بين كوردستان والكويت وخواطر لا تنسى


يبدو ان العلاقة بين الكويت وكوردستان قديمة، حيث هاجرت إليها عوائل كوردية منذ الستينات وسكنت هناك واستقرت وعايشت أهل الكويت على الحب والمودة، ولكن الاكثرية كانت تزور أهلها بين الفينة والفينة، وعدد منها كان يشتغل في التجارة في كلا الجانبين. كان عندنا في هـه ولير ( أربيل ) عاصمة كوردستان رجل إسمه حجي علي الكويتي، كان صاحب معمل في الكويت، وفي الصيف كان يعود إلى هـه ولير ليشرف على أعماله في المكوى البخاري.. والكويتيون كانوا يسمونه عندهم بحجي علي الكوردي.. وبعد غزو الكويت من قبل صاحبنا المسجون الذي أخذه الله بعذاب بئيس وجمعه بشلته في زنازين الدنيا قبل الآخرة وجعلها لهم ( بئس مثوى الظالمين )، إلتقينا بعدد كبير من الكوردستانيين الكويتيين في البلدان الاسكندنافية حيث حصلوا على اللجوء، وكانوا مازالوا محتفظين باللغة الكوردية.

في ديسمبر عام 1988 وبعد قصف مدينة حلبجة الكوردية بالاسلحة الكيمياوية المحرمة واقتراف جريمة الانفالات والابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الكورد الفيليين والآخرين وتدمير القرى وطرد الكورد من كركوك وأخواتها، دعتني رابطة الشباب العربي المسلم في امريكا وعن طريق المعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن وشخص الدكتور جمال البرزنجي مسؤول المعهد آنذاك والذي زارني في السويد بعدة اسابيع قبيل إنعقاده، لإلقاء محاضرة عن القضية الكوردية في مؤتمرها في مدينة اوكلاهوما الأمريكية.. هذا وقد حضر المؤتمر كورد آخرون أيضا منهم الدكتور صلاح. وقد أعجبني هناك دور المحاضر الجزائري الاستاذ الراحل محفوظ النحناح رئيس حزب المجتمع المسلم لاحقا والذي صعدت إلى شفته آلام مهجته وفي يده صور ضحايا حلبجة التي كانت تفتت أكباد الحاضرين وكان يصيح بملء فمه على رؤوس الملأ : يا ناس ! ماذا فعل هؤلاء من جريمة حتى يفعل بهم صدام هذه الجريمة الحمقاء ؟!.. وكان صدام آنذاك في أوج عظمته وشعبيته وقد تحول تماما إلى صنم كاد يَسجد له من في أرض العرب إلى أن ( يقول الإنسان يومَئذٍ أين المفر )!

وبعد إنتهاء المؤتمر عدت الى واشنطن ضيفا على المعهد العالمي للفكر الاسلامي، وقد كُلِفت من بعض مسؤولي مسجد جامعة جورج واشنطن لالقاء خطبة الجمعة.. تناولت فيها مظالم صدام وما إقترفها في كوردستان من جرائم. وبعد إنتهاء الصلاة جمعت حولي مجموعة من الطلبة الخليجيين الجامعيين، وعاتبوني بتجاوز الحد والمبالغة في الهجوم على النظام العراقي لكونه المدافع عن شرق الامة العربية من تجاوزات ومخاطر الفرس المجوس!

ودارت الأيام وغرّت الطاغية الاماني ولا بدّ مما ليس منه بدُّ واحتل جيش أصحاب الفيل الكويت، وتفرق الشعب الكويتي شذر مذر بين عشية وضحاها على يد من استبد وتجبّر وتكبّر.. وفي شهر نوفمبر من عام 1990 دعاني الاتحادان الوطنيان الكويتي والاماراتي وعن طريق الدكتور أحمد التوتونجي الهوليري عضو المعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن لتقديم محاضرة عن المجازر التي حصلت للكورد على يد النظام العراقي، وكان الدكتور مظفر برتوما من شرق كوردستان مدعوا أيضا. وفي الحقيقة صارت القضيتان الكويتية والكوردستانية توأمين هناك في الشارقة.. الكثير من الكتاب والمحاضرين سواء من الكويتيين أو غيرهم أشاروا إلى قضية شعب كوردستان، وعلى الخصوص الشيخ حامد الباكستاني والاستاذ الكاتب مصطفى طحان ـ امدّ الله من عمره وبركاته ـ الذي طالما عاش مع محنة الكورد وشجع شباب كوردستان في الخارج من أجل الدفاع عن قضيتهم، لا بل كان يعاتبهم ويتهمهم بالقعود.

هذا وقد خرج المؤتمر ببيان ساند فيه الكورد وتعاطف مع محنة شعب كوردستان أيضا. ويمكن القول بأن الشعبين الكوردستاني والكويتي اصبحا يتعانقان هناك.. ومن المفارقات التي صارت طريفة بعدئذ انه وخلال المؤتمر جاءني احد الشباب الكويتيين وقال لي بالحرف الواحد : هل تذكرني يا أخي حينما عاتبتك بعد خطبة الجمعة في واشنطن عام 1988 لانك هاجمت النظام العراقي، والآن حصل لنا ما حصل لكم ؟!.. وقد علمت من بعد بأن ذلك الاخ تسنم وكالة إحدى الوزارات بعد التحرير، وفرحت.

هذا وقد تخلل المؤتمر تقديم قصائد وخواطر جياشة وجميلة.. منها قصيدة قدمت من بنت صغيرة واسمها نجلاء لم يتجاوز عمرها آنئذ عشر سنوات، وكانت رقيقة وفياضة أبكت الكثير وزلزلت العديد، وكنت أنا واحدا منهم. وأثناء إلقاءها أصبحت المشاعر عندي واحدة: كويتية كوردستانية أو كوردستانية كويتية، فتمخضت عنها هذه الاحاسيس السريعة التي كتبتها ووزعتها في الحال وتلقفتها الايدي والقلوب والابصار وطلب مني التوقيع عليها في الحال للذكرى التي تنفع المؤمنين، وكانت:

يا إبْنَتي يا نجلاء !
لا تبكي ولا تحزني
ما أنتِ ضيعتِ الكويت
ولا أنا ضيعتُ وطني

دعي الطواغيتَ
يفعلوا ما يشاؤونَ
فنحن أبناءُ محمد
وهم أبناءُ الوثنِ

ستعود حلبجةُ زاهرة
وتعود الكويتُ أقوى من المِحَنِ
وستزورينَ عمّكِ في كوردستان
وتغنين مع إبنتي أحلى اللََحَنِ

أجل.. تلكم الخواطر كانت غيضا من فيض المحطات التي توقفنا خلالها نحن الكوردستانيين والكويتيين معا في أيام المحنة والآهات وبتنا سوية ندعو جهارا : لا إله سوى الذي صنع الوجود و قدرالأقدارَ، للخروج من ذلك الجحيم الذي أوقعَنا فيه ذلك الوحش الكاسر.! وقد تحررشعب الكويت في نهاية تلك المحطات وأفرغ الله صبراً على الكورد وصاروا لأكثر من عقد بمنأى عن التعرض لهادم اللذات من غازات الطاغية السامات، ولازالوا أقرب إلى الاستقلال منه إلى الإلحاق.

فهل تتحرر كوردستان إلى الابد كما تحررت الكويت وتزورنا بنتنا نجلاء ـ لعلها مع زوجها وقد كبرت ـ لتنشد مع إبنتي ـ التي كبرت أيضا وتزوجت ـ النشيدين الوطنيين الرائعين ( الكويتي والكوردستاني ) في برلمان كوردستان في هه ولير ( أربيل ) العاصمة ويتحقق بذلك أيضا أمل الكورد شقيق الشعب الكويتي في تلك الايام الحالكات ؟

عسى أن يكون ذلك اليوم قريبا!
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني
mohsinjwamir@hotmail.com
15/11/2005