لماذا قائمة مستقلة للكرد الفيليين؟


أعلن كرد العراق الفيليين عزمهم خوض الأنتخابات النيابية القادمة بقائمة مستقلة ألا وهي قائمة الأئتلاف الكردي الفيلي الموحد رقم (632).
وفيما أثار هذا الأعلان غضب وقلق البعض، رسم علامات من الأستفهام والأستغراب على وجوه أخرين. فما هي دوافع قرار الكرد الفيليين دخول الأنتخابات بصورة مستقلة ، ولماذا لم يتحالفوا مع أطراف أخرى ؟

يعتقد البعض بأن الكرد الفيليين ليسوا بحاجة للظهور على الساحة العراقية ككيان مستقل ،فهم كرد من ناحية الأصل وهم شيعة من ناحية المذهب.
ولذا فأن عليهم الأنصهار في بودقة القومية أو المذهب. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى إعتبار عامل الجغرافية هو العامل الحاسم في تحديد هذه البودقة، قومية كانت او مذهبية. فالكرد الفيليون القاطنون في المناطق المحاذية لكردستان العراق بإمكانهم حسم خيارهم والأندماج في المجتمع الكردستاني ، كما هو عليه الحال في مدينة خانقين وتوابعها .

وأما البقية الباقية من الكرد الفيليين والساكنين في المناطق العربية الشيعية فلا خيار أمامهم سوى الأندماج في بودقة المذهب الشيعي ومن يريد القومية كخيار فعليه أن يحسم امره ويهاجر ألى كردستان. ولقد ظهر هذا الواقع جليا في الأنتخابات الماضية إذ صوتت الغالبية العظمى من أبناء الفيليين لصالح قائمة الأئتلاف العراقي الموحد ، فيما صوتت نسبة ضئيلة لصالح قائمة التحالف الكردستاني. من هنا يعتقد البعض بأن لاحاجة لبروز الكرد الفيليين كشريحة مميزة في العراق.

وواقع الأمر ان الكرد الفيليين وعلى مر تأريخ العراق الحديث قد عاشوا هذا الواقع ، إذ انصهر بعضهم في بودقة القومية فكان هناك العديد منهم ممن قادوا حركة التحرر الوطني الكردي مثل ماجد عبدالكريم، فيما أنصهر أخرون في المذهب وقدموا الألاف من القرابين في صفوف الأحزاب الوطنية الشيعية في الجنوب العراقي ولعل الشهيد سمير نور غلام خير شاهد على ذلك. فيما ذهب بعض الكرد الفيليين إلى أبعد من ذلك وانصهروا في القومية العربية فكانوا روادا لحركة القومية العربية.

وقبيل سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي وعند عقد إجتماعات المعارضة العراقية السابقة لعملية تحرير العراق ، لم يكن هناك إعتبار للكرد الفيليين على انهم شريحة مستقلة. إذ إعتبر الكرد الفيليون ممثلون في كل مؤتمرات المعارضة نظرا لوجود عدد كبير منهم ضمن التشكيلات العراقية المختلفة حتى لا يكاد يخلو فصيل منهم. إلا أن هؤلاء لم يكونوا ممثلين للكرد الفيليين رغم كونهم كردا فيليين، لأنهم كانوا يمثلون الأحزاب والفصائل المنتمين إليها.

وبعد سقوط النظام الصدامي لم يكن الحال بأفضل من سابقه إذ جرى تمثيل معظم الشرائح العراقية في مجلس الحكم وفي الحكومة المؤقتة ،إلا أنه لم يكن هناك تمثيل مستقل للفيليين وللأسف لم يطالب الفيليون بذلك ، ومن طالب فقد كان صوته ضعيفا ورد كما حصل بعد إغتيال السيدة عقيلة الهاشمي عضوة مجلس الحكم، إذ طالب البعض بتعيين كردية فيلية محلها إلا أن بعض الفرقاء الكبار في الساحة العراقية رفضوا هذا الطلب . وكذلك لم يتم إعطاء منصب وزاري للفيليين وكان هذا المطلب محل تقاذف بين الكرد والشيعة وكل واحد كان يطلب من الفيليين الذهاب الى الطرف الأخر وأخذه من حصته عند تقسيم كيكة الحكومة العراقية التي عاد الفيليون منها وهم خالين الوفاض.

ولعل السبب الأساسي لعدم وجود مطالبة كردية فيلية قوية بتمثيل مستقل هو ثقة الكرد الفيليين المطلقة بالفرقاء السياسيين العراقيين وبالخصوص الشيعة والكرد. فالكرد الفيليون لهم تأريخ وسفر طويل من التضحيات في صفوف الحركة الوطنية العراقية ،كردية كانت ام شيعية ، ليبرالية كانت أم إسلامية. ولذا فلم يكن يخطر ببال الكرد الفيليين بأنهم سيتم تهميشهم من قبل أخوة الدرب ورفاق النضال. ولم يكن يتصور الفيليون بأن أبسط حقوقهم الأنسانية سوف لن يرجعها إليهم أخوتهم من كرد وشيعة.

ولم تكن عملية تعيين وزيرة فيلية إلا ذر للرماد في العيون، فالسيدة وزيرة الهجرة والمهجرين وإن كانت كردية فيلية لم تتبوؤا هذا المنصب بإعتبارها ممثلة للكرد الفيليين بل بإعتبارها ممثلة لقائمة الأئتلاف العراقي الموحد التي عليها الألتزام بسياستها وبتوجهاتها. وهذا الواقع ينطبق على حال الفيليين الممثلين في القوائم الخرى وبالخصوص قائمة التحالف الكردستاني فهم يمثلون ويسيرون على نهج وسياسة الأحزاب التي إختارتهم ولذا فقد كان الصوت الفيلي ضعيفا إن لم نقل معدوما في الجمعية الوطنية الحالية.

ولذا فمازال معظم الكرد الفيليين محرومين من أوراقهم الثبوتية التي أسقطها النظام عنهم ، ومازالت عشرات الألاف من العوائل الفيلية تعيش في المخيمات في دول الجوار أو في بيوت أجار في داخل الوطن، في الوقت الذي لازالت فيه أملاكهم مغتصبة ولم ترجع لهم. كما ولم تحصل العوائل الفيلية على أي تعويض عن سنين الظلم والجور وعن المعاناة التي عاشتها تلك العوائل التي فقدت أبنائها في المقابر الجماعية. فيما سارعت الحكومات العراقية الجديدة إلى صرف مئات الملايين من الدولارات لتعويض أهالي الفلوجة وتلعفر وغيرها من المناطق إلا الكرد الفيليون الذين وضعوا على رف النسيان رغم عمق المأساة ورغم حجم الظلم والدمار الذي أصابهم والذي لم يكن له نظير جميع الشرائح العراقية.

لكل هذا وذاك أصيب الكرد الفيليون بالأحباط وبخيبة أمل من الأخوة الكرد والشيعة الممثلين في الحكومة، وشعروا بأن حقوقهم لن يعطيها لهم احد من اخوة القومية او المذهب ،وأن عليهم إسترجاعها بأنفسهم. ولذا فقد قرر جمع من خيرة المنظمات الفيلية العاملة في الساحة خوض الأنتخابات القادمة في قائمة واحدة هي قائمة الأئتلاف الكردي الفيلي الموحد (632) برئاسة الدكتور ثائر إبراهيم الفيلي المستشار الأقدم لوزارة الأعمار والأسكان ورئيس لجنة الأستثمار السكاني في العراق. كما وتضم القائمة عدد كبيرا من الشخصيات الفيلية العاملة على الساحة العراقية.

إن هذا الدخول المستقل للأنتخابات لايعني وقوف الكرد الفيليين بوجه القوى الأخرى ، بل إن القائمة تمد يدها للجميع وهي على إستعداد في حال فوزها في الأنتخابات للدخول في تحالفات مع القوى الوطنية وبما تتطلبه مصلحة الوطن ومصلحة الشريحة. وما على جماهير الكرد الفيليين سوى تجميع أصواتهم وعدم بعثرتها هنا وهناك وإعطاءها للقائمة ( 632) فهي أملهم وهي مستقبلهم.

محمد الفيلي

المصدر: موسوعة النهرين، 20/11/2005