حول التاريخ القومي والمسيرة النضالية للأكراد الفيليين في العراق


قد يظن البعض بأن الأكراد الفيليين يشكلون فئة قومية لها مزاياها الخاصة ، والتي تختلف عن تلك المزايا السائدة بين الجماعات الكردية الأخرى ، أما حقيقة الأمر فهو ان الإختلاف الوحيد هو في اللهجة فقط ، فلكل قومية وفي مداها الجغرافي لهجاتها المتعددة، وفي كل أنحاء العالم ، وفي الإمكان ملاحظة إختلاف اللهجات لالدى الأكراد فقط بل لدى مختلف الشعوب والقوميات ، ومثال ذلك اللهجة العامية لدى عرب العراق وإختلافها مع اللهجة العامية في سورية و لبنان و مصر و تونس..إلخ ، و نجد هذه الظاهرة حتى في الدول الأوروبية بالرغم من السيطرة الكاملة لوسائل الإتصال المختلفة ففي ألمانيا والنمسا مثلا فلكل مقاطعة لهجتها الخاصة التي تختلف عن لهجة المقاطعات الأخرى ، لاهذا فقط بل هنالك لهجات عديدة داخل نفس المقاطعة ومثال ذلك مقاطعة "فورالبرك" في النمسا.

فيما يتعلق بتاريخ الأكراد الفيليين في العراق ففي الإمكان الإستناد بالدرجة الأولى إلى النظرية التاريخية التي ترجع تواجد الأكراد الفيليين في بلاد الرافدين إلى العهد السومري وذلك نتيجة للتبادلات التجارية التي كانت قائمة آنذاك بين السومريين و لورستان والتي كانت "إيلام" آنذاك عاصمة لها ، وقد كان تمركزهم في البداية في مدينة الكوت ( في منطقة بدرة وجسان الحالية ). وفي بعض المناطق التي كانت تسمى آنذاك بالعراق العجمي.

وفيما يخص سكنهم في العاصمة العراقية بغداد ففي الإمكان إرجاعه إلى مرحلة بدأ وإزدهار الرأسمال التجاري، حيث أن أكثر التجار الذين كانوا متواجدين في مدينة الكوت ، والذين كانوا يمارسون مهنة التجارة مع دول الخليج كذلك ، حولوا متاجرهم ومحلات عملهم إلى بغداد وقد كان لهم آنذاك صيت ذائع في " علوة شورجة "في بغداد.

أما فيما يتعلق باللقب " فيلي " فهي تسمية محلية بغدادية لاأكثر ولا أقل . فلقد أستوجب العمل في المتاجر ولايزال أن يملك العامل قوة جسدية هائلة لكي يكون في إمكانه نقل الأثقال الكبيرة وكان هؤلاء التجار يوكلون مثل هذا العمل المرهق إلى جماعات من البروليتاريا الرثة من بني قومهم ، وحين رأى عرب العراق بأم أعينهم هؤلاء العمال الأكراد وهم يحملون كل هذا الثقل تعجبوا لهذه القوة الجسدية وصوروهم ب" الفيل"
وكانوا يقولون وباللهجة العامية البغدادية : والله هذول فيالوه! ومن هنا جاء لقب الفيلي كإعتراف بالقوة الجسدية لهؤلاء العمال ( وان التوصل لهذه الحقيقة التاريخية فيما يخص أصل وإنحدار لقب "الفيلي" هو نتاج جهود أحد الإخوة من الأكراد الفيليين أنفسهم، والذي تتبع هذا الأمرمن خلال مباحثات مع شهداء العصر وخاصة مع الجيلين السابقين )
فلقب الفيلي ليس له وجود في كردستان إيران لا في منطقة إيلام وبشت كو ولا لدى قبائل الكلهور في ربوع زاكروز منذ العهد السومري ولحد هذا اليوم. وهذا اللقب منحدرمن بغداد ويحمله وبالدرجة الأولى الأكراد الساكنين فيها.

مع تأسيس المملكة الهاشمية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى إنقلبت الآية ولغير صالح الأكراد الفيليين ، حيث ان قانون الجنسية العراقية قررت منح الجنسية العراقية حسب " التبعية " ، اي كون شخص ما من التبعية العثمانية أو من التبعية الإيرانية ، ولقد قرر هذا القانون الجائر منح الجنسية العراقية لمن كان خاضعا للتبعية العثمانية فقط ، اما الأكراد الفيليين فقد حسبوا على التبعية الإيرانية وحرموا من التمتع بحق المواطنة وعلى مدى ثمانية عقود من تاريخ العراق .
لاهذا فقط بل كانت هذه الفئة الكردية المظلومة دوما بمثابة ورقة جوكر بيد الحكومات العراقية المتعاقبة ضد إيران بسبب منازعات الحدود ، وقد تعرض هؤلاء الأكراد إلى التشرد والتهجير عبرالحدود العراقية ونحو إيران مرارا وتكرارا وخاصة بعد إنقلاب شباط الأسود عام 1963 ، والتي تكررت مرات عديدة بعد سيطرة نظام البعث الفاشي على مقاليد الحكم في العراق للمرة الثانية في عام 1968 والتي أختتمت بالمصير المجهول للآلاف من الشباب الفيليين!!!

إن الإضطهاد الذي تعرض له الأكراد الفيليين بعد تأسيس الدولة العراقية كان له ردوده الفعلية وتأثيراته على تحديد مواقعهم في الساحة السياسية. لقد شكلت هذه الجماعة الكردية ،وفي مناطق سكنها القاعدة الرئيسية والنواة الحقيقية للأحزاب التي كانت تناضل ضد النظام الملكي والإستعمار البريطاني ، وقد شكلوا آنذاك الوقود الثورية لأحزاب أممية كالحزب الشيوعي العراقي و لأحزاب قومية كالحزب الديمقراطي الكردستاني وكذلك لأحزاب الوسط كالحزب الوطني الديمقراطي ( كامل الجادرجي ).
فعزيز الحاج والذي تزعم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ( بعد الإنشقاق ) وحبيب محمد كريم الذي كان يشكل اليد الأيمن للزعيم الراحل مصطفى البارزاني داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وعادل مراد ( في الوقت الحاضر ) الذي له دور قيادي داخل الإتحاد الوطني الكردستاني فهؤلاء الأشخاص يشكلون ذروة النضال الطبقي والقومي للأكراد الفيليين في العراق.

حسين باوه

المصدر: صوت العراق، 16/12/2005