ايها القاضي اليك المشتكى محاكمة صدام


منذ سنوات ونحن نحلم بيوم جميل تهبط فيه العدالة من عليائها وتحل في ديارنا ، كي تقتص من المجرمين والجلادين الذين اشبعوا ابناء الرافدين الطيبين اصناف العذاب .
وكنت كلما انظر لمجسم المرأة الاثينية التي ترفع بيدها الميزان عاليا،اتمنى ان تطوف في سماء العراق كي تضع في كفة ميزانها كل ظالم يجور على عباد الله الابرياء وينال من كرامتهم ، لينال العقاب الذي يستحق، وما اكثر الظالمين في بلادي، بلادي التي ارتوت من الدماء الطاهرة .
لقد استبشرنا خيرا حين اختفى صدام وتمنينا ان يقبض عليه حيا كي نراه مكبلا امام العدالة يواجه نفسه عاريا ، ليعرف مقدار ما اقترف من اثام بحق المواطنين، والبيئة، وابناء الشعوب المجاورة ، وبالفعل تحققت المعجزة وأُخرج من حفرة يجلله الخزي والعار بعد أن كان ينفخ اوداجه في المحافل امام المغلوب على امرهم بقوة زبانيته وعجرفتهم.
والحق اقول ، لم نتمالك انفسنا حين عرفنا انه سيمثل امام القضاء ،وكان يوما مشهودا ترقبه العراقيون في الداخل والخارج ، ولكن ما ان انفرجت الستارة حتى بانت الثغرات في تنظيم المحاكمة وبان الوهن على هيئة المحكمة من مدع عام وحاكم وقاض ومحقق.
ولما كان العراقي بطبعه شكاكا في رجال السلطة والحكم جراء ما ذاق من ويلات على ايديهم ، طارت الدعايات يمينا ويسارا ، فمن قائل ان المحاكمة مسرحية ومن قائل انها مؤامرة ، حتى انشغل الناس بالامر اسابيع ، وفضلنا انتظار الفصل الثاني من المحكمة على أمل أن تصحح الاخطاء القضائية والاجراءات الروتينية ، من اجل محاكمة عادلة .
ولكن المفاجأة كانت بضعف موقف القاضي ، الذي اجاز حضور وزير امريكي سابق ( رامزي كلارك، واخر قطري ) دون سبب وجيه ، مقنع . فهل يستطيع وزير عراقي سابق أو حالي حضور محكمة جنائية في قطر او السعودية او دبي او ام القيوين ....!!!؟ طبعا دع عنك امريكا او بريطانيا او غيرها .... !
لااحد يجهل السجل الاجرامي لصدام ، سواء داخل العراق او خارجه ، ومن واجب القاضي تحقيق ابسط متطلبات الحزم القانوني الذي يلزم المجرم بالاعتراف بجرائمه امام المحكمة ، لا ترك الامور تجري على الغارب وكأن المجرم الماثل أمام المحكمة رجل برئ لفقت له تهمة وهو في صدد كشف زيفها.
إن جرائم صدام فاقت بقسوتها حتى قصص المركيز دي ساد الذي تنسب له السادية واشتقت من اسمه المصطلح المعروف، فالصدامية اصبحت ظاهرة لاتقل عن السادية او الفاشية ، والمسؤول الاول عنها صدام الماثل امام القاضي في محكمة الجنايات ، فمن واجب القاضي اختصار الوقت وعدم تبديد الساعات القليلة التي يسمح لصدام بالمثول فيها امام المحكمة في ترهات والاعيب يقوم بها مجرم لايعرف معنى لقانون او احتراما لقضاء ، وهو الذي كان يقول ان القانون ورقة يكتبها صدام .
والغريب ان المحكمة تبحث عن شهود ، وفي مكتبة التلفزيون العراقي عشرات الاشرطة التصويرية المسجلة التي تدين صدام ، عدا عن اعترافاته المسجلة ، ومن الافضل البدء بمحاكمته وتجريمه على اشتراكه في محاولة اغتيال الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ، واقواله مثبتة واعترافاته مسجله في مشاركته في عملية الاغتيال الجبانة.
اما اذا كان هناك من لايريد تجريم صدام واصدار الحكم عليه ، فلا مبرر للضحك على عقول الناس ، لان ماعاناه شعبنا من نصب واحتيال اصبح فوق طاقته، ومن الاسلم مصارحة الشعب العراقي مبكرا بدلا من الاستمرار بهذه اللعبة المملة ، لان رد الفعل على مثل هذا الاستغفال سيكون شديدا.
ولانعلم ان كان القاضي برقته وسماحة يريد اظهار الفرق بين محكمته ومحاكم صدام القرقوشية ! ومع ذلك فعليه ان لايتساهل مع مجرم مثل صدام ويترك له فرص التحايل على المشاهدين لينفث ما بقي لديه من سموم من خلال هذه المحكمة في وجوه ابناء شعبنا.
ان مثول صدام حسين في المحكمة ، يجب ان يواجه بثقل جرائمه ، بالحقيقة التي كان عليها ، لا بالليونة والميوعة التي لم نجدها حتى في المحاكم السويدية.
وختاما ليس لنا الا ان نقول:
ايها القاضي اليك المشتكى قد دعوناك وان لم تسمع
مع الاعتذار للموشح المعروف.

د. مؤيد عبد الستار

المصدر: صوت العراق، 2/12/2005