لنترك للعراقي أن يحكم على الحكومة ولنقبل سنن المداولة


في مقالة سابقة أنتهيت بسؤال ، "ماذا يفعل الناخب أن وجد اصحاب الصفات النفسية والمواقف العملية المتباينة في قائمة واحدة ؟ " .
ربما يطرح من قبل الكثيرين وخاصة الشيعة العراقيون ، ولكي لا أجعل كل الشيعة في مركب واحد ، أوسيفنة نجاة واحدة ، لأني أعلم أن البعض ذو ميول أخرى ، بعيدة عن ما يحلو للبعض أن يطلق عليهم مصطلح " الأسلام السياسي " ، رغم قربي الكبير من الكثير من الأحزاب الأسلامية ، نتيجة ثقافتي الشيعية ، الا انني أود ان أذكر الآخرين بأن برامج الأئتلافات الشيعية المختلفة لا يختلف عن برامج الآخرين الأنتخابية ، فعند الكل تجد عبارات تتكرر مثل الرفاه الأقتصادي، الأمن ، الصحة ، التعليم ومكافحة الفساد بكل أنواعه ، الحفاظ على الوحدة الوطنية وغيرها .
لكن التفاصيل ، كيفية تفعيل هذه البرامج ، مدى صدق وعمق أيمان المتبنين لها ، في ما يخص نقلها الى الواقع الملموس ، والزمن اللازم لذلك ، فهو بعد يختزن قيمة كما أشرنا له سابقا . ليس المهم أن أقول أنني سأخدم المحرومين ،انصف المظلومين وأعيد الأملاك والأموال المغتصبة ، بل علينا أن ندرس سلوك المتصدين ، وماضي المتصدين ، على صعيد الموقف والفعل . لنصل الى مايمكن أن يلامس حالة الأطمئنان عند الناخب الحيران في هذا الوقت .

طبعا هناك قوائم أسلامية شيعية متعددة ، قد نزلت هذه الأنتخابات . هناك أعداد كبيرة من الأعضاء في كل قائمة من هذه القوائم ، وعندما أقول أسلامية شيعية ، لا استثني بأي حال من الأحوال غير المنتمين الى الأحزاب والتنظيمات الشيعية .
بل تشمل كل شيعي يعي خطورة المرحلة وتاريخيتها ، وحجم التحدييات التي أشرنا لها في سلاسل لمقالات سابقة ، وهنا أريد أن أشير الى المنتمين للتشيع أجتماعيا أيضا ، بأستثناء البعثيين القدماء والجدد ذوي القوائم الأنتخابية المعروفة .

علينا أن نبحث على القوائم الأكثر عملا على الصعيد الأجتماعي ، ضمن حجم امكانياتها السابقة والحالية . كي نتجاوز العناوين التي ربما تكون بعضها كبيرة ، مع بقائها في الأطار العنواني الحزبي ، الذي هو رهن الأوراق الرسمية ، أكثر بعدا من ملكة الأبتكار والمبادرة ، وأدنى قربا من ثقافة الكتائب الأدارية والبيروقراطية . ثم على الناخب النبيه وهذه صفة العراقيين أن شاء اللة ، ان يميز بين القوائم الأنتخابية فيما يتعلق بالهوامش المتاحة للمتنافسين ، كي يظهروا ، بكامل المساواة كل ما يمتلكونه ، وما تتوفر عليه قوائمهم المختلفة . وان يمعن ناخبنا العراقي المحترم بشكل عام والشيعي المظلوم لحد هذه اللحظة خاصة ، جيدا الى زمن ما بعد فوز قائمته المختارة ، ليتأمل قليلا ، ويطرح على نفسه السؤال المصيري . هل سيفي الفائزون بما طرحوه من وعود أنتخابية؟ وهل سيضمن مجلس النواب المنتخب تفعيل هذه البرامج والوعود . للناخب تجربة أنتخابية لم تتعدى عمرها سنة واحدة . هي ليست بالطويلة بمقاييس نمو ونهوض المجتمعات .
في الوقت ذاته هي ليست قصيرة فيما يلزم المواطن كي يشخص سلوك من أنتخبهم سابقا ، وما قدموه فردا فردا الى العراقي البسيط الذي كان يرجو من البعض ان يكونوا بمستوى أفضل على الصعيد السياسي والخدمي ومكافحة الأرهاب وتوأمه الفساد وغيرها من الملفات .

لقد تعلم العراقي ، خلال الفترة التي تلت سقوط الطاغية الكثير ، وأستطاع ان يحرق المراحل التي قطعتها الأمم المتقدمة أقتصاديا وتقنيا . تعلم كشف فنون التسويف ، السياسة المطبوخة ، من قبل بعض الذي يجيد ثفافة المعارضة وربما الوعظ دون الخروج منها الى أفق الأدارة المؤسساتية ، ليرسم سياسات عامة أقتصادية وأجتماعية تضمن بأقصى قدر ممكن زيادة فرص التوظف ، وفرص حصول الأنسان على الوظائف تبعا للمؤهلات والأمكانيات والخبرات التي يتوفر عليها ، دون الوساطة الحزبية والفئوية " وهي من مصاديق الفساد الأداري" التي تدمر النظام العام وتهدر مبدأ تكافؤ الفرص ، ومبدأ حكم القانون .

اني هنا لا أقوم بدور تسقيطي أبدا لأننا كلنا في سفينه واحدة ، أتيحت لنا فرصة تاريخية ، يجب عدم التفريط بها أبدا ، وأن كان الثمن تشخيص وابعاد من كان غير كفؤا وان أنتمى الى دائرة مظلومية الأغلبية المستضعفة ، وكان ورعا متعبدا ، وان كانت هذه الصغة لا تحبس " بضم التاء" على سلوك الفرد المتصدي في أرفع المناصب . بل تمتد لأختيارات أشخاصه ، ومساعديه ودائرته الضيقة ، واستغلال منصبه وأمكانيات الدولة ، خدمة لحزبه أو رفاقه المختارين من قبله لعوامل ربما لاتكون الكفاءة في مقدمتها . نحن بصدد قيادة دولة أو حكومة أو أدارة وزارة ، لا مؤسسات خيرية ضيقة كما هي حال الكثير من العراقيين في دول المهجر البعيدة . فالناجح في الأخيرة ، ليس من الضرورة أن ينجح في الأولى .

لقد توفر الناخب العراقي على أمكانيات تحميه من ثقافة تسويق الضحك على الذقون ، بخلق عناوين الأحجام الكبيرة الوهمية ، ذات المحتويات الكتلية غير الثقيلة بأنجازاتها ، وربما بحجم واقعها الحقيقي ، الذي أريد تضخيمه من قبل بعض المطبلين من ذوي الثقافة الحزبية الضيقة ، التي لم تسع حتى رفاق دربهم ، ليتشظوا الى عناوين مختلفة ، ومتنافسة مع بعضها ، تارة في العلن وكثيرا في الخفاء . كيف لشخص كهذا أن ينفتح على كل الواقع العراقي ، رغم فشله في لم شمل رفاقه القدماء؟ .

الناخب العراقي سيترك ثقافة الأبيض والأسود ، لينتقل الى ثقافة النقد والتحليل والتمحيص وسنن المدافعة وسنن المداولة . وهي التي نحتاج الى التربي على ممارستها كي نتكامل لنصل الى المجتمع الرسالي الذي نطمح له .

السؤال ماهي مقاييس الواجبة أخذها في نظر الأعتبار من قبل الناخب لأختيار الأئتلاف المرشح؟
ذلك يكمن في نقاط عديدة .

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com

المصدر: صوت العراق، 16/11/2005