محنة المرأة العراقية..


إن المرأة ضحية مستمرة في معظم المجتمعات العربية والمسلمة. ونحن هنا لسنا إلا في معرض المرأة العراقية.
بالطبع الموضوع طويل ومتشعب، ونرى الأفضل الانتقال مباشرة لثورة 14 تموز، التي سنت عام 1959 قانونا ممتازا وعصريا للأحوال المدنية. كان القانون يمنح المرأة حقوقا أساسية، ويرتفع بها من مستوى النظرات المتخلفة في المجتمع لمستويات عليا. لم يرق القانون لرجال الدين المسلمين من الشيعة والسنة، وصدرت فتوى المرجع السيد محسن الحكيم ضد القانون وقاسم وكذلك تحريم التعامل مع الشيوعيين. لقد استخدم أعداء الثورة ضجة رجال الدين وفتاواهم في خططهم لقلب النظام ونحر منجزاتها مع زعيمها الفذ. إلا أنه برغم انقلاب 8 شباط الدموي لعام 1963، وما اقترن به من مذابح جماعية، فإن قانون الأحوال المدنية لعام 1959 ظل بوجه عام ساريا وإلى سقوط صدام.
لقد كان مفترضا بعهد 9 نيسان أن تستعيد المرأة البسمة والأمل بعد كوارث الحروب العبثية والمقابر الجماعية زمن الفاشية المنهارة، وحملات قطع رقاب النساء وتعليقها على أبواب دورهن بحجة الدعارة. غير أن ما حدث كان مزيدا من التدهور على أيدي التنظيمات السياسية الدينية، سواء في الجنوب وحتى في بغداد. صارت المرأة السافرة تطارد، والحجاب يرفض بمختلف أساليب الضغط الاجتماعي والمواعظ، وطوردت حتى المسيحيات لإجبارهن على الحجاب. وفي بغداد نفسها مناطق محرمة على كل سافرة. لقد توجت الكتل الدينية حملاتها بإلغاء قانون الأحوال الشخصية حالما تسلم السيد عبد العزيز الحكيم رئاسة مجلس الحكم، ولكن القرار بذلك جوبه بمعارضة قوية وبرفض السيد بريمر، مما أدى لإلغائه. كما أن قانون الإدارة أبقى على القانون المدني مع تخصيص 25 بالمائة من المقاعد البرلمانية للنساء. ونعرف أن أحوال المرأة في كردستان كانت مع حقوق المرأة والقانون المدني قبل سقوط صدام ولحد اليوم وهذا مما يشرف الأحزاب والمسؤولين هناك.
لقد تحول العراق اليوم لشبه غابة سوداء من حجاب النساء، بعد أن لم يكن في الكليات أيامنا في الأربعينات محجبة واحدة. ومع أن الحجاب أو السفور يجب أن يكون خيارا شخصيا، فإن ما يجري هو هيمنة فتاوى ومواعظ رجال الدين، وممارسات التنظيمات السياسية الدينية، التي تضع المرأة في قفص الحجاب. ونرى اليوم في ديوان مجلس الوزراء وفي الوزارات التي يشغلها إسلاميون تطبيقا لتعليمات سارية وإن تكن غير مكتوبة، لمنع تعيين أية موظفة سافرة. ويذهب المسؤولون الدينيون لتحريم مصافحة المرأة. وكم كان معيبا أن وزير السياحة المنتمي لحزب الفضيلة شوهد خلال ندوة باليونسكو بباريس وهو يتهرب من مصافحة النساء!!
إن هذه الأجواء والاتجاهات والممارسات الشديدة التخلف وعلى نمط الطالبان وما يجري في إيران، قد جرى تشريعها رسميا في الدستور العراقي ذي الاتجاه الإسلامي والذي جعل الأحوال الشخصية خاضعة لأحكام الشريعة. وبالنسبة لغير المسلمات فأمورهن توكل لمراجعهن الدينية. وهكذا أعادت الأحزاب السياسية الدينية الكرة بعد إلغاء القرار 137 ونجحت في فرض مشيئتها، سواء عن المرأة أو عن جعل "ثوابت أحكام الإسلام" "مصدرا أساسيا للتشريع، والمقصود طبعا هي أحكام الشريعة. لم نشهد هذه المرة ضجة القوى والأحزاب العلمانية، رغم تسجيل التحفظات على بنود الدستور هذه. لم نر معارضة قوية دفاعا عن مدنية الأحوال الشخصية، وحتى برنامج الجبهة الكردستانية المنشور أمس لا ينص على نية أي تعديل في الدستور، ولم أجد ذكرا للعودة في العراق كله لقانون الأحوال المدنية لعهد عبد الكريم قاسم. وهذا مدهش من جبهة علمانية، وحيث كما قلنا تتمتع المرأة في الإقليم بحقوقها المدنية. أما قصة ال25 بالمائة فلا أراه غير ديكور على ضوء من نرى من معظم النائبات المحترمات المناديات [ أقصد معظمهن ] بمقولة أن المرأة ناقصة عقل ودين، وبأن الرجال قوامون على النساء، وهن يطالبن بتطبيق نظام حكم الشريعة. ولو قرأنا مقررات منظمة "شهيد المحراب" النسائية، مثلا التابعة للمجلس الأعلى، لوجدنا العجائب من نساء مثقفات يطالبن على ألسنتهن بجعل المرأة نصف الرجل في التطبيق العملي اليومي.
أجل، إن المرأة العراقية في محنة كبرى بسبب هذه الممارسات من جهة، وبسبب عمليات الإرهاب الدموية الغادرة التي تسلب من المرأة الزوج أو الولد أو الأخ، وأحيانا تكون هي الضحية المباشرة. وهكذا ينضم الإرهابيون الصداميون والزرقاويون لتشديد الحملة على النساء التي تمارسها التنظيمات الإسلامية.
في رأيي أن الموقف الحضاري من المرأة هو معيار أساسي وجوهري للديمقراطية الحقيقية وللالتزام الصادق والنزيه بمبادئ ونصوص اللائحة الدولية لحقوق الإنسان. وأرى أن الواجب التاريخي والمقدس يفرض على كل القوى العلمانية، من ديمقراطية ولبرالية وقومية تقدمية ودينية متفتحة، لجعل تعديل النصوص الخاصة بالأحوال المدنية من الدستور التزاما قويا أمام المرأة والرأي العام العراقي والدولي. وبالطبع فهذا يتطلب في الوقت نفسه تعديل المواد التي تجعل أحكام الشريعة "مصدرا أساسيا للتشريع" وحتى دون ذكر كلمة" من مصادر" كما نص الدستور المؤقت، والذي أيضا لم ينص على كلمة "أساسي." وأدعو الإخوان في الجبهة الكردستانية بوجه خاص لأخذ المبادرة لتعديل الدستور على هذا النحو بعد الانتخابات، بدلا من النص في البرنامج الانتخابي على "حماية المبادئ الأساسية" في الدستور. كما أن للنساء العلمانيات دورا خاصا لتحقيق هذا الهدف، الذي بدون تحقيه يكون كل حديث عن الديمقراطية والتعددية مجرد خدعة وتضليل!

عزيز الحاج
24 نوفمبر 2005