حد تعبير المفكر الكبير شاكر النابلسي، فإن هذا الصبي استغنى عن عمرو بن العاص زمانه وأخرجه من شلته ودفعه إلى صفوف أعدائه وأحاط نفسه بشلة من الجهلة الذين أشاروا عليه بارتكاب المزيد من الأخطاء والحماقات والأعمال الإرهابية في العراق ولبنان إلى حد التعفن، فها هو الآن في حالة مجابهة مع المجتمع الدولي، بل قل في حالة احتضار، ولا بد أن يكون هو الآخر مصيره كمصير نظيره صدام حسين.

أما المحاولات الجارية من قبل بعض الدول العربية لإنقاذ النظام السوري من السقوط وخنق المعارضة الوطنية السورية وعزلها والتضييق على الليبراليين العرب إعلامياً، فهي محاولات يائسة لا يمكن أن يكتب لها النجاح، بل يمكن أن تؤجل السقوط لفترة قصيرة فقط في أفضل الأحوال، لأن ساعة انهيار الأنظمة الفاشية آتية لا ريب فيها.

د. عبد الخالق حسين
18/1/2006