مؤتمر القاهرة يخدم أعداء العراق
موقف الجامعة العربية معروف بتأييده لنظام صدام حسين لدى القاصي والداني. كما ويسعى الآن أمينها العام عمرو موسى بضراوة لإيجاد موطئ قدم في العراق الجديد لفلول البعث الساقط بذريعة حوار
المصالحة. وبذلك فعمرو موسى يقوم بدور حصان طروادة لإدخال العناصر الفاشية في الحكومة العراقية من أجل إفشال العملية الديمقراطية وتمهيد الطريق لعودة حكم البعث. فرغم مظالم الفاشية البعثية
في العراق طيلة 35 عاماً من حكمه الجائر، لم تتحرك الجامعة العربية يوماً للدفاع عن الشعب العراقي المضطهد. بل وحتى لم تعترف آنذاك بوجود معارضة ضد النظام الفاشي، ناهيك عن رفضه
لاستقبال أي وفد من معارضة نظام صدام، بل وحتى الاعتراف بوجود تلك المعارضة. ليس هذا فحسب بل أغلب المحسوبين على الجامعة العربية مثل الأخضر الإبراهيمي، كانوا يدافعون عن سياسة
صدام حسين الرعناء ووقف الإبراهيمي بصراحة ضد تحرير الكويت من الغزو الصدامي البغيض.
وفي السنوات الأخيرة من حكم صدام حسين، بذل عمرو موسى، الأمين العام للجامعة، كلما في وسعه لإنقاذه من السقوط وحكم التاريخ العادل. وكان ذلك واضحاً في مؤتمرات القمة العربية ومحاولاته
لتبييض وجه صدام ونظامه الجائر.
ولكن ما أن سقط النظام الصدامي البعثي، حتى سارع عمرو موسى إلى الاعتراف بما يسمى بالمعارضة العراقية ومن ثم "بالمقاومة العراقية الشريفة". والحقيقة ليست هناك معارضة عراقية بالمعنى
الديمقراطي الحضاري المتعارف عليه، بل هناك عصابات تقوم بجرائم القتل المنظمة وتنظيمات الإرهابيين المشكلة من أيتام النظام الساقط وحلفائهم الزرقاويين من فلول القاعدة. ولم نسمع للجامعة أي
صوت أو إدانة ضد الإرهاب في العراق، بل كل ما يتحدثون عنه هو عن "المقاومة" العراقية ضد "الاحتلال". الواقع الذي يتغافله عمرو موسى هو أن ما يسمى بالمقاومة له غرض واحد وهو قتل
العراقيين الأبرياء وتدمير مؤسساتهم الاقتصادية.
مقدماً نقول لا فائدة ترجى من لقاء القاهرة لأنه خديعة لا تقل خطراً عن خديعة عمرو بن العاص عندما بات نصر معسكر الإمام علي على معسكر معاوية قاب قوسين أو أدنى، فاقترح برفع المصاحف
على أسنة الحراب والمطالبة بالتحكيم وكانت النتيجة معروفة، إجهاض النصر. كذلك يعيد التاريخ نفسه إذ نرى اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين عمرو موسى بقوم بذات الدور الذي قام به عمر بن
العاص قبل 14 قرناً، فما أن رأى أن العملية السياسية العراقية في طريقها إلى النجاح وقد اختار الشعب العراقي إلحاق الهزيمة بفلول البعث عن طريق صناديق الاقتراع، فسارع إلى عقد ما يسمى
بمؤتمر المصالحة لإنقاذ فلول البعث والزرقاويين من الهزيمة المحتومة.
ولكن المصالحة مع من؟؟؟
هناك فريقان في العراق ضد العملية الديمقراطي والحكومة المنتخبة والعراق الجديد. فريق يتألف من فلول البعث الساقط وحلفائهم الإسلامويين الزرقاويين. وهؤلاء اختاروا الإرهاب المسلح والقتل
والتخريب. وهذا الفريق لا يريد المصالحة أصلاً، بل يصر على مواصلة الإرهاب في جميع الأحوال. وهم يعرفون جيداً أنهم منهزمون لا محال ولكنهم يائسون من الحياة، ويفضلون الموت على العيش
بعد أن فقدوا الامتيازات التي أدمنوا عليها أيام حكم سيدهم صدام. أما الزرقاويون فهم يحتقرون الحياة ويحبون الموت وعلى عجلة من أمرهم في لقاء 72 عذراء من حور العين والولدان المخلدين أو إقامة
دولة الخلافة الإسلامية الفنطازية المعششة في أخيلتهم المريضة.
والفريق الثاني من أعداء العراق الجديد هم شلة من الانتهازيين والنفعيين يريدون تحقيق أكبر قدر من المنافع وذلك بالادعاء بأنهم يستطيعون إيقاف الإرهاب فيما لو صار لهم دور ومنحوا بعض
المكاسب والمواقع في العهد الجديد. ويضم هذا لفريق ما يسمى ب(هيئة علماء المسلمين) وجماعة صالح المطلك وفلول انتهازية أخرى من العاطلين من أصحاب السوابق الإجرامية من القوميين العرب
وعملاء صدام حسين في الخارج. وهؤلاء هم الذين وافقت الحكومة العراقية اللقاء بهم في مؤتمر القاهرة. في الحقيقة إن هؤلاء لا يحلون ولا يربطون ولا قيمة لهم بما يسمى بالمقاومة العراقية وليست
لهم كلمة تسمع لدى المسلحين الإرهابيين. فهؤلاء مجرد أبواق وطبول فارغة تعمل ضجيجاً عالياً فقط من أجل إيهام الآخرين بأن لهم دور كبير ويستطيعون إيقاف الأعمال المسلحة فيما لو استجابت
الحكومة العراقية لمحاورتهم ومنحهم بعض المكاسب. في الحقيقة أن هؤلاء محتقرون من قبل الزمر الإرهابية المسلحة وهم ليسوا في العير ولا في النفير. وهم يعرفون ذلك جيداً وسوف يثبت المستقبل
القريب بعد الانتهاء من هذا العرس البائس، أن جماعة حارث الضاري وصالح المطلك وبقايا البعثيين في الخارج هم عبارة عن أبواق لخدمة الإرهاب ولكن لا تأثير لهم على الإرهاب، إذ لا قيمة لهم
أساساً وليس بإمكانهم إيقاف الأعمال المسلحة مطلقاً حتى ولو صاروا وزراء في الحكومة العراقية، فما الفائدة من ضياع الوقت والجهد مع هؤلاء؟
والمؤسف أن السيد رئيس الجمهورية الأستاذ جلال طالباني، ومن باب حسن النوايا، قال الأحد 21/11، في تصريحات صحافية على هامش الاجتماع التحضيري لهذا المؤتمر، انه على استعداد
"للاتصال بالمقاومة العراقية" اذا طلب المسؤولون عنها ذلك. ولا أدري أية مقاومة يعني الأستاذ طالباني. أما الرد على هذه التصريحات فقد جاء من مجموعة ابو مصعب الزرقاوي التي رفضت دعوة
الرئيس العراقي الى الحوار، مؤكدة ان "السيف والدم" هما الوسيلة الوحيدة للحوار، بحسب ما جاء في بيان على الانترنت. أما البعثيون فقد عبروا عن موقفهم الرافض بكل وضوح لمؤتمر القاهرة. فأي
حوار يمكن إجراؤه مع هؤلاء؟ وأي نفع يرجى منهم؟
إن هذا المؤتمر يلحق أشد الأضرار بالشعب العراقي والحكومة العراقية المنتخبة، والمستفيد منه هو حارث الضار وصالح المطلك وكل أعداء الديمقراطية وعمرو موسى لأنه يريد أن يثبت له دوراً فيما
يجري في العراق. فإلى متى تقع الحكومة فريسة لخدعة عمرو موسى الذي لم يسع يوماً لصالح الشعب العراقي؟
المطلوب من الحكومة العراقية رفض أي اتصال بما يسمى بالمقاومة، فهؤلاء إرهابيون وقتلة، لا يعرفون أي لغة غير لغة "السيف والدم". لذلك يجب مواجهتهم باللغة التي يفهمونها. يجب سحقهم دون
رحمة وعدم ضياع الوقت في مؤتمرات بائسة.
د. عبدالخالق حسين
23/11/2005