عندما تفخر الأمة بتراثها وحضارتها


لقد درجنا في أدبياتنا ، في مجالسنا ومناسباتنا ، بإذاعاتنا ووسائل إعلامنا ، أن نذكر بفخر واعتزاز أن عقيدتنا هي أحسن العقائد وتراثنا الإسلامي والقومي بما يتميز به من قيم سماوية وإنسانية يشكل خزينا وثروة ضخمة ، ومشربا نقيا وعذبا يكفي لأن تستقي منه أمم الدنيا جميعا لتنهي به ضمأها والجدب الذي بدأ ينخر بأوصالها . أما حضارتنا فهي الأساس الذي ابتنى العالم الغربي منه حضارته ، فمنها أخذ الكثير من المبادي العلمية والإجتماعية والخلقية ، ولا يعاب على الأمم من أن تفخر بما تمتلكه من تراث إنساني أو سماوي ، فهذا حق مشروع ، وخاصة إذا استطاعت الأمة أن تحافظ على هذا التراث وتستثمره باستمرار وتستفيد وتفيد منه ، ثم تعمل جاهدة على استغلال منابع القوة والنور فيه لبناء حاضر أكثر إشراقا ومتانة ، فيكون الأمس في خدمة اليوم واليوم في خدمة الغد ، دون أن تعيش الأمة انفصاما زمنيا يضيع معه جهد الأجداد ، فتكون حضارتهم وما خلَّفوه من تجربة غنية ، أشبه بقصائدهم وحكاياتهم ، أخبارا يتغنى بها جيلنا في المناسبات والأعراس .

الذي يؤلم في واقعنا الحاضر أننا نعيش هذا الإنفصام بكل أبعاده المؤلمة ، وشعرنا نتيجة لذالك بخواء اضطررنا معه أن نستنجد بالآخرين ، ونبني حضارتنا باستجداء اللبنات من حضارات الأمم الأخرى ، أمم الغرب والشرق على حد سواء ، أخلاقنا ، طبائعنا ، طبيعة التفكير ، فكل شيء اصطبغ بصبغة أعدائنا . أما مدنيتنا الحاضرة فتدل بوضوح على كبر مأساتنا ، فهي واقعة في أسر أعدائنا منذ زمن اكتشفوا فيه أننا أغنياء بأنهار البترول وأسراب العملاء ، فكل خيوط مدنيتنا أصبحت بأيديهم ، حتى إذا أردنا أن نقاتل بعضنا نقتتل بسلاح منهم .

حضارتنا الماضية التي بناها أجدادنا كانت تربطها بالسماء وشائج عدة ، فهي حضارة كانت تستقي معينها من السماء ، فتنامت لهذا السبب ، وعندما انقطعت تلك الوشائج والصلات السماوية ، فقدت أقوى مقومات وجودها وديمومتها . نحن إذن بحاجة إلى إعادة تقييم جريئة لواقعنا وطبيعة تعاملنا مع تراثنا السماوي والإنساني مع أهمية تشخيص الإسباب التي أدت بنا الى هذا الإنحدار الرهيب والذي انتهى بتسلط ( أوباش ) الأمة على مقدراتها أمثال ( صدام ) وعبد الناصر وما شاكلهما من الحكام حيث ما زال نظرائهما يمارسون أدواراً خطيرة من شأنها أن تعمق التخلف والوهن في أوصال الأمة وتأخرها من اللحاق بركب العالم المتمدن . فالآن وبعد أن حصلت تغيرات خطيرة وغير متوقعة في العالم ، وبعد أن اصبحت منطقتنا العربية الإسلامية محور الصراع العالمي وأصبحنا نحن مادة لهذا الصراع أو قل أصبحنا ( الآلية ) للغير في الوصول الى أهدافها ، علينا أن نستيقظ من غفوتنا التاريخية والتي امتدت قرون عديدة ، علينا أن نبحث عن وعي جديد ، يستنقذنا من جل تلك القرون الغابرة ، إننا نعيش في هذه الأيام فرصة تاريخية نبحث فيها عن ذاتنا الحقيقية ونعيد صياغة ثقافتنا وطريقة تعاملنا مع بعضنا ومع الآخرين ، وكل ذلك يقع على عاتق مفكرينا وطبقتنا المثقفة الواعية ، فثمة حلقة مفقودة بيننا وبين تراثنا الماضي وثقافة أجدادنا علينا أن نبحث عنها ، وأن نخوض مرة أخرى غمار تراثنا وثقافاتنا ، وأن ندقق في كل الخسارات والإخفاقات لنستفيد منها في حاضرنا .. إذ لاجدوى من كتاب لا تقرأه أو أن تقرأه ولا تأخذ العبرة منه .

الدكتور طالب الرمَّاحي
6/12/2005
www.thenewiraq.com
info@thenewiraq.com