الكورد الفيلية ليسوا في مهب الريح ـ الجزء الثاني ـ
ذكرت في نهاية الجزء الاول من ان تحليل واستراتيجية الحزب الكوردي الفيلي العراقي جاءت موفقة صائبة تماما فيما يخص العلاقة الجدلية بين الحركة النضالية للشريحة الكوردية الفيلية والحركة
التحررية لشعب كوردستان، والدورالريادي للكورد الفيلية في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي وموحدّ، ( الحزب الكوردي الفيلي العراقي هو اتحاد طوعي، إختياري، إرادي، واع لكل كوردي فيلي
أوكوردية فيلية أو من أصول فيلية ممن يعيشون خارج إقليم كوردستان الإداري، الذين تجمعهم أهداف واضحة ومعلنة في برنامج الحزب، والتي تتلخص في الدفاع عن حقوق الكورد الفيليين خاصة
وحقوق الشعب الكوردي بشكل عام، وعن وجودهم الاجتماعي في عراق ديموقراطي، تعددي، فيدرالي، مستقل وموحد، ومن خلال النضال من أجل بناء دولة المؤسسات الدستورية المنتخبة بنزاهة،
وبناء المجتمع المدني ودولة القانون.
ويستمد الحزب مبادئه التنظيمه التي تسير حياته الداخلية، وتنظم عمل مؤسساته القيادية والقاعدية، ونشاطه العام ككيان سياسي ديموقراطي ليبرالي موحد، بما يتوافق مع المباديء الديموقراطية). يضم
الحزب الكوردي الفيلي العراقي الكورد الفيليين أينما تواجدوا وجميع الكورد خارج إقليم كوردستان الإداري، بكل فئاتهم وإنتماءاتهم، ومن مختلف الطبقات، رجالا ونساء. كما يضم المهجرين والمهاجرين
والمبعدين، الذين يؤمنون ببرنامج الحزب ومرجعيته الفكرية التي تعتمد على الايمان بحقوق الانسان والمجتمع المدني ودولة المؤسسات الدستورية المنتخبة بنزاهة، والذين يناضلون بقوة من أجل بناء
عراق ديموقراطي، تعددي، فيدرالي، مستقل وموحد، وينظرون إلى قضية الكورد الفيليين وإلى مستقبل الكورد خارج إقليم كوردستان الإداري باعتبارها قضيتهم المركزية والتي لا يمكن فصلها عن
قضية الدفاع عن قضية الشعب الكوردي ككل، ولا عن قضية البناء الديموقراطي في العراق.
ان العقلية السياسية الكوردية الوّقادة لقادرة دوما ان تستنبط الدروس العميقة من مجريات الاحداث وتجارب الماضي المرير، وان تتكيف مع المستجدّات و المتغيرات على الساحتين الكوردستانية
والعراقية، فالعقلية السياسية الكوردية الفيلية والتي تستمدّ قيمها و قوتها من الهمّة العالية للنضال البطولي لشعب كوردستان، ومن الاصرار والتضحية والايثار لثورة الحسين، والاستلهام الواعي من
صرح البناء الديمقراطي المعاصر لتجارب شعوب العالم الحرّ والمتمدنّ وتجاربها الفريدة والناجحة لتأسيس المجتمع المدني المتطور، تلك العقلية المتنورة التي لعبت دورا رياديا وبارزا في تأسيس
وقيادة اغلب الاحزاب الكوردية والعراقية اليسارية والديمقراطية، والتي ادركت وبشكل خاص بعد سقوط النظام الصدامي المقبور ، الحاجة الملّحة الى وجود حزب كوردي فيلي عراقي يجمع تحت خيمته
بين الخصوصية الخاصة للشريحة الفيلية والعمومية العامة لها في اطار عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي مع تأكيدها على هويتها الكوردية من جهة وطابعها الديمقراطي العلماني الليبرالي من جهة ثانية ،
لتكون فعلا المعبّر الحقيقي لآمال واماني الديمقراطيين من الكورد الفيلية، وان الطروحات الجريئة للحزب الكوردي الفيلي وطنيا وقوميا ومذهبيا والتي ركزت على الاستقلالية التامة في المواقف السياسية
وعدم القبول بالانضواء تحت اية خيمة او واجهة اية احزاب مذهبية او قومية على الساحتين العراقية والكوردستانية مع تقديرها لادوارهما وتأريخهما النضاليتين، الامر الذي عليه المزيد من المصداقية
والثبات والنمو المضطرد، على الرغم من انها قوبلت في البداية بردود افعال متباينة تراوحت بين الرفض والتردد والمعادات حتى ، الاّ ان المنطق الشفاف والصريح لقيادة هذا الحزب ، والاصرار على
المضي بثبات في مخاطبة الاخرين بمنطق العقل و الصبر والاناة، استطاعت ولو بجهد جهيد اذابة الكثير من صقيع الشك والتردد حيال الحزب وسياساته الحالية ودورها المستقبلي ايضا ، واستطاعت
ان تشق طريقها رغم كل هذه الصعاب ،باصرارها على مبادئ اساسية لا حياد ومجاملة ازاءها، في التأكيد على ان كوردستان هو العمق القومي الاستراتيجي للكورد الفيلية ، والكورد الفيلية هم ابناء
الكورد خارج اقليم كوردستان الحالي، و انه لا يمكن تحقيق اهداف الحزب دون تأسيس دولة القانون والمؤسسات ودون الديمقراطية والفيدرالية والتعددية الحزبية.
ويعرف الكورد الفيليين قبل غيرهم مدى هذا العمق ، واقعيا وتأريخيا وروحيا، وهم يدركون جيدا سبب حرمانهم من حق المواطنة والحياة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في اوائل القرن
الماضي ، وهل انها كانت بسبب القومية ام المذهب ؟ وهل تمت فعليا اتخاذ هكذا اجراءات قاسية ولا انسانية مع غيرهم من الشيعة في العراق وبنفس الشّدة وعلى مدى كلّ عمر الدولة العراقية؟ الجواب
معروف طبعا ، للواعين والمنصفين من الشريحة .... والسبب وبكل بساطة ان الفيليين هم كورد ، صحيح انهم ينتمون الى مذهب آل البيت ، كما ينتمي اليه العرب الشيعة، ولكن هؤلاء هم عرب
والكورد الفيليين هم كورد ، وأي تفسير او تحريف عن هذا المفهوم هو مغاير للحقيقة تماما وضحك على الذقون ، والفرق واضح بينهم وبين اخوتهم في المذهب من العرب الشيعة..... هل جرّد احد من
العرب الشيعة من الجنسية العراقية ومنع شبابهم من مواصلة الدراسة في المعاهد والجامعات، وهل تمت مصادرة اموالهم وحجز شبابهم ورميهم خارج الحدود حفاة عراة بين عشية وضحاها؟؟ هذا ما
جرى لهم في زمن صدام وفي العراق ، اما في ايران ، الدولة الاسلامية الشيعية ، هل كان وضع الكوردي الفيلي هو نفس وضع العربي الشيعي في نظر اجهزة الدولة (والثورة الاسلامية)، والآن وبعد
سقوط النظام المقبور ، هل ان حماس وتمسك (الاخوة) من العرب الشيعة في استرجاع الحقوق المهضومة (لاخوتهم) المظلومين في المذهب ، الكورد الشيعة ، هو نفس حماسهم في الدفاع عن ( العرب
الشيعة) الذين جلبهم نظام صدام الى كركوك كمستوطنين ومحتلين ومعتدين على املاك وبيوت الآخرين وادوات منفذة للسياسة الفاشية العنصرية للنظام البائد؟؟؟؟ اوليست القيادات (الشيعية العربية)
واحزابها مستمرّة بتكريس الواقع المأساوي والمرّ في كركوك بل ورفع شعار (لا اله الا الله كوردستان عدو الله) جنبا الى جنب مع الجهات التي تعادي الكورد والشيعة ايضا ومن ضمنها الارهابيين
التكفيريين و من فلول البعث، اوليس هذا دليلا كافيا بل هو خير دليل على ان المذهبية التي يتمشدق بها هذه الاحزاب انما تخفي في طياتها اطروحات قومية غاية في التطرف والعنصرية.
التجربة التأريخية تقول ان الكورد السّنة قد خبروا المذهبية السّنية لعقود من الزمن ، والكورد الفيلية عاشوا (بركات) المذهبية الشيعية بعد ترحيلهم القسري الى ايران آية الله الخميني، فهل ياترى تم
استقبالهم هناك استقبالا يليق بانسانيتهم ويوازي مظلوميتهم، هل وفروا لهم مساكن لائقة وعمل شريف وخدمات صحية، هل سمح لهم بالدراسة بلغتهم الكوردية اسوة (ببلاد الكفر) الاوروبية في تعاملها
مع اللاجئين المسلمين مثلا، وهل .... وهل...؟ الجواب معروف عند الكورد الفيليين انفسهم ممن خبروا ايران ولا يزال مئات الالوف منهم يعيش هناك حياة البؤس والحرمان، فاصحاب المذهبين انما
تعاملوا مع الكورد من المنظار القومي دوما، وليس من المنظار الديني او المذهبي، وفي ذهن كل فرد كردي . شيعيا كان ام سنيا ذكريات أليمة عن مدى مصداقية المتشدقين بالمذهب والدين .
ففي ايران الاسلامية الشيعية هنالك ايضا وضوح كبير فيما يخص تطبيق اطروحات وطموحات قومية فارسية عنصرية ضدّ كل ما هو غير فارسي، وهذه لا تتناسب ابدا مع قداسة الدين ا و سماحة
المذهب، واّلا ماهو سر تعلق الدولة الايرانية الاسلامية الشيعية ولحدّ اللحظة بالمكاسب التي حققها نظام الشاه المقبور في اتفاقية الجزائر الخيانية ، اثناء حكم البعث، والآن البعث والشاه قد قبرا الى غير
رجعة، اوليس التمسك بآلاف الكيلومترات المربعة من الاراضي العراقية على طول حدودها الطويلة مع العراق تعبيرا عن احلام التوسع والعنجهية الفارسية؟؟
و ما سّر احتلالها المستمر للجزر الثلاث في الخليج منذ ايام الشاه المقبور!!!.
الكثيرون يحاولون ان يظهروا للبسطاء من الناس تطابق المظالم الشيعية العربية مع المظالم الشيعية الكوردية زمانا ومكانا، كماّ ونوعا ، وبالتالي اعـتبار قضيتهم واحدة وآلامهم وآمالهم ومصيرهم
ايضا واحدا ، فهم اذن اقرب الى اخوتهم في المذهب من اخوتهم في القومية، وللحقيقة نقول ان مأساة الكورد الشيعة، بدأت وتأصلت وتفاقمت في العراق لعقود من الزمن ، وقبل ان تعرف في العراق
مشكلة اسمها المشكلة الشيعية المذهبية، صحيح انه كان هناك تهميشا للعرب الشيعة من قبل اخوانهم العرب السنة، ولكنهم لم يكونوا يوما مهدّدين بسحب الجنسية او عدم منحها لهم اصلا،لم يرقن قيود
طلابهم من المدارس والجامعات ولو يمنعوا من استلام وضائف رفيعة في الدولة العراقية، واخيرا لم يؤخذوا على حين غرّة وجرى تكديسهم نساءا واطفالا وشيوخا وراء الحدود بين حقول الالغام للتوجه
نحو المجهول، ولم يحتجز شبابهم ويغتصب حرائرهم بالمئات والآلاف كما جرى للكورد الفيلية، وفي حينها لم نسمع حتى ولو خطبة خجولة في مسجد من مساجد العرب الشيعة وحسينياتهم مستنكرة هذه
المظالم لاخوتهم في المذهب (الذين يحرصون عليهم اليوم كل الحرص!!)، لم يرفعوا صوتا واحدا لنصرتهم او على الاقل لتقليل الضرر عنهم او دفعها معنويا او حتى فتوى واحدة لتحريم نهب و شراء
املاكهم او الاستفادة منها، ومن ثم هنالك حقيقة مهمة يجب ان نتمعن فيها مليا ، اذا كان هنالك بعض المآخذ والعتاب من قبل العرب الشيعة على اخوانهم العرب السنة كونهم قد همّشوهم او اضطّهدوهم
حينما كانوا في الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية ، فان الكورد السنة لم يضطهدوا اخوتهم الكورد الشيعة في العراق ، حتى يظهر هكذا جفاء بين الطرفين، بل كانوا جزءا مهمّا من الحركة النضالية
لشعبهم وفي صفوفها الامامية، الامر الذي يحاول الكثيرين من العرب الشيعة او بعض مناصريهم من القلة الضالة من الكورد الفيلية ان يصوروه بصورة مغايرة اي انهم( في الهوى سوا) كما يقول
المثل، وهذا ليس ادعاءا واقعيا ولا صحيحا، او ادعاء البعض ان الحركة الكوردية قد تجاهلتهم ولم تلتفت الى مآسيهم ومظالمهم اثناء محنتهم!!!!، وهنا انا لست بصدد الدفاع عن موقف القيادات الكوردية
فهي كأية قيادات سياسية في العراق لها اخطاؤها وزلاتها واخفاقاتها حتى بحق الآخرين من الكورد الغير الفيليين، ولكن للحقيقة اقول ان هذه القيادات لم تتخلّ يوما عن هموم شعبها متى ما كانت قادرة
موضوعيا وذاتيا على الدفاع عنها، والكل يتذكر السجالات التي كانت تدور بين القيادة الكوردية وسلطة البعث المقبور في السبعينات ، وخاصة بعد التوقيع على اتفاقية 11
آذار عام 1971 سواءا في
اروقة المناقشات او على صفحات الجرائد وكانت معظمها تدور حول نقطتين هامّتين وهما قضيتا كركوك والكورد الفيلية، وكيف ان البرزاني الخالد ظلّ متمسكا والى آخر يوم من عمر الاتفاقية
بالاصرار على ترشيح السيد حبيب محمد كريم (سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني ) آنذاك لمنصب نائب رئيس الجمهورية،وان نكبة الكورد الفيلية وبشكله الواسع لم تبدأ الاّ حينما اجهضت ثورة
ايلول وعملت اتفاقية الجزائر المشؤومة الى انتكاستها ، واضطرار قيادتها الى اللجوء الى ايران وغيرها من الدول،اما في اواخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضي والتي شهدت المأساة الحقيقية
للكورد الفيلية وتم تهجير الملايين منهم الى ايران، فانها كانت ايضا اياما كاحلة سوداء في تأريخ شعب كوردستان التي شهدت وبشكل متوازي جرائم الترحيل القسري لسكان كوردستان، وتهديم وحرق
كل ريف كوردستان وترحيل اهلها من الباقين على قيد الحياة الى معسكرات ومجمعات قسرية على غرار المعسكرات الايطالية في ليبيا او معسكرات الاعتقال النازية ضد اليهود في المانيا، اضافة الى
جرائم الانفال وحلبجة.
الى اللقاء في الجزء الثالث
صفوت جلال الجباري
المصدر: موقع حكومة اقليم كوردستان، 23/11/2005