المطلوب من القيادات الكردية ؟


المتابع للموقف السياسي للأحزاب التي تتشكل منها حكومتي اقليمي كردستان يدرك أن الموقف الموحد للقائمة الكردستانية حقق بما لايقبل الشك نصراً كبيراً للشعب الكردي في العراق ، والحصاد الذي تحقق بعدد المقاعد في البرلمان ماكان ليتحقق لولا ذلك التوحد الذي شكلته القائمة الكردستانية .
فتوحد الأحزاب الكردستانية وضعها في موقع الشريحة الفاعلة والقوية والمؤثرة ضمن القوائم التي خاضت الأنتخابات العراقية الأخيرة ، كما انها بدت اكثر قوة وتأثيراً في الحياة النيابية والتي بدا واضحاً نتائجها الذي حصلت عليها قائمة التحالف الكردستاني من الأصوات التي عززت من حقوق الشعب الكردستاني ، مثلما ضمنت له مواقع برلمانية تقرب من ثلث عدد الأصوات التي تتناسب مع حقيقة حجم شعب كردستان وبما تليق به .
يقينا ان التوحد في المواقف موقفاً يعلو على كل الصغائر والمكاسب الانية التي يمكن ان تحققها أية جهة ، وتنسحب نتائج تلك المواقف الى المصلحة الأساسية لشعب كردستان والتي طالما قدم من اجلها التضحيات الجسام .
أن لشعب كردستان العراق العديد من الحقوق المسلوبة والتي لم يتم الأشارة اليها في الدساتير المؤقتة التي شرعتها السلطات التي تعاقبت على حكم العراق ، ولاتم تطبيقها بشكل حقيقي في العديد من نصوص تلك الدساتير ، مما يوجب أن يكون الموقف الكردستاني متوحداً في هذه الفترة اللاحقة حماية لأدنى الحقوق التي طالب بها الشعب الكردي والتي قررها البرلمان الكردستاني بالأجماع في العام 1992 ، بأقراره اختيار الفيدرالية كشكل من اشكال السلطة في العراق .
هذا الخيار كان قراراً كردياً نادت به جميع الأحزاب الكردية في حينه وطالبت بتحقيقة بالرغم من وجود الطاغية في السلطة ، ولما كان هذا القرار بالأضافة الى كونه يجسد التلاحم القومي في العراق ، فهو يجسد الأرادة الكردية التي لم تحسب للأمور الصغيرة ولاللمكاسب الانية أية اعتبارات أمام تحقيق رغبة الجماهير الكردستانية التي جسدتها وحدة الموقف ، وخصوصا بعد ان صارت الفيدرالية مطلبا عراقياً يوحد الأرادة العراقية ويرسم الطريق الصحيح للديمقراطية ويعزز من قوة العراق المستقبلي وفق القواسم المشتركة للمستقبل .
ومامن شك أن الأحزاب الكردية تختلف في رؤاها ونظرتها للعديد من الأمور ، وهذا الاختلاف لايشكل حالة ضعف بقدر مايشكل حالة من القوة والأصرار على التباين في اشكال معالم الطريق بقصد البناء ، كما أن بقاء حكومتين لأقليمين ضمن منطقة كردستان العراق يشكل نقاط سلبية عديدة ، امام المتغيرات الحاصلة في العراق الجديد ومع المستجدات التي أفرزها الدستور ومعالم الحياة الدستورية العراقية الجديدة ، وتلك الأختلافات لاتشكل عائقاً امام مطالب الشعب الكردي بغض النظر عن وجوده ضمن أي من المناطق المختلفة ضمن الأقاليم سواء الأكراد في منطقة كوردستان العراق أو الكورد الفيلية أو الأيزيدية أو الشبك ، ومن المؤكد أن مصلحة الناس أكبر من مصالح الأحزاب والأخيرة تسعى لتحقيق مصالح الناس وفق تصورها وسياستها المعلنة في منهاجها ، وضمان حقوق الكرد اكبر من مصالح الأحزاب مهما كانت تسميتها .
وضمن الوضع الذي صارت عليه الأمور في كردستان من وجود أقليمين ، صار لزاماً وجود حكومتين ومؤسسات متشابهة ومتطابقة الأداء ومتعددة ضمن المنطقة .
أن هذا التشابه حالة أستثنائية وغير طبيعية ولايمكن الأقرار بقبوله بشكل دائم بالنظر لأنتفاء الظرف الذي اوجد تلك الحالة ، وأيضاً أنقضاء الحالات الأستثنائية التي أوجبت ذلك الأنقسام كما أن وجود مؤسسات تسلك نفس المنهج وتلتزم بنفس القوانين يتعارض مع مبدأ ضرورة التوحد وخصوصاً في حالة مثل حالة المؤسسات القضائية العليا ، فلا يمكن أن يكون هناك في كردستان محكمتين للتمييز ، حيث أن كلا المحكمتين تضمان قضاة ممن خبروا عمل القضاء و تفرسوا في الاحكام و تفقهوا في القوانين وأشتهروا بالنزاهة والأستقامة والسمو الأخلاقي ، وصارت لهم تجربة يمكن أن نشير لها بأعتزاز وفخر ، فان هذه النخبة من القضاة وأعضاء الأدعاء العام تلتزم بنفس السلوك ونفس المنهج وتراعي نفس الأصول ونفس الأحكام ، وتقتضي العدالة والمنطق أن تكون هناك محكمة تمييز واحدة تضم هذه النخبة المتميزة من القضاة في هذا المجال لتؤدي دورها الأساس والفاعل في ترسيخ معالم الأداء القضائي والقانوني ضمن أقليم منطقة كردستان العراق ، وهذا الأمر على سبيل المثال لاالحصر ، أذ ان هناك العديد من المؤسسات التي تؤدي نفس الدور وتسلك نفس المنهج في كلا الحكومتين للأقاليم الكردية في العراق التي يستوجب المنطق أن تكون ضمن أقليم واحد .
وضمن حالة التوحد التي أملتها الظروف التي يمر بها الكرد في منطقة كردستان العراق والعراق بشكل عام ، وخصوصاً بعد سقوط سلطة الدكتاتور والتي شكلت على الدوام هاجساً مشتركاً لجميع الاحزاب الكردية ، بالأضافة الى تطبيق الحرية والديمقراطية في الساحة السياسية مما يستوجب أن تقوم تلك الأحزاب العراقية بترجمة أهدافها ومشاريعها ووعودها للشعب الكردي في العراق الى واقع فعلي في الحياة العراقية ، ولعدة أسباب أخرى تحتم على القيادات الكردية في العراق أن تتناخى وتلتحم في موقف يجسد الأماني والتطلعات المشروعة لشعب كردستان في العراق يتلخص في وجوب أن تعود الوحدة الكردية ضمن هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق .
وأذ تخرج بعض الكتابات و التي تشير الى وجود خلافات في الساحة الكردية حول عملية توزيع المرشحين ، فأن هذه الأختلافات لاتلبث ان تستقر وتنتهي بالنظر لصيغ الحوار والألتقاء بين القيادات التي تؤمن جميعها وبشكل مشترك وبما يحقق ويضمن مصلحة الشعب الكردي وتدافع عن حقوقه الأساسية ، مثلما تدرك هذه القيادات حاجتها للتلاقي والتوحد ضمن هذه الفترة الصعبة التي يتم خلالها رسم مستقبل العراق الديمقراطي والفيدرالي .
أن رسم السياسة المستقبلية لأقليم كردستان ضمن الفيدرالية ينبغي أن يجد الأهتمام القانوني والدستوري الذي يضمن تطور الحياة السياسية في الأقليم وبما لايجعل للأختلاف في وجهات النظر حيزاً يمكن معه أن ينفذ في الحياة ضمن الأقليم أو ثغرة تحقق السلبيات ، او ثغرة لينفذ منها أعداء شعب كردستان العراق ، حيث أن النصوص القانونية والدستورية من سيفصل في تفاصيل الحياة .
ونجد ان أنعقاد المؤتمر الخاص بالكرد الفيلية في مدينة أربيل برعاية السيد رئيس الأقليم الأستاذ مسعود البارزاني تجسيداً لخطوات التوحد والتلاحم المطلوب ، مما يستوجب الالتفات الى بقية الشرائح التي يتكون شعب كردستان في العراق منها ، ونعني بها كل المكونات الأساسية لهذا الشعب النبيل .
وأصبحت الحاجة ملحة الى مؤتمر قانوني أو تجمع قانوني أو دستوري يبحث ليس فقط في تفاصيل شكل الفيدرالية وأسسها ، وانما الضمانات الأكيدة التي تضمن حقوق شعب كردستان ضمن تلك الفيدرالية ، بالأضافة الى ضمانات دستورية مستقبلية لتطوير معالم الحياة في الأقليم ، ويقينا أن الجميع مطالب بالعمل على انجاح مثل هذا المؤتمر الذي يهم جميع القانونيين والسياسيين المهتمين بمستقبل الاكراد في العراق بشكل خاص وبالعراق بشكل عام .
وضمن هذا المؤتمر يتحقق الالتقاء لجميع مكونات الاحزاب السياسية الكردية ، ويمكن لكل طرف من الأطراف أن يتقدم بمقترحاته وتصوراته للحياة المستقبلية ، وكما يشارك في هذا المؤتمر ليس فقط الاكراد انما يمكن أن يتم حضور كل الطاقات والمختصين من القانونيين الذين يؤمنون و يحترمون حق شعب كردستان في تقرير المصير وفي حقه في الخيار الفيدرالي بالنظر لأختلاف الأفكار والأراء التي تفيد مستقبل الحياة القانونية في المنطقة بالأضافة الى مساهماتهم بالدفاع عنه .
أن وحدة الموقف الكردي في هذه الفترة مطلوبة بشكل لايسمح لأي من الجهات السياسية أن يغلب مصلحة حزبه على مصلحة الشعب الكردي ، كما أن الفترة اللاحقة للحياة السياسية العراقية في ظل الدستور العراقي الدائم ، تخلق دافعاً جديداً لتحقيق التوازن والتحاور الجاد والمخلص لتحقيق الحياة السياسية الديمقراطية والتعددية والفيدرالية في العراق ، وبالتالي تحقيق الحياة القانونية المستندة على الدستور في أقليم كردستان العراق مستقبلاً بما فيها قانون رئاسة الأقليم .
ومهما كانت أشكال اختلافات وجهات النظر فأن الصيغة الأمثل تتجسد في الحوار المنتج والحقيقي بين القيادات على الدوام ، بالأضافة الى أستثمار الخطوات العراقية الرائدة في أنسحاق الفكر الشوفيني وتدهور أحلامه وفعله من خلال أنتخاب المواطن الكردي جلال الطالباني أول رئيساً شرعياً على العراق وأن يكون المواطن الكردي مسعود البارزاني رئيساً لأقليم كردستان ، وما يمثله هذا الأنتخاب من معان رمزية وبعيدة في الحياة العراقية والمستقبلية لكل القوميات المتآخية في العراق ، مما يوجب تفعيل هذه الخطوة وأستثمارها من اجل أن تكون خطوة ثابتة في الحياة السياسية العراقية .
وأذا كان الموقف الموحد ضمن القائمة الكردستانية قد حقق تلك النتائج الأيجابية والتي حقق من خلالها الكرد ذلك التوازن الذي حفظ للعراق مساره المتوازن ، فأن المحافظة على هذا التوحد في هذه الانتخابات القادمة بما يمثله من توسيع للقاعدة السياسية والشرعية في العراق سيكرر الأحتفاظ للكرد بضمانات أكثر في الحياة السياسية في العراق ، كما انه سيضمن لهم نسبة معقولة تتناسب مع اعدادهم ووجودهم في العراق .
أن غياب هذا التوحد سيظهر الضعف والتشرذم ضمن القوائم التي يبدو ضعفها في فرقتها ، ويمكن ان ينعكس هذا الموقف سلبياً خلال هذه الفترة في الأختلاف على المراكز أو في توزيع المناصب الوظيفية والتي لاتشكل قيمة عليا تجاه ماستحققه الجماهير مستقبلاً .
يقينا ان القيادات الكرستانية تتفهم هذه الحقائق وهي ليست بحاجة لمن يذكرها بهذا الجانب ، غير أن المهم يكمن في أستغلال الظرف وفي أستغلال الزمن لبناء مستقبل يضمن للمواطن الكردي الحياة الآمنة والصحيحة والتي يحكمها القانون ضمن دولة القانون التي طالما حلم بها وتمناها من خلال ضمانات حقوق الأنسان والديمقراطية ، بالنظر للتطلعات التي تمتليء بها نفوس الكرد بأتجاه بناء كردستان التي توقف بها البناء منذ اول الحروب التي شنتها السلطات على الشعب الكردي .
ولم يزل الكرد يتطلعون لحياة تخلو من الرصاص والحروب ، ويحلمون بأن تخلو مخيلة أطفالهم من أشكال الصواريخ والدبابات وصور الموت والأعتقالات والرعب والخوف والأرهاب ، ولم يزل المواطن الكردي يحلم بتوحد حقيقي يكون ضمن مصلحة الأنسان الذي حرم من التواصل مع المستقبل فترة ليست بالقصيرة ، وهذه القضايا تمثل مهمات أساسية وضرورية في الحياة التي يطمح المواطن الكردي ان يعيشها ، ولايمكن أن نتخيل صيرورتها مالم تقترن بالتوافق والتحاور والتوحد ، فلاشيء أهم من مستقبل الانسان في العراق وفي كردستان خصوصاً ، ومن خلال هذه الأهمية ينبغي أن نتذكر بأننا بحاجة الى زمن مضاعف مع فعل مضاعف لنستطيع أن نعوض مافات الناس وماسلبته السلطات منهم ، وماتنتظره الناس من حياة مستقبلية تحقق ضمانات أكيدة للأجيال القادمة .

زهير كاظم عبود

المصدر: صوت العراق، 3/12/2005