لمن تذهب أصوات الكرد الفيليين ؟


ها هي الانتخابات لاختيار حكومة عراقية دائمة تقترب ساعاتها، فيتسارع ويشتد حمى سباق القوائم المتنافسة من خلال طرح برامجها وتوجيه حملاتها لكسب أصوات الناخبين ، وخاصة وسط الأطياف المتوزعة الميول والولاءات قومياً ومذهبياً وسياسياً، الى جانب شرائح المجتمع عامة على اختلاف طبقاتها وتوجهاتها السياسية ومواقفها ، وكذلك الجمهور الذي لم يحسم موقفه بعد.

الكرد الفيليون احدى هذه الشرائح والأطياف العراقية ، فهم متوزعو الميل والولاء بين القومية والمذهب والموقف السياسي المسبق من خلال الانتماء الى هذا الحزب أو تلك المجموعة او القناعة من غير الانتماء، وكذلك منهم الذي لم يحزم اختياره الانتخابي بعد. وهذا ما تجسد من خلال تصويتهم في انتخابات ينايرمن هذا العام. لذا تسارع توجه القوائم المرشحة صوبهم بالنداء وإثارة العواطف والميول المختلفة كالانتماء القومي أو المذهبي أو الشريحي (الفيلي) تأسيساً على ما لاقوه من عسف وظلم واضطهاد مزدوج قومي لكونهم أكراداً، ومذهبي لكونهم شيعة، وسياسي على أساس أن غالبية أبنائهم يوماً انتموا وناضلوا في صفوف الحزب الشيوعي وبعضهم تعاطف مع الحزب دون أن ينتمي اليه. وقد واجهوا انقلاب شباط الدموي عام 1963 في منطقة باب الشيخ بالمقاومة المسلحة ، وهو ما لم تغفره لهم القوى القومية والبعثية التي قامت بالانقلاب فكان أحد أسباب ما وقع عليهم من اضطهاد وتمييز وقهر وتهجير وتشريد.

من القوائم الأشد توجهاً واندفاعاً ومخاطبة للكرد الفيليين في حملتها الانتخابية هما قائمتا التحالف الكردستاني التي تخاطب وتثيرالانتماء والحس القومي لديهم، وقائمة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية التي تخاطب وتثير فيهم الجانب المذهبي. لقد حاولت وتحاول هذه القوائم إعطاءهم الوعود بتثبيت حقوقهم كمواطنين عراقيين أصلاء لهم كامل الحقوق مثلهم مثل غيرهم من العراقيين، والعمل على اعادة ممتلكاتهم واموالهم ومستمسكاتهم المصادرة من النظام المباد وتثبيت حقوقهم وحقوق شهدائهم الذين غيبوا في سجون النظام المباد والذين اعدموا بغير ذنب.

لكن السؤال المهم والملح لدى هذه القوى هو لمن سيصوتون في غالبيتهم رغم الحقائق المحيطة بهم في توزع ميولهم استناداً الى شدة عواطفهم تجاه هذه القوة او تلك من التي ذكرناها؟

إن النظر الموضوعي الى كل تكوين من تكوينات أي شعب أو أمة يبين أن الاتجاه والفكر والاختيار عنده يتأثر بعوامل عدة من التي ذكرناها قومية ودينية ومذهبية وسياسية واجتماعية وحتى البيئة الجغرافية التي يقيم فيها التكوين وتتواجد فيه الطائفة. فالكرد الفيليون الموزعون جغرافياً في الوسط والجنوب وبخاصة بغداد يكون تأثرهم مرتبطاً بالوسط الاجتماعي الذي يحيط بهم والذي يتصلون به وتتشكل معه شبكة علاقاتهم ومخاطلتهم وتعاملهم، وبالتالي يؤثر كل ذلك على توجهاتهم واختياراتهم وحتى انتماءاتهم قناعة أو مجاملة أو قسراً، أو اختياراً حراً، وكل ذلك بحسب البيئة منفتحة كانت أو منغلقة متعصبة، متحررة أو مضطهدة. وفي الظروف السياسية المعقدة الصعبة والخطيرة التي تؤثر على حياتهم ومعيشتهم يكون اختيارهم خارجاً عن الإرادة والقناعة فيكون نابعاً من المسايرة بسبب الخوف أو الخشية أو المجاملة، الى جانب عدم الوعي عند الكثيرين بسبب التخلف والأمية والفقر. وهذه ليست قاعدة شاملة لكنها ظاهرة طبيعية في مجتمعات كالمجتمع العراقي ، والشعوب التي ترزح تحت نير الدكتاتورية والظلم والاستبداد وتسلط فئة على فئة أخرى وحجب حقوقها. وهذا لا يعني أنه ليس هناك استثناءات خارجة عن هذه الظاهرة.

فلنتصور مثلاً الكرد الفيليين الذين يسكنون منذ عقود مع أخوانهم العرب الشيعة الجنوبيين في مدينة الصدر أو في الشعلة، وأولئك الذين يقيمون في مدن وقصبات وقرى الجنوب العراقي الى أين يتجه اختيارهم في غالبيتهم والوضع السياسي السائد والقوى المتحكمة في هذه المناطق وتصرفاتها وتحركاتها معروفة للجميع. ولننظر في الآخرين الذين يسكنون في العاصمة بغداد في مناطق متفرقة أخرى ذات خليط اجتماعي مختلف الأعراق والجذور. ولننظر في الذين يسكنون منهم في مدن وقصبات وقرى الوسط والشمال العراقي ذات الأغلبية الكردية. ونستطيع من خلالها أن نخمن توجهات أصواتهم واختياراتهم بين القوائم.

اضافة الى كل ذلك هناك الوعود والعهود والبرامج المعروضة للقوى المتنافسة ، والتجربة في الحكومة المؤقتة المعينة والحكومة المنتخبة السابقة والجمعية الوطنية بقواها المختلفة وما قدمت للشعب العراقي عموماً وللفيليين بالخصوص؟

وبالنسبة لقائمة التحالف الكردستاني فإن ما قامت به من عقد مؤتمر للكرد الفيليين بدعوة الرئيس مسعود البارزاني للعشرات من الشخصيات الكردية الفيلية بمختلف خلفياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية في العراق وخارجه في هولير يومي 3/4 ديسمبر الحالي في محاولة لكسب أصوات هذه الشريحة ولتقريبهم الى جانب اخوانهم واعلان دعم القيادة الكردية في كردستان العراق لهذه الشريحة ومطاليبها ورفع الحيف عنها، فإن الكثيرين من الكرد الفيليين يرونها قد جاءت متأخرة انطلقت من أجل التأييد للقائمة الكردستانية وكسب أصواتهم.

وعليه لا يتفاجأن أحد من هذه القوة أو تلك المتأملة أصوات الكرد الفيليين حين تظهر نتائج الانتخابات فيصاب بخيبة أمل.

عبد الستار نور علي
الأحد 11- 12- 2005

المصدر: موقع جمعية اكاديمي الكرد الفيليين، 11/12/2005