انتهاء مؤتمر الكرد الفيليين في هولير، وماذا بعد؟


برعاية السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق عقد يومي السبت والأحد الماضيين 3/4 ديسمبر سنة 2005 مؤتمر لعشرات من الشخصيات الكردية الفيلية من داخل العراق ومن خارجه بدعوة خاصة منه لإعلان التأييد لقائمة التحالف الكردستاني 730 وتوجيه نداء الى الكرد الفيليين في العراق الى التصويت لها. بالإضافة الى ذلك الاستماع الى مطالبهم بعد تاريخ من المعاناة والتعرض الى الاضطهاد من الحكومات السابقة المتعاقبة على سدة الحكم في العراق منذذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وأبشعها ما تعرضوا له على يد النظام الدكتاتوري العنصري الفاشي السابق من تمييز وتهجير ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم ومستمسكاتهم الثبوتية الرسمية العراقية لتجريدهم منها في عملية وحشية غير انسانية. وقد تم أيضاً حجز الألوف من شبابهم والعثور على بعضهم في المقابر الجماعية وضياع أثر الألوف الآخرين الذي ظهرت أسماؤهم في سجلات الأمن والمخابرات معدومين بلا ذنب اقترفوه.

لقد عمل الكثيرون من الكرد الفيليين بعد حملة التهجير الكبرى في العراق عام 1980 قبل وأثناء الحرب العراقية الإيرانية وفي مهاجرهم المختلفة على مدى خارطة الأرض على رفع صوتهم للتعريف بقضيتهم وايصال مظلوميتهم الى الرأي العام العالمي والاسلامي والعربي ناهيك عن العراقي، وبالأخص أيضاً أبناء قوميتهم من الكرد في مختلف أقاليمهم في بلدان المنطقة المحيطة بالعراق، ايران وتركيا وسوريا. وقد جهدوا في سبيل ذلك فرادى وجماعات من خلال تأسيس الجمعيات أو الاتحادات او الأحزاب في مختلف البلدان. لكن تلك الجهود اصطدمت بالخلافات على خلفية المصالح الذاتية واختلاف التوجهات والآراء والمواقف السياسية فادت الىالتشتت والتشرذم وتبادل التهم والنقد الذي كان كثيراً ما يخرج الى حد الطعن الشخصي المرفوض، وهو ما أدى الى اختلال الجهود في ايصال الصوت الكردي الفيلي وأهدافه المشروعة وقضيته العادلة، فعلت أصوات كثيرة من داخل الكرد الفيليين ومن القوى المساندة لهم ،وبالخصوص القوى الكردستانية تدعوهم الى التوحد وجمع الشمل في تنظيم واحد قادر على التحدث باسمهم وايصال قضيتهم الى صدارة المحافل المحلية والدولية. وقد حاول الكثيرون من شخصياتهم السياسية والثقافية العمل على جمع شملهم وتوحيدهم في تنظيم واحد فوجهوا البيانات الداعية لذلك وعملوا من أجله لكن دون جدوى ، وحتى الائتلاف الموحد الذي انبثق سرعان ما تشرذم هو الآخر، مع أن الجميع يدعو الى نفس المطالب والأفكار وذات الحقوق، وما على المهتم بالشأن هذا الا الرجوع الى بيانات التأسيس والدعوات للقوى الكردية الفيلية المختلفة ليجدها لا تتميز فيما بينها الا باسم الجهة التي أصدرتها مع ان مضمونها واحد مع اختلاف التعبير أحياناً.

بعد سقوط النظام العراقي الدكتاتوري السابق بدأوا بتشديد حملاتهم وجهودهم - وهذه المرة داخل العراق كذلك- من أجل استرداد حقوقهم التي صادرها النظام الفاشي. لكن الملاحظ أن هذه الجهود اصطدمت أيضاً كالسابق بهذا الاختلاف والتشتت والتشرذم والصراع، مما كان من أسباب استمرار الحيف ضد هذه الشريحة من الشعب العراقي والشعب الكردي فلم تعد اليهم حقوقهم المستلبة ، وظلوا يلهثون هنا وهناك خلف القوى الجديدة المتحكمة بالسلطة والباحثة عن صوت انتخابي وتمدد جماهيري، ليحصلوا على وعود حاولت هذه القوى تجميلها بمنصب هنا ووظيفة هناك، وتصريح مطمئن أو مجامل أواعتراف لهذا او ذاك من السياسيين بقضيتهم واهميتها، لكن الملموس هو غير المهموس. والملاحظ أنه مع اقتراب موعد الانتخابات تبدأ الحملات الحارة من أجل تقريبهم والتحدث العالي بقضيتهم وحقوقهم المستلبة وحقهم في استعادتها. وكل طرف يحاول جر الحبل الى طرفه.

لقد كان للكرد الفيليين عتب على أبناء جلدتهم في كردستان العراق لأنهم لم يكونوا بالمستوى الذي كانوا يحلمون به في الدفاع القوي عن مظلوميتهم وحقوقهم مع انهم كرد لم ينكروا يوماً كرديتهم ، والتسمية خير دليل، والنضال الفيلي مادياً وميدانياً داخل الحركة الكردية بمختلف فصائلها دليل لا يحتاج الى شهادة، وقد اشار اليه كل القادة الكردستانيين، كما أكد عليه الرئيس مسعود البارزاني في كلمته امام المؤتمر، وكذلك الاستاذ كوسرت رسول علي والاستاذ نيجيرفان البارزاني . لقد قدم الكرد الفيليون على طريق النضال الكردستاني الكثير من الشهداء والمعتقلين والمشردين. وبالتأكيد لا يمكن للعتاب أن يصل حد الانقطاع أو الابتعاد، بدليل أن الغالبية العظمى منهم يرون أنفسهم ومصيرهم ضمن أمتهم وواقعها، لأنهم جزء أصيل منها وقد خلقت واختلقت قضيتهم بعد تقسيم أوصال كردستان بين الدولتين الايرانية والعثمانية، اضافة الى محاولة البعض جرهم الى الخيمة المذهبية بكونهم شيعة، وإن كان الانسان لايستطيع الانسلاخ عن مذهبه لأنه لم يكن باختياره وإنما بالولادة والوراثة والتربية ليصبح جزءاً روحياً من شخصيته ليس بمقدوره اقتلاعه وانما يظل يدق في نفسه ناقوسه حين يواجه به. لكن بما أن المذهب ينضوي تحته مختلف الأعراق والأصول واللغات فإن الشعور القومي حين يقع الظلم الأكبر عليه بتمييز عنصري وظلم تاريخي يبرز الى السطح أقوى من المذهب، وحال تاريخ الأمم القومي خير مثال في هذا الباب. لقد واجه الكرد الفيليون تمييزاً قومياً في ايران الشيعية مع أنهم من نفس المذهب ولم يشفع لهم ذلك فاتهموا بأنهم عرب وصداميون، وكل ذلك لأنهم لم يستجيبوا لأهداف ايران السياسية وتوجهاتها والتنظيمات التي شكلتها ودعمتها. وهذا التمييز رغم المذهب الواحد قد قوى وأصل الاحساس القومي عندهم ليتعمق اكثر.

لكنهم حين واجهوا بروداً من ابناء جلدتهم في العراق وقع الكثير منهم أسيرالاحساس بالاحباط والألم فكان هذا عاملاً آخر في تشتتهم وتوزعهم بين مختلف القوى السياسية الى جانب المذهبية والموقف السياسي المسبق، فكانت انتخابات يناير هذا العام في العراق ناقوس التنبيه للقوى الكردستانية بالذات، كما أنه اشارة عامة من الاختيار غير المُدقَق وغير النابع من الأناة في التفكير والوعي والاختيار المبني على قناعة راسخة، وإنما ردة فعل آنية تجاه الاهمال والابتعاد عن الاقتراب والاحتضان الحار من أخوتهم الكردستانيين وكأنهم ليسوا جزءاً من أمة كردية عانت بمختلف شرائحها الظلم والجور.

كان الأخوة في التحالف الكردستاني قد تصرفوا وكأن أصوات الكرد الفيليين في بغداد بالذات والجنوب عموماً تحصيل حاصل لصالحهم، فكانت النتيجة صدمة لهم لأن أصوات الفيليين توجهت ناحية أخرى صوب المذهب في غالبيتها العظمى. فاستفاقوا ليدرسوا لماذا كان هذا؟ وقد حاول البعض مع الأسف أن يوجه سهام الطعن الى الفيليين دون أن يحاول دراسة ومعرفة الأسباب والنظر الى النفس دون النظر الى الآخر فقط. وقد كتب عدد من المثقفين الكرد الفيليين في هذا الموضوع واشاروا الى الأسباب في رأيهم من خلال تماسهم المباشر بشريحتهم، ومنها ابتعاد القوى الكردستانية عن الدفاع عن حقوق الكرد الفيليين، وقد اثارت بعض هذه الكتابات زعل تلك القوى، رغم أن أصحابها كانوا ينطلقون من موقف الحرص والتشخيص لتلافي الأخطاء والأسباب مستقبلاً.

أخذت القوى الكردستانية العراقية بالانتباه، فاستطاعت أن تشخص العلة لذلك بدأت بالشروع في تلافيها مستقبلاً ، وهي تدرك جيداً أهمية أصوات الفيليين في الانتخابات القادمة وخاصة في بغداد والجنوب وذلك بسبب حجمهم السكاني، فشرعت بالتأكيد على كردية الفيليين وحقهم في استرداد حقوقهم المستلبة وأموالهم وأملاكهم المصادرة وحقهم في المشاركة في الحياة السياسية العراقية والكردستانية والمشاركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية في كردستان وحكومة العراق الفدرالية في بغداد، وهو ما جاء التأكيد عليه في خطاب السيد الرئيس مسعود البارزاني في المؤتمر المذكور اعلاه في هولير، إضافة الى إشارته في وجوب دعم المؤسسات الثقافية والاجتماعية والرياضية الكردية الفيلية ، والاهتمام باللهجة الفيلية من قبل الإعلام الكردي والجامعات ، والتعامل مع شهداء الفيليين مثل التعامل مع شهداء كردستان، واعطاء التسهيلات للفيليين الموجودين حالياً في ايران ومساعدتهم ليعودوا الى كردستان العراق. كما اشار الاستاذ نيجيرفان البارزاني في كلمته أمام المؤتمر في يومه الثاني الى العمل على انشاء فضائية تنطق باللهجة الفيلية، ودعوته الكرد الفيليين الى استثمار اموالهم في كردستان.

هذه الاشارات والمقترحات ايجابية بالفعل ومهمة جداً وهي من مطالب الكرد الفيليين، وتأكيد قادة كردستان العراق عليها أمام حشد من الشخصيات الكردية الفيلية هو ما أدخل الطمأنينة والسرور في نفوسهم لأنه صادر من أعلى قيادات في كردستان، وبذا تعتبر مشروع عمل حقيقي وواقعي على الفيليين أنفسهم بذل الجهد الجاد ومتابعتها مع المسؤولين الكردستانيين من اجل تنفيذها على الأرض. المؤتمرون الفيليون في هولير – رغم تحفظنا على تمثيلهم- أصبحوا في مواجهة جادة وحقيقية، فالمطلوب منهم التجرد التام عن الاختلاف والدوافع الذاتية والمصلحة الشخصية والصراع من أجل الاعتلاء والمنفعة الفردية وهو ما يعيدنا الى نقطة الصفر والتشرذم الذي نخشاه ثانية، ويجب الاندفاع والحماس المجرد والمتجرد من الانانية والوصولية وذلك من أجل خير المجموع ، خاصة وقد فتحت القيادة الكردستانية ذراعيها لاحتضان شريحتنا والعمل على جمع وتوحيد أبنائها تحت خيمتها لا مجرد كونهم صوتاً انتخابياً مهماً ومؤثراً بل على أساس كونهم جزءاً من شعبهم لهم حق كغيرهم من أخوتهم في وطنهم.
ونحن في الانتظار .......!

عبد الستار نورعلي
الثلاثاء 6-12-2005

المصدر: صوت العراق، 7/12/2005