فرهود ..!!
كلمة فرهود ، كلمة عراقية بحتة ، يستخدمها العراقيون عندما تتعرض الأموال الخاصة أو العامة ، للنهب والسرقة العلنية ، من قبل ضعاف النفوس ، والحرامية المعتاشين على المال الحرام ، عند غياب السلطة
، أو عندما تغض السلطة النظر عن جرائم النهب والسرقة التي يمارسها الأتباع والأشياع . حصل الفرهود في العراق على عهد النظام الملكي في العام 1947ـ1948 ، عندما أسقطت الحكومة العراقية
الجنسية عن اليهود ، وأجبرتهم على مغادرة العراق ، فتعرضت أملاكهم وممتلكاتهم إلى النهب ، وقد اقترنت لفظة ' الفرهود ' باليهود ، (فرهود مال يهود ). كما حمل هذا الإسم رئيس الوزراء العراقي ، إبان
الحكم البعثي ـ القومي ، طاهر يحيى ، عندما استشرى الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية ، وكثر النهب والسطو على المال العام . كما حصل الفرهود عندما احتل الأمريكان العراق ، حيث تعرضت
ممتلكات الدولة ، وممتلكات النظام ورجاله للنهب ، ليس من قبل المواطنين فقط ، بل من قبل الاحتلال وجنده ، والعراقيين ، من الأحزاب والمليشيات الحزبية ، حيث قد ُفِكَكت المؤسسات والبني التحتية
الإقتصادية ، من معامل ومحطات كهرباء ونفط وغيرها ، وتم نقلها إلى خارج الحدود وبيعها في إيران وتركيا والأردن وسوريا ، كما استولت الكثير من الأحزاب والقوى العراقية ، المتواجدة في السلطة ،
وخارجها الآن ، وشخصيات قيادية فيها ، وميليشيات حزبية ، على أموال وممتلكات رجال النظام السابق ،ولا زالت تهيمن على تلك القصور والممتلكات الأخرى ، من بيوت ومزارع ، وقد استحدث اسم رديف
، جديد للفرهود ، هو ' الحواسم ' ، تيمنا بالإسم الذي أطلقه صدام إبان هروبه من المواجهة .
للحقيقة وللتاريخ ، أقول على الرغم من أن الفساد والنهب للمال العام والخاص كان مستشريا ، إلا أنه لم يبلغ آنذاك ـ زمن طاهر يحيى ـ ما بلغه في عهدنا هذا ، عهد الحكومات التي جاء بها الاحتلال
الأمريكي ، وخصوصا حكومة قائمة الائتلاف الطائفي ورموزها ، من أمثال السيد عبد العزيز الحكيم ، وقائد مليشيات بدر ، هادي العامري ، وغيرهم الكثيرون الذين استحوذوا على المال العام والخاص ، مما
يجعلنا نقر أن اسم أبو فرهود لا ينطبق بالكامل على المرحوم طاهر يحيى ، وعهده ، بل على آخرين ، جدد ، جعلوا من طاهر يحيى ( كيس تتن ) في أحزمتهم ، وهذا بفضل التوجهات الموسومة بالمظلومية ـ
الطائفية ، وقيادة الحكم فعليا ، من قبل أناس لا يهمهم من العراق وشعبه سوى النهب والإثراء والفرهود ..!
في مقالات سابقة ، ومنذ الانتخابات الأولى ، عالج الكثير من المثقفين والكتاب نزاهة وحيادية المفوضية العليا للإنتخابات ، حيث أُعتبر البعض من أعضائها ، غير محايدين وغير نزيهين كذلك ، إلا أن أغلبية
من كتب في هذا الشأن ، آنذاك ، لم يتطرق إلى نزاهة بعض أعضائها ، وتجاوزهم على المال المرصود إنفاقه على ما تتطلبه الإنتخابات من مستلزمات ، فربما كان هذا بسبب أن الإنفاق كان يجري عن طريق
موظفي مفوضية الهجرة الدولية ، التي أشرفت على الصرف والإنفاق لكل العملية الإنتخابية ، في الداخل والخارج ، والتي لم تعلن بشفافية عن مصروفاتها وإنما فقط مجمل الإنفاق الذي بلغ 18 مليون دولار ،
والذي أعتبر في وقتها مبلغا مبالغا فيه ، لما كانت تتميز به الأجور المدفوعة للعاملين من هدر ، سواء أكان هذا ، للموظفين ، أو للمستلزمات الأخرى ، من مبالغ للإيجارات والنقل ولقضايا تكميلية أخرى ، ا!
حتاجتها أو لم تحتجها العملية الإنتخابية ، إلا أن 'الفرهود ' الجديد هو ما طال المفوضية ـ غير المستقلة ـ العليا للإنتخابات ، حيث بلغت تكاليف ميزانية هذه الهيئة 56 ستة وخمسون مليون دولار أمريكي ،
رغم تخفيض أجور العاملين في المراكز الإنتخابية، أي بأكثر من ثلاثة أمثال ما كانت عليه ميزانية الإنتخابات السابقة ، والتي صرفتها مفوضية الهجرة الدولية ، والتي وصفت آنذاك ب 'البذخ ' ، فالمقارنة بين
حرص المفوضية العليا للإنتخابات (العراقية) وسلفها ، مفوضية الهجرة الدولية ، تبدو غير واردة إطلاقا ، فالسيدة حمدية الحسيني عضو لجنة المفوضية العليا ، مسؤولة الإنتخابات في الخارج ، تصرفت باربعة
ملايين دولار فقط نفقات دعاية ، فهل هذا مبلغ حقيقي ؟ كما تصرفت بما وضع تحت تصرفها لإدارة العملية الإنتخابية في الخارج ببذخ بالغ ، تحسده عليها حتى الدول الغنية ، فأجور يوم واحد لحمايتها
الشخصية بلغ 7300 سبعة آلاف وثلثمائة دولار في اليوم الواحد ، أي ما يقارب لنصف مليون دولار للفترة المقررة أن تقيمها في خارج العراق مدة 46 يوما ، وشراء سيارة لاستخدامها بلغت قيمتها 413 ألف
دولار ، فهل هذه نفقات حقيقية لحمايتها ؟ أم فرهود جديد ؟ ناهيك عن أن النفقات والمخصصات الأخرى ، التي قد تبلغ نصف ما هو مخصص لإدارة انتخابات الخارج ، التي حرم منها الكثير من العراقيين
المتواجدين في أقطار أخرى ، لم تتواجد فيها مراكز اقتراع بحجة عدم توفر الإمكانيات المادية لتغطيتها ، ولقلة النفقات المخصصة لهذا الغرض ؟ وهنا أذكر فقط أن الميزانية المخصصة لهذا العام هي أكثر من
ثلاثة أضعاف ما خصص للانتخابات الأولى ، فأي ' فرهود ' أكثر من هذا الفرهود الذي تمارسه عضو واحد في هذه المفوضية ، فما هو إجمالي المبالغ التي تتعرض للفرهود من قبل عموم أو أكثرية اللجنة ؟
برسم الإجابة من السيد فريد أيار بالتحديد ، الناطق الرسمي باسم الهيئة .
الممارسات التي قامت بها السيدة حمدية الحسيني ، لم تكن في نهب المال العام وتبذيره ، ولم تكن كذلك بما هو واقع في ممثلية لندن وتعيين موظفيين من لون معين لإدارة العملية الانتخابية هناك ، بل في
مخالفتها لتوجيهات الهيئة العليا ، عندما رفضت هذه اللجنة ترشيح السيد رضا الشهرستاني ، شقيق السيد حسين الشهرستاني ، نائب رئيس الجمعية الوطنية العراقية ، عضو الائتلاف الشيعي ، لأن يكون مسؤولا
عن مركز الانتخابات في أبو ظبي ، إلا أن السيدة حمدية الحسيني ، قامت بتعيينه مستشارا لها ومنحته صلاحيات قانونية ومالية واسعة ، يتصرف بكل المال الموضوع في بنك هذه الإمارة . وعندما ُوضعت كل
هذه الحقائق والخروقات أمام السيد فريد أيار ، لم ينكر مثل هذه الممارسات ، وعد بدراستها واتخاذ إجراءات بحق من يخالف التعليمات ، والسؤال هو متى وكيف ؟ وهو يعمل وفق الحكمة الهندية ' لا أرى ، لا
أسمع ، لا أنطق ' ..
.؟ يوما بعد آخر تتكشف عدم مصداقية هذه اللجنة وتتجسد عدم استقلاليتها ، وحقيقة
انيحازها لجهة دون أخرى ، ومساهمتها بشكل عملي وجدي ، في عملية ' الفرهود ' الجارية
في العراق أسوة بما ( ُيَفرِهُده ) رجال الحكم والضالعون بركبه حاليا ، فلا بارك
الله بمن يسرق فلسا واحدا ، من مال الشعب العراقي الذي هو بأمس الحاجة إليه ، ولا
بارك الله بمن يتستر على حرامية الفرهود ..
هادي فريد التكريتي
15 كانون أول 2005