عمق العلاقة بين رئيس كوردستان البارزاني وصلاح الدين بهاء الدين، يساعد تركيا في حل أزمتها مع كوردها


بعد الاحداث المروعة في شمال كوردستان، إتهم السيد بولند أجويد رئيس وزراء تركيا الأسبق الولايات المتحدة بالوقوف وراء الأحداث والمظاهرات التي شهدتها المدن الكوردية في شمال كوردستان، وطالب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بضرورة الضغط على امريكا للحفاظ على وحدة الأراضي التركية.

سَلّة من التصريحات يدلي بها زعيم تلو آخر في تركيا والدول التي تعصر الكورد عصرا كما اُلحِق بها قسرا منذ نيِّف وثمانين عاما.. من متقاعد يشتغل على كتابة المذكرات أو يصرح بالعتيقات من التصريحات، إلى جالس على العرش والكرسي ينتظر فكره المفاجآت.. تهربا من كل حل بعد كل محاولة عسكرية ما إنتهت إلا بالفشل، بعد نشر الفساد والبغضاء بين الكورد وبقية الملل.. حيث لا بد عندئذ من توجيه أصابع الإتهام إلى الخارج بالتآمرْ و التدخل في الشؤون الداخلية ومحاولة التقسيم الجائرْ.. من دون الرجوع إلى العقل السليمْ، وإدراك المسؤولية القانونية والاخلاقية والانسانية تجاه الكورد الذين يجاورونهم ويتوددون إلى السلام والعيش الكريمْ، وعدم هضم الحقوق وإعطاء كل ذي حق حقه من دون بخس أو نظرة تضرب قدر وكرامة الانسان من الصميم وتذيقه بالتالي العذاب الأليمْ.

أظن إن ما حدث في مدينة شمزينان التابعة لاقليم هكاري ومناطق أخرى من قتل ومظاهرات في شمال كوردستان التي هي مليئة بالتحديات، ما هو إلا حلقة ـ لاشك إنها لن تكون الأخيرة ـ من سلسلة الانتهاكات التي جرت بحق الكورد طوال عقود معقدة مضت في ظل الاستبداد والقهروالاعتقالات والاعدامات والتعرض للحرمات والعفيفات والحرمان والطرد والتشريد وحملات التصفية وهدم القرى والقصبات.. وفرض سيادة ودكتاتورية قومية واحدة، ولغة واحدة، وتراث واحد وآيديولوجية واحدة لم تفرز إلا الكراهيات.. وإن من يشعل نارا يجب عليه أن يتحمل الدخان، كما يقول المثل السويدي ومثيله في جميع اللغات.

وإن هذه الاضطرابات والفوضى وردود الأفعال سوف تستمر طالما ليس هناك حل جذري بالاتفاق.. وهنا أركز على ( الاتفاق ) أي ليس حلا من طرف واحد يكون منصبا على إجراء حلول مسكِّنة من طرف الدولة بمعزل عن الأطراف الأخرى، ويكون شبيها بمن يحاول إحتساء الحساء أو الشوربة بالشوكة.. بل إجراء حوار جدي ثنائي بنّاء بين( المسؤولين الأتراك ) و (أصحاب الشأن والقضية من الكورد ).. لأن العقدة المستعصية هي بين ( حكومة ونظام ودولة وآيديولوجية ) وبين ( شعب له ممثلوه ورموزه ) شئنا أم أبينا.

إن تصريح وزير خارجية تركيا السيد عبدالله كول: بأن السلطات المختصة تحقق في الحادث بكل شفافية وموضوعية في المتورطين بأحداث العنف، وسيخسر كل من يحاول إعاقة طريق التحقيقات، وإن تركيا اليوم ليست كتركيا الأمس.. وكذلك قوله: لا تقارنوا بين تركيا القديمة التي كانت تقوم على دولة العمق وبين تركيا في عهدهم الزاهر بالرفق.. ما هو إلا لذر الرماد في العيون وسيبقى ألغازاً، إن لم ترافقه ـ من دون استفراد ـ حلول جذرية مع الأطراف الكوردستانية التي يهمها الأمر ومن ثم هي صاحبة القضية وإن رفضَها المعنيون بحكم ميراث الرفض الذي بات ـ وللأسف ـ ثقافة وآيديولوجية في قاموس الكل في تركيا.

ثم إن دعوة السيد كول الشعب إلى قليل من الصبر والكثير من الثبات، وإن العدالة ستأخذ مجراها ومرساها، والديمقراطية هي الحل الوحيد والاوحد لحل كل المشاكل وأهوالها، ما هي بحلول لوحدها.. إن الحل والخيط الاساسي ـ بجانب ما قاله كول ـ يُرى فيما بين مفردات كلمات السيد أردوغان التي وجهها للمثقفين الكورد قبل عدة أشهر، والتي تكمن في أن هناك قضية كوردية مهملة ومهمشة ومتروكة يجب الاعتراف بوجودها وإيجاد الحلول لها، لا غض الطرف عنها والتسليم للقدر.

أي إن هناك قضية سياسية يجب إيجاد آليات الحلول لها وفق المعايير الدولية ولوائح حقوق الانسان وبمشاركة أطراف أخرى.. ومن المستحسن جدا أن يشارك ممثلون عن جنوب كوردستان في التوسط بين الطرفين، كما إقترح رئيس كوردستان السيد مسعود البارزاني، وذلك لكون الجنوبيين أصحاب تجارب وخبرةٍ عمرها يساوي عمر الدولة التركية، وبمشاركة الاتحاد الإسلامي الكوردستاني ( يه ككرتوو ) باعتباره طرفا كوردستانيا وإسلاميا يمكن أن يلعب دورا في التوسط بين المتخاصمين في تركيا أيضا، كما لعب أثناء المناقشات والمداولات ـ التي إتسمت بموقف كوردستاني موحد ـ مع الأطراف الاسلامية خاصة ـ أثناء العملية الدستورية جنبا الى جنب مع المفاوضين الكورد في بغداد.

إن الكورد وكما يعلم العالم يريدون حلا من دون إراقة دماء.. فمادام الامر كذلك فلتتقدم تركيا وتفاوض وتسمع ما يريده هؤلاء ولو إعتبرتهم ـ ولا بأس ـ أعداء في الوهلة الاولى.. لقد وقع في الحرب العالمية الثانية أكثر من 17 مليونا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين ضحية تقاتل الأعداء، وفي النهاية إتفق الأعداء ـ لا الأصدقاء ـ على وضع حد للمأساة التي طالت كل شئ، ومن ثم تحولت الدول المهدّمة والمتحاربة إلى أعلى مستوى في الرقي العمراني والديمقراطي وحقوق الانسان، لا بل أصبحت قدوة لدولنا التي كانت بمنأى عن تلكم الكوارث آنذاك.

وإن إضفاء صفة الارهاب على المخالف والعدو، لا يمكن أن يحل مشكلة أو يفتح عقدة، ناهيكم عن عدم صلاحيته وواقعيته ودوامه إلى أبد الآبدين.. ولا يمكن أن تبقى لهذا التوصيف من مصداقية في حال دعوة المعارضة إلى السلام والمطالبة بعدم تدخل العسكر في الخلاف والخصام.

إن دنيا العقليات الأجويدية المتقوقعة وأمثالها العتيقة التي شاخت وتهرأت على أنقاض الخرافات الشنيعة التي تعشش فيها الحل العسكري ليس إلا، قد تغيرت وتكاد ـ حسب قراءة أحوال المدن والبلدان الحاضرة ـ ترحل في عالم العقلاء والباحثين عن الحلول.. والذرائع التي مازال السيد أجويد وأشباهه يلوذون بها ـ ولا عاقل يسمعها أو يؤمن بها ـ قد أبطلها أو في الطريق ـ إنفتاح الفكرالاقليمي والعالمي ويقظة الضمير وقدوم رياح جديدة عاصفة بالدكتاتوريات والامة الواحدة.

فهل تملأها أفكارعقول اصحاب حزب العدالة والتنمية بأطروحات ( عبدالله كول ) الديمقراطية ـ بعد الأحداث الأخيرة ـ وبمفردات ( أردوغان ) الداعية ـ سابقا ـ إلى الإعتراف بوجود قضية ومشكلة كوردية وإيجاد الحلول والعمل بها، بحيث تفيد الشعبين الكوردستاني والتركي، بعد إستخلاص الدروس والعبر من تجربة جنوب كوردستان مع عناد الأنظمة وهزيمتها في النهاية.. أم سينحصر كل الهم على غلق فضائية ( روز ـ تيفي ) ، وكل ما قيل سينام على رف المزايدات ومن ثم يُســــلّم ـ كعادة السيدة حليمة القديمة التي لم تبرحها ـ إلى الحكومة التالية وهكذا دواليك إلى يــــــــــــوم ( فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن )؟!

أعود وأكرر وأضيف أنه في حال قبول مقترح رئيس كوردستان السيد مسعود البارزاني من جانب تركيا وبمشاركة مَن يُختارون بالاتفاق ولاسيما السيد صلاح الدين بهاءالدين أمين عــــــــــــــــام ( يه ككرتوو ) سيكون عاملا جد مهم وذات تأثير ـ وإن كان في حده الأدنى في الوقت الراهن على الاقل ـ في حلحلة ملابسات الصراع الكوردي التركي في تركيا والدخول في فضاء جديد إنعدم نهائيا في تركيا، وكخطوة أولية .. وما الرفقة والصحبة المصيرية التي تمت بين الجانبين في جولات وضع الدستور والتي أثبتت وحدة الهدف والمواقف والمصيروالنوايا، إلا من الدلائل التي تبشر بخير حتى بالمساهمة المشتركة في حل مشاكل الجارة تركيا مع كوردها إن إرتضت..

محسن جواميرـ كاتب كوردستاني
mohsinjwamir@hotmail.com
27/11/2005