الامتناع عن التصويت هو بالضرورة عمل نبيل لانه خال من المصلحة الذاتية


افتتح هذه المقالة بالمشاهد الحقيقية الثلاثة التالية :
1. في نهاية اجتماع كردي عام في ( مالي كرد ) في باريس قبل اكثر من 20 سنة ، كان جالس في جنبي كردي لبناني منهمكا في رفع يده مع اية قرارات او توصيات تطرح على الحاضرين. حين ضاق بي تحمل تلك الظاهرة الغريبة اضطررت الى الاستفسار عن سبب ما كان يقوم به، فأجابني بدون تردد :
شو عرفني خيو، الكل ترفع ايده ، وانا كمان اسوي مثلهم.
2. قبل بضعة اشهر اخبرني احد الاصدقاء بدهشته حين قرأ اسم والدته من ضمن عدد هائل من المستقيلين من احد الكيانات الفيلية. وتابع هذا الشخص: حين سألت والدتي عن سبب استقالتها من ذلك الكيان ، اندهشت من سؤالي ولم تكن تعرف اي شئ لا على ترشيحها للكيان ولا حتى كانت سمعت بذلك الكيان!!!
3. الكل يعرف كيف كانت تنظم المظاهرات والاحتفالات من قبل حزب البعث ، لان الرافض في المساهمة فيها كان معرضا الى السقوط في هاوية الهلاك .

كل واحدة من هذه الحوادث تعكس نوع من الضغط في سبيل الايحاء الى الاخرين للقيام بتصرفات مناسبة للجهات المنسقة لتلك ( اللعب ).
المثال الاول تعليله ان نفر قليل من الاشخاص كانت تهيمن على ترشيح الزمالات الدراسية في فرنسا ولهذا تم توليد تربة خصبة لتوليد المنتفعين . لا يمكن تفسير هذه الظاهره الا بالابتزاز.
المثال الثاني كان بسبب الاسلوب المغشوش الذي تم استعماله في توهيم المئات من الناس حول الكيان الفيلي الذي كانوا ينوون تكوينه. تفسير الظاهره : الغش واعطاء الوعود الكاذبة.
اما المثال الثالث ، فهي صورة كاريكاتورية للارهاب السائر في الانظمة الاستبدادية.

بما ان الابتزاز والغش هي انواع من الارهاب الغير المتصف بالعنف ، لهذا يمكن اعتبار الحالات الثلاثة ضمن الممارسات الارهابية التي يطمح من وراءها اكراه الناس، الايحاء لهم، وحتى اجبارهم على القيام بتصرفات معينة تهدف الي دعم الجهات المخططة لها.

هذه المقدمة اوصلتنا الى صلب موضوع المقالة التي يمكن اختصارها بما يلي:
الامتناع عن التصويت هو التصويت لصالح الارهاب
وهو شعار اقترحه السيد فهمي كاكه ئي في مقالة بعنوان : نصوت ام لا نصوت ، هذا هو السؤال

رغم ان الكاتب يشير في مقالته الي الاخطاء او النواقص التي تتسم بها الاحزاب الكردستا نية التقليدية والتي ولدت حالة من النفور السلمي ضدها من قبل البعض من الكرد. الا ان النصف الثاني من المقالة تدعو الى التصويت للقائمة الكردستانية لسبب بسيط وهو حسب رأي الكاتب انها الملجأ الوحيد لخلاص الكرد ولا يمكن لاي كردي ان يصوت لغير هذه القائمة.
المقالة طبعا تفوح بالروح الوطنية والدعوة الي ممارسة الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبل الكرد في العراق، على اساس ان مصير كرد العراق يعتمد على هذه الانتخابات ، او بكلام اخر على نجاح الكتلة الكردستانية في حيازة عدد وفير من المقاعد في البرلمان.
كل ذلك كلام معسول ولا احد يخالف الكاتب حولها ، الا اننا نتسائل ، عن مغزى الالتجاء الى تلك العبارة القسرية في الربط بين عدم التصويت والارهاب ؟
مهما يرغب الكرد ولاي طرف يصوت ابناءه وبناته هو حق خاص بهم ، ولا توجد اية ضرورة لتهديدهم وتجريمهم وتحذيرهم من عواقب عدم التصويت.
لو فرضنا ان 50% من الكرد لا يرغبون التصويت للقائمة الكردستانية او لا يرغبون التصويت اساسا، هل من المنطقي تهديد هؤلاء او نعتهم بالارهابيين ؟
هل يمكن للقيادة الكردستانية الاعتماد على اولئك الكرد الذين قد يجدون انفسهم ملزمين الى التصويت او عدمه؟
لقد ولى نظام حزب الفاشست والى الابد، لاننا الان في بداية عصر العولمة والانفتاح ولا يمكن لغير العدل والحق والديمقراطية من الاستبداد على المدى البعيد.

لا اعرف ان كان كاتب المقال يؤمن بنظرية يونغ القائلة بأن الناس مثل قطيع الغنم، يمكن وينبغي قيادتها!
نفس هذا النظرية أمنت بها كل الانظمة الشمولية وبضمنها حزب البعث الذي كان اعضاءها وكوادرها يرددون ويطبقون هذه النظرية من خلال عبارتهم المشهورة :

العراقيين ما يفيد وياهم الا العصا

نظرية يونغ صحيحة! ولكنها مثل اغلب النظريات ، تعكس الحقيقة من منظار مناسب لاثبات هذه الفكرة.
قطيع الغنم يطيع الراعي لانه يحمل عصا ، وكذلك لانه يوفر للقطيع الاكل والماء والملجأ. ولو فرضنا ان الراعي صار له مكروه منعه من الحركة، فأن القطيع سوف يتبعثر في الطبيعة كل واحد في اتجاه .
نفس النتيجة يمكن تلمسها في حالة عدم توفير الاكل او الماء او الملجا الى القطيع، فسوف يكون افرادها في حالة هيجان ولا يمكن بعدئذ التكلم عن قيادة القطيع الهائج ويفقد الراعي مصداقيته كقائد لرعيله!
والان لو طبقنا نفس النظرية على البشر، ففي حالة ازاحة عنصر الخوف ( او الارهاب ) ، يصبح الشعب في وضع لا يخاف من عواقب مخالفة القيادة، ولهذا يختار لنفسه ما يريد.
لكي نقرب العدسة اكثر من صلب الموضوع وننظر الى الوضع الكردستاني منذ ولادة منطقة الحزام الامن ، نجد ان محاولات فعلية وميدانية قد جرت من قبل سكان كردستان وكذلك من قبل العراقيين المتواجدين هناك في ممارسة العمل الديمقراطي ومخالفة القيادة العراقية والقيود التي كانت تفرضها على العراقيين انذاك لماذا ؟ لان سلطة البعث الرسمية قد تم بترها من هذه المنطقة.
بعد تحرير العراق في نيسان 2003 ، اصبح حرية الاختيار والقرار والتعبير عن الرأي في عموم العراق اكثر علانية وشفافية مما كان في السابق ، ولكن ومع كل الاسف ، ترسبات النظام السابق الممثل بفتات اجهزته القمعية وبعض المنظمات الارهابية الاسلامية حالت دون تمتع العراقيين بحرية التعبير والانتخاب بشكل تام واصبحت الديمقراطية وحرية التعبير جزئية التطبيق .
صحيح ان الوضع في كردستان احسن بكثيرمن بقية انحاء العراق لان عنصر الخوف شبه معدوم في هذه المنطقة ، الا ان هنالك عوامل اخرى قد تؤثر على حرية التعبير عن الرأي والانتخاب الا وهي مسألة العمل والمسكن والظروف المعيشية بشكل عام والني تؤثر مباشرة على حياة الفرد وحريته في التعبير عن معتقداته. ظاهرة الفساد الاداري والمحسوبية وغيرها من التجاوزات على المصلحة الوطنية العامة منتشرة بشكل فاحش في كردستان وهو السبب في وجود طبقة فقيرة غير صغيرة وكان السبب في قيام مظاهرات عارمة في كر دستان قبل بضعة اسابيع.
استعمال الظروف المعيشية كاداة قسرية ( او عصا ) لقيادة الشعب لم يمنع الكثير من الكرد، وبالاخص المثقفين منهم في التعبير عن عدم امتعاضهم و استياءهم للاوضاع القائمة وكانت النتيجة الطبيعية في ظهور تيار اللامبالات بالنسبة للانتخابات القادمة، فلم الاستغراب ؟

المسألة القومية الكردية ليست بقميص عثمان

السيد الكاكه ئي يلوح لنا بتهمة الارهاب لانه يخلط بين الكردايه تي والاحزاب التقليدية ، بين الحس الوطني النزيه والانصياع الاعمى للاحزاب ، وكأن هذه الاحزاب مكتوبة لها ان تكون مقدسة للابد!
الشعور القومي الكردي وممارسة هذه المشاعر ليست حكرا على حزب او جماعة ، لانه بمستطاعة اي كردي وبحق ان يقوم بذلك من دون وساطة او عون او تزكية من احد. وحتى لو تقاعس مواطن كردي عن ممارسة هذه المشاعر فان هذا حق طبيعي له او لها ان كنا نؤمن بحرية التفكير والمعتقد.
يقول الكاكه ئي في نهاية مقالته :  أن لم نشترك بقوة المرة السابقة أو حتی أقوی منها سوف نخسر الدنيا و الآخرة !

يبدو ان الكاتب هنا يريد ان يعبر عن اعتقاده بقدسية وألوهية القيادة الكردستانية ، لانه لو كانت خسارة الدنيا بيد الانسان فأن خسارة الاخرة وحسب المفهوم الديني هو امر ألهي بيد الله !
يمكن ايضا ترجمة العبارة اعلاه بما يلي : الانتخابات المقبلة سوف تقرر مصير ووجود الكرد في العراق ، وهذا كلام مشبع بالقلق و البارانوايا للاسباب التالية :
1. خسارة انتخابات يعني خسارة كتلة او مجموعة حزبية معينة في الانتخابات ولا يعني بتاتا سقوط شعب وقضية في الهاوية ، لان الحركة الكردية في العراق موجودة منذ سنة 1806 حين قام ابراهيم باشا في الثورة على الاتراك العثمانيين في منطقة السليمانية.
2. خسارة اي طرف عراقي ( بما فيها الطرف الكردستاني ) في الانتخابات ، لا يعني انتصار الارهابيين ، لان هؤلاء لا يمثلون الا اقلية ضئيلة . وحتى لو فرضنا ان سكان الصحرا ء الغربية كلهم من الموالين الي الارهاب، فأن نسبتهم بالنسبة الى نفوس العراق لا تتجاوز ال 15% !
3. انتخابات 2005 هو ببساطة تدشين للعمل الانتخابي واول تجربة في العراق، وسوف تتبعها انتخابات اخرى سنة 2009 و 2013 و 2017 ...الخ. خسارة معركة انتخابية لا تعني خسارة حرب!
4. كردستان منطقة شبه مستقلة منذ سنة 1991 ، وقد ادت هذه التجربة الي خلق جيل كردستاني جديد لا يمكن لابناءه وبناته تصور بلدهم خاضع لسلطة اخرى غير الكردية ، وهذا لا يعني طبعا بتر العلاقة مع بغداد بقدر ما يعني استحالة عودة تسلط نظام فاشي في كردستان.
5. خسارة الكتلة الكردستانية لا تعني مجئ الارهابيين والصداميين لان الغالبية العظمى من الكيانات والكتل السياسية العراقية معادية للفاشيين الزائلين عن الساحة السياسية .
6. لقد صوت العراق من خلال استفتاء عام عن الدستور الذي هو حجر اساس لتشييد صرح الديمقراطية والفدرالية وحقوق الانسان في العراق . لا يمكن لاي جهة المساس بالدستور الا شعوب وطوائف الامة العراقية وفقط من خلال استفتاء. فيا ترى اين يكمن مصدر الخوف حول المستقبل؟

السؤال الكبير هو كما طرحه السيد الكاكه ئي : نصوت للكتلة الكردستانية رغم نواقصها ام لا؟
ـ قبل كل شئ ، اود القول هنا بان ما اطرحه خلال هذه المقالة هو رائي الشخصي ولا ارغب ان اعطي نصائح الي ا لاخرين لان الكل احرار في التصويت لمن يشاؤون.
ـ استنادا الي النقاط الستة اعلاه ، لا اعتقد بوجود اية خطورة على مستقبل الكرد في العراق في حالة خسارة الكتلة الكردستانية في الانتخابات.
ـ الخسارة المحتملة ان حصلت ، فأنها سوف تضر بالحزبين الرئيسيين اكثر مما تضر بالكرد والكيان الكردستاني الفارض وجوده في العراق.
ـ قد تكون ظاهرة تجنب التصويت مفيدة ودرس للقيادات الكردية التقليدية لكي يتعضوا بها ويجاهدوا بشكل اكثر جدية من اجل مزيد من العدالة و سواسية توزيع الثروات والمناصب ، لان الجميع ناضلت واعطت ضحايا في سبيل الكرد، والكردايه تي ليست حصرا لا على شخص ، ولا على عائلة ، ولا على عشيرة ، ولا على حزب .

الخاتمة
ـ قد يمثل الرفض الكردي لقيادته تجربة رائدة ليست في العراق فقط، وانما في عموم منطقة الشرق الاوسط المشهورة بالاستبداد والدكتاتورية الفردية والعائلية والعشائرية.
ـ أليست اعتراف السيد فهمي الكاكه ئي صراحة بأخطاء القيادات الكردية بمثابة ايحاء يدعو من خلالها الى تجنب التصويت لهم في الانتخابات.
ـ لو صوتنا للكتلة الكردستانية فسوف نكون قد قبلنا بالعورات والنواقص التي ذكرها لنا السيد الكاكه ئي في مقالته والتي هي ذي تاثير اخطر واعمق من تاثير الارهاب لانها تمثل امراض معشعشة في احضان امتنا منذ قرون ، وديمومتها كفيلة بديمومة الاسباب التي فرقت امة الكرد وجعلته عرضة للجينوسايد والتشريد. يقول السيد الكاكه ئي ما يلي :
1. فهناك نفور وضجر بسبب الأداء الردئ لبعض المسؤولين المحسوبين علی القيادات الکوردية.
2. ليس هذا فحسب بل حتی عدم الرضا من القيادة في أعلی مستوياتها و ذلك لعدم تنفيذ إلتزامتها و وعودها التي قطعتها علی نفسها مما يطعن في مصداقيتها إن هي إستمرت علی هذه السياسة
3. و في مقدمة تلکم الوعود توحيد الإدارتين الکورديتين، فقد مل الکتاب و المثقفون و عموم الشعب من ذکره و التأکيد عليه.
4. ناهيك عن الفساد الإداري و المالي و المحسوبية و المنسوبية و التمييز بکافة أشکاله
5. و ظهور طبقة غنية أثرت علی حساب سرقة قوت الشعب.
6. إن هذا کله و أسباب کثيرة أخری تجعل من عامة الشعب تتسائل هل نصوت لصالح من يجلسون علی کراسي الحکم و ليس لهم هم سوی جمع المال عن طريق سرقتنا؟
ـ لم يبق الا اسبوعين للانتخابات، ولهذا فالطريق الوحيد امام القيادات الكردية لاستقطاب الشارع والبيت الكردستاني ، هو في الرد العملي الحاسم لتصليح النواقص المذكورة من قبل الاستاذ الكاكه ئي، وان لم يكن بالمستطاع اصلاح العطب في هذه الفترة، فأني اكرر ما قاله صديقي الدكتور جمال زنكنة وكذلك الاستاذ محسن جوامير في ان تعطي القيادات الكردية وعودا علنية وعلى شاشة التلفزيون بانجاز هذه المهمات خلال فترة زمنية محددة. وعكس ذلك نذكر بالمثل القائل:

الما يعرف تدابيره ، حنطته تاكل شعيره

مقالات ذي علاقة بالمقالة اعلاه :

إلى الرئيسين مام جلال وكاك مسعود: تطالبوننا بالتصويت..ونطالبكم بتوحيد الادارتين قبل التصويت : محسن جوامير
• طالباني يحذر الأكراد من عدم المشاركة في الانتخابات: صوت العراق
• الشعب الكوردي يعاقب نفسه ـ د.جمال زنكنة ـ صوت العراق
• نصَوﱢت أم لا نصَوﱢت؟ ذلك هو السؤال ـ فهمي کاکه‌يي:صوت العراق

= = = =

صباح دارا
01/12/2005

موقع حزب بايمان
http://mysite.wanadoo-members.co.uk/sabga
sabah@dara813.fsnet.co.uk