سياسات غير وطنية ..!


كل الأخبار والتقارير المرفوعة ، والواصلة ، عن العراق ، تشير إلى تدهور الأوضاع في كل المجالات ، مما ينعكس سلبا على حياة المواطن العراقي ، وعلى مستقبل العراق ، وكلها لا تبشر بخير ، إنما تنذر بمخاطر جدية ، فلو تناولنا مواقف حكومة الائتلاف الطائفي ، التي جاءت إلى الحكم عن طريق دعم المرجعيات الشيعية لها ، دون برنامج سياسي تطرحه أمام المواطن الناخب ، سوى تمسكها بالمظلومية ، التي مورست ضد أكثرية الشعب العراقي ، من قبل أنظمة الحكم المتعاقبة طيلة فترة الحكم الوطني ، وهذا صحيح ، ولكن ماذا حققت للجماهير من عدالة مناقضة للمظلومية ، بعد وجودها في السلطة طيلة هذه الفترة المنصرمة ؟ لن أسوق ما عندي من براهين على عجز هذه الحكومة وفشلها في تحقيق ما جاءت من اجله ، بل سأترك في المجال للجهة التي سوقتها للفوز في الانتخابات السابقة ، وما ستقوله عنها بهذا الصدد، فالسيد السيستاني حذر حكومة الجعفري ' مغبة فقدان الكثير من رصيدها في انتخابات كانون أول القادم في حال عجزها عن توفير الخدمات الأساسية للعراقيين ' كما صرح ممثل السيد السيستاني في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي قائلا :ـ' ..الطبقة المعدومة لا تزال تعاني من وضعها المعاشي لا سيما الغذاء والمسكن ، والحكومة المشكلة حاليا من بعض الكيانات السياسية ، عجزت عن توفير هذه الخدمات ( وهذا الوضع ) أصاب قطاعات الشعب بحالة من اللامبالاة وعدم الرضا عن هذه الحكومة ..' هذا موقف مرجعية آزرت ودعمت قوى الإسلام الطائفي طيلة فترة حكمها ، على الرغم من الموقف المعارض لكثير من القوى السياسية الوطنية المستقلة والحزبية ، لهذا الموقف ، حرصا منها على سمعة المرجعية ، ورغبتهم أن تكون المرجعية غطاء ومرجعا للجميع ، وليست لفئة دون أخرى ، لما سينعكس سلبا على المرجعية إن فشلت قوى الائتلاف الطائفي في تحقيق أهداف الشعب ، وهذا ما قد حصل فعلا ، مما استدعى تغيير موقف الكثير من المرجعيات ، وبض منها مرجعية السيد علي السيستاني ، والإعلان عن موقفها الجديد ، والصائب ، بعدم دعم أي قوى سياسية في الانتخابات القادمة ، إضافة لعدم استقبال السيد علي السيستاني لأي شخص من الحكومة أو من الكيانات السياسية طيلة فترة الإعداد للانتخابات ، إلا أن بعض القوى الطائفية ، التي لا زالت تلجأ لاستثارة العواطف الدينية والطائفية ، بدلا من تقديم برنامج وطني وسياسي يحسن من وضع الجماهير الأمني والمعاشي والاجتماعي ، تلهث خلف فوز من جديد في الانتخابات لهذه القوى ، بغض النظر عن كامل الفشل الذي حققته في هذه المجالات كافة ، فما يطالب به الشيخ محمد الحيدري ، من المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية ، عندما يخاطب الجماهير الشيعية بعدم الاهتمام بمعاناتهم اليومية ويرى ' أن الواجب الشرعي يحتم عليكم ـ على الجماهير التي لا تملك شروى نقير ـ أن تصوتوا لصالح الخط الذي رسمته المرجعية الدينية ' والشيخ الحيدري يتجاهل ، بل ُيزور عن عمد رأي المرجعيات بما يقوله عن الخط الذي رسمته المرجعية ، بما فيها رأي مرجعية السيد السيستاني ، ويطلب من الذين أضناهم الجوع والعطش ، وفقدوا الأمن أن لا يقولوا ' ماذا فعلت لنا هذه الحكومة لكي نعيد انتخابها ..؟ ' وعندما لا يجد الشيخ الحيدري مطلبا واحدا ، حققته حكومة الجعفري ، لما يبرر إعادة انتخابها مجددا ، يلجأ إلى التضليل الطائفي ' التمسك بالواجب الشرعي ..' ولا ندري هل الواجب الشرعي يقر الموت للمرء جوعا ، واستبدال أمنه خوفا ، من أجل أن تبقى راية الطائفية عالية ، والإمام علي ، الذي ُينظِِر بعضهم باسمه قال ' لو كان الجوع شخصا لقتلته ..' فهل سيقاتل الحيدري الجوع أم الجماهير الجائعة ؟
 . رحماك ، أبو فرات ، وأنت الجواهري ، المبدع القائل في رائعتك ' تنويمة الجياع '
نامي على تلك العظات الغر من ذاك الإمام
وتعوضي عن كل ذلك بالسجود وبالقيام
خيبة أمل هذه المرجعيات بهذه الحكومة ، هي جزء من خيبات أمل الشعب العراقي الكثيرة ، التي تمارسها وزارات ومؤسسات دولة الائتلاف ، فبدلا من إصلاح الفساد المتوارث ، والابتعاد عن ممارسات ما ارتكبه الحكم الفاشي من جرائم ، نجد المساهمين في حكومتنا ، وفي دوائر الدولة المختلفة ، ميليشيات طائفية ، تمارس الكثير من الجرائم والمظالم بحق الشعب ، بعلم من الحكومة أو دون علمها ، إلا أن ما يعلمه الشعب هو غيض من فيض ، وما يرتكب من جرائم في الخفاء ، حيث تواترت أنباء حكومية وغير حكومية ، عن العثور ' على سجناء في زنزانة تحت الأرض بالقرب من مجمع وزارة الداخلية في منطقة الجادرية ، وبدا على الكثيرين منهم سوء التغذية وآثار ضرب ، وقال رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري انه ُأبلغ بان كان هناك 173 محتجزا في سجن لوزارة الداخلية ، وبدا عليهم سوء التغذية وإن هناك بعض الحديث عن تعرضهم لنوع من التعذيب ..وقال نائب وزير الداخلية ، حسين كمال ، رأيت آثار انتهاكات جسدية عن طريق الضرب الوحشي ، كان هناك معتقل أو اثنان مصابان بالشلل ، إن هذا أمر غير مقبول ، وإن الوزير والجميع في العراق يدينونه ..' هذا ما قاله رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري ، وما تحدث به أيضا نائب وزير الداخلية .. هذه جريمة كبرى مرتكبة في ظل حكومة الائتلاف ، توازي في سريتها وكتمانها عن الشعب ما كان يرتكبه النظام الفاشي ، في زنازينه ومعتقلاته ، فهل استبدلنا فاشية بفاشية أخرى أدهى وأمر ؟ إن كانت جرائم البعث ترتكب باسم القومية والعنصرية ، فهل هذه الجرائم ترتكب بواجهة الحكم الديموقراطي ، أم باسم الدين والطائفة ؟
المكان المرتكبة فيه هذه الجريمة ، يعود في الوقت الحاضر لوزارة الداخلية ، وهو مكان قريب من مقر تشغله قوات بدر ، إن لم يكن هو المكان نفسه ، والرجال القائمون به هم من هذه القوات ، فهل من المعقول أن يكون فيه هذا العدد من السجناء ، من دون أن يصل مسامع السيد وزير الداخلية ، السيد باقر صولاغ ؟ وإذا كانت مثل هذه الجريمة وبهذه السعة لم تبلغ علم السيد رئيس الوزراء ، فكيف ستبلغه هو والسيد وزير الداخلية ' عمليات صغيرة ' كالاغتيالات المنفذة بحق المعارضين في الكثير من المدن والمواقع العراقية ؟ إن فضيحة كبيرة كهذه تلحق بحكومة الجعفري ، تستحق منه تضحية ، لأن يثبت مصداقية نزاهته ، ونزاهة حزبه ، أن يضع في الحال استقالة حكومته بين يدي رئيس الجمهورية . فهل من الديموقراطية والشفافية أن تبقى الحكومة تمارس عملها وسط هذه الفضيحة .؟ وإذا كان سيستمر ، فما هي إجراءات السيد رئيس الوزراء ضد وزير الداخلية وضد الذين صنع وهذه الجريمة ؟ هل سيجري تحقيق في الموضوع لمعرفة الانتماءات السياسية والمذهبية لهؤلاء الضحايا ؟ وهل سيعلن السيد رئيس الوزراء نتيجة التحقيق عملا بمبدأ الشفافية ، التي كثيرا ما يرددها في لقاءاته الصحفية ؟ جريمة يجب عدم السكوت عنها ، وهذا ما يستوجب أن تحقق فيها الجمعية الوطنية أيضا ، لمعرفة الفاعلين ومن هم وراء هذه الجريمة ، على الرغم من أن الآمرين والمنفذين للجريمة ، هم من يشغل مقاعد في هذه الجمعية . .!!
على ما يبدو أن الجرائم المرتكبة بحق العراقيين كثيرة ، وهذا من سوء حظ حكومة الائتلاف ، ففي تقرير للأمم المتحدة بعنوان < وضع حقوق الإنسان في العراق للفترة من الأول من سبتمبر ، أيلول ، لغاية 31 أكتوبر ، تشرين أول ، الماضي > يقول التقرير :ـ
' الهجمات الإرهابية وعمليات الاغتيال المستهدف وحالات الإعدام التي تمت خارج نطاق القانون ، أدت إلى قتل وجرح مئات المدنيين ..العمليات الأمنية الكبيرة التي تشنها القوات الخاصة والشرطة العراقية ما زالت تتجاهل التعليمات التي أعلنها وزير الداخلية ..' . لا شك أن الكثير من الجرائم ترتكب في الوقت الحاضر ، ورغم افتضاح أمرها للملأ ، إلا أن الحكومة بالذات ، وخصوصا وزارة الداخلية تجري تعتيما على هذه الجرائم ، وتسجلها الدوائر القضائية والأمنية ضد مجهولين ، إلا أن الحقيقة هي غير ذلك ، فالقتلة هم معروفون ومشخصون ووزارة الداخلية ، بشخص وزيرها ، تغض النظر عنهم ، والضحايا هم أيضا ، ليسوا مجهولي الهوية أو غير معروف انتماءهم الفكري والسياسي أو الطائفي ، فميليشيات الأحزاب الطائفية التي استوعبتها وزارة الداخلية لممارسة جرائمها علنا ، تعرف هويات الضحايا ، وهي تنفذ مخططا طائفي تمت الموافقة عليه ، لقتل واغتيال وتهجير كل عنصر معارض لتوجهات الأحزاب والحكومة الطائفية ، وكل عنصر عراقي مناهض للتواجد الإيراني تحت أية واجهة كان ، هو مستهدف ومشروع قتله ، من وجهة نظر الحكم . وإنكار الحكومة للقيام بمثل هذه الجرائم ، لا يبرؤها بالمطلق ، فليست هناك قدرة لأي تنظيم حزبي أو طائفي لأن يمارس عمله الإجرامي ، بهذه الإمكانيات ، وليس عنده البأس والقدرة على تجاهل سلطة الدولة ، وفي وضح النهار ، دون غطاء من مؤسسة في الدولة أو الحكومة ، وهذا ما يشير إليه تقرير الأمم المتحدة الآنف الذكر ، حيث يقول ' إنتشار المليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية والإجرامية التي تعمل في مأمن من العقوبة يشكل ، تحديا رئيسيا للقانون والنظام وتهديدا لأمن المواطنين ... إن بعض هذه الجرائم قد اُرتكبت من قبل أشخاص يرتدون زي الشرطة والجيش ويستخدمون المعدات والأجهزة الخاصة بهما ، والعنف الطائفي ، في بعض المناطق ومن ضمنها بغداد ، يهدف إلى زعزعة التعايش السلمي الذي كان وإلى وقت قريب السمة المميزة للعلاقة السائدة بين مكونات المجتمع ..' فالعنف قد شخصه هذا التقرير من أن ممارسيه يعملون في جو من الحرية والأمان من العقوبة ، وَمنْ يعمل في مثل هذه الأجواء غير التشكيلات الحكومية، والمليشيات الطائفية التي أسبغت عليها الحكومة الصبغة الرسمية ..؟ النتيجة المنطقية ، لتردي الأوضاع الأمنية ، هو الإرهاب الموجه ضد القوى المناهضة والمعارضة للتوجهات الطائفية ، وفرض حالة أمنية غير مسيطر عليها ، وقت إجراء الانتخابات تكون نتائجها لغير صالح القوى الوطنية والديموقراطية ، وهذا ما ألمح إليه الناطق باسم الحكومة ، ليث كبه ، عندما قال ' إن الانتخابات القادمة ستكون هي مفترق الطريق الحقيقي ' فماذا سيحصل إن لم يحقق الائتلاف فوزا في الانتخابات القادمة ؟ هل سيتوجه العراق الجنوبي نحو إيران ؟ علينا متابعة بعض ما نشرته جريدة الرأي العام عن اجتماع مغلق عقده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي مع قادة فيلق القدس المعروف بنشاطه في الأراضي العراقية ' .تفيد التقارير التي اطلع عليها مراسل ـ الرأي العام ـ بأن السياسة الإيرانية في العراق تعمل بخطين متوازيين أحدهما ميداني والآخر سياسي ، وأوضحت أن الخطين يخدمان بعضهما البعض وصولا إلى تعزيز النفوذ الإيراني في العراق  . وجرى خلال الاجتماع تحديد النشاط للفيلق بمواصلة زعزعة الأمن والسعي لإجبار قوات التحالف على الانسحاب من المدن عبر تنفيذ هجمات إرهابية ، وقال مسؤول في < فيلق القدس > خلال الاجتماع ، إن زمام المبادرة في يد فيلق القدس والجماعات المحلية العراقية التابعة له ، ومن بين الأهداف المحددة ، لفيلق القدس ، تحريض أهالي الجنوب عبر حملات دعائية تقوم بها المجموعات التابعة لإيران على طرد الأمريكيين من العراق في أسرع وقت ممكن ، على اعتبار أن الشعب العراقي لا يستطيع أن يتحمل بقاء الأمريكان في العراق طويلا ..' وهذا ما قد حصل فعلا في مناطق مختلفة ، بين قوات التحالف وبعض الجماعات المسلحة التابعة لميلشيات الأحزاب في المنطقة الجنوبية ، فما تمارسه الحكومة الإيرانية ليس بخاف على القوى الوطنية  العراقية ، وعموم الشعب العراقي ، ويجري بالضد من مصلحة كل العراقيين ، على الرغم من إنكار قوى الائتلاف لهذا الدور التخريبي .
 إن ما تمارسه الحكومة الجعفرية ، عن طريق دوائرها الرسمية ، ومليشياتها في وزارة الداخلية والدوائر الأمنية الأخرى ، والمتواجدة على عموم المنطقة الوسطى والجنوبية ، وبالتعاون والتماهي مع ما تقوم به السلطات المحلية في تلك المناطق ، لا يخدم مسيرة الائتلاف بكل رموزه ، والقوى الداعمة له والمنضوية تحته ، كما هو افتعال لخلق أجواء غير مستقرة في العراق ، عشية انعقاد مؤتمر للوفاق العراقي في القاهرة ، وهذه الأجواء تساعد على نشاطات تخريبية إيرانية ، ضد المصالح العراقية بشكل خاص ، ونتائجها سلبيةعلى عموم المنطقة بشكل عام ، وربما هذا الوضع قد استشعرته المرجعيات الدينية في كربلاء والنجف ، وأدركت خطورته عندما أقدمت على سحب غطائها من دعم لهذه القوى في الانتخابات القادمة . فهل يدرك الائتلاف وعقلاؤه مسؤولية ما ينتظر العراق جراء سياساتهم الغير وطنية ؟

هادي فريد التكريتي
16 تشرين ثاني 2005
hadifarid@maktoob.com