هل فضح التدخل الإيراني هو "إيران فوبيا"؟!


نعرف أن هناك مرضا اسمه "الفوبيا"، ويعني الرهاب، أو الهلع من شيء أو من شخص أو جهة ما؛ هلع ممزوج بالكراهية. هناك مثلا ما سماه مفكر فرنسي معروف ب"هوس العداء لأمريكا" وهو يقارب تعبير الفوبيا. وهناك خاصة فوبيا بوش كرئيس وشخص! انظروا للرئيس الفنزويلي السيد شافيز! إنه يقوم ويقعد، ويعطس ويسعل، وهو يشتم بوش. قاد مؤخرا مظاهرات تهتف "بوش وحده إرهابي"! مبرئا بذلك بن لادن والزرقاوي وقوى صدام ونظامه المنهار. ويشاركه في هذا المرض اليسار الأوروبي ورئيس زامبيا، الذي قاد قبل سنوات مظاهرات الغوغاء للاعتداء على ممتلكات وحياة من بقوا من البيض هناك. شافيز يريد لعب دور كاسترو جديد، ولكن، مهما كانت التحفظات على كاسترو والنظام الكوبي، فإنه على الأقل ناضل طويلا وقاد ثورة وضحى على رأس شعب. فماذا يقدم شافيز غير كلمات الكراهية حتى صار تكرار شتائمه يثير الملل أيضا لا الاستغراب فقط.
وثمة أنماط أخرى من الفوبيا والهوس العدائي حتى أن صديقا قال لي ذات يوم مازحا:" ألا تقر بأن هناك "عزيز فوبيا" لدى بعض المثقفين العراقيين!!" فضحكنا معا.
إن ما يجرني للحديث عن الفوبيات هو آخر تقليعة لبعض المثقفين العراقيين حين يصفون في مقالاتهم فضح التدخل الإيراني الواسع النطاق في العراق ب"فوبيا إيران"!! وتفضل أحدهم فأنعم على شخصي بوصف أحد المصابين بهذا الوباء الجديد.
إن فضح وإدانة التدخل الإيراني قد كتب عنهما العشرات من العراقيين والعرب والأجانب، ومثقفون ورجال مخابرات إيرانيون سابقون، مستشهدين بالبينات والأرقام. وتبين أن فريقا من كوادر القاعدة تسللت للعراق من الحدود الإيرانية، وكان آخر وقائع التدخل فضح تسلل المعدات العسكرية المتقدمة التي ترد من إيران لبعض الميليشيات في الجنوب وتوهب أيضا للصداميين والزرقاويين لقتل الجنود الأمريكان. ويظهر أن نصف الضحايا من هؤلاء الجنود قتلوا بمعدات تساعد على صنع قنابل ومتفجرات شديدة في القوة وسعة التدمير.
فلنترك جميع هذه المقالات والتقارير "المغرضة" والمصابة بالفوبيا الإيرانية، ولنستشهد بما كشفه محافظ البصرة، وهو من تنظيم الفضيلة، والسلطات المحلية من علاقة إيران بالمنظمة الشيعية الإرهابية التي تدعى "ثأر الله". وبرغم أن "ثأر الله" ليس التنظيم الوحيد المرتبط بالحرس الثوري، ورغم أن المنافسات الانتخابية عجلت بكشف هذا الجزء من وقائع التدخل الإيراني، فإن ما أدلي به من تصريحات وما تم من مداهمات واعتقال، وفضح كون مجموعة "ثأر الله" كانت تقوم بعمليات اغتيال في البصرة بتعليمات من النظام الإيراني، هو من باب "وشهد شاهد من أهلها. "
إن من المؤسف أن هناك أحزابا عراقية تعتقد أن لإيران فضلا كبيرا عليها يبيح ذلك لها التغاضي عن التدخل الإيراني بل وإنكاره أصلا. وهناك ساسة يعتبرون استشارة المسؤولين الإيرانيين في القضايا العراقية مستلزما وطنيا!
إن مبتكري اصطلاح " إيران فوبيا" يقولون إن هذه المقالات المتكررة عن التدخل الإيراني هي بمثابة إنكار لدور الحضارة الفارسية العريقة والطعن بالقومية الفارسية. وهذا في رأيي منطق عجيب. فمنذ متى كان نقد نظام ما هو إدانة للشعب والحضارة في البلد المعين؟! هل كانت إدانة نظام صدام من جانب فريق من الكتاب اللبراليين العرب تشكل إساءة لحضارات سومر وأكد وبابل وآشور؟؟
لقد كتبت في مقال سابق لي، ردا على من زعموا أن الأكراد الفيلية ينتمون للقومية الفارسية، أن هذا زعم باطل لأن الفيلية أكراد وجزء من الأمة الكردية المجزأة. وقد أكدت في المقال أن رد هذا الزعم ليس إنكارا أبدا لدور الحضارة الفارسية العريقة، والتي تعلم منها العرب المسلمون الكثير وفي مجالات مختلفة، من علم وفكر وأدب. إن العشرات من الشخصيات العلمية والفلسفية التي كانت تنشر بالعربية في العهد العباسي كنوا من أصول أجنبية فارسية أو تركية وغيرها. وفي العهد العباسي نرى شعراء وكتابا كبارا من أصول فارسية. كما قدمت إيران للعالم عشرات من خيرة الشعراء أمثال سعدي وحافظ وعمر الخيام، الذي قرأت جميع ترجمات شعره للعربية. وبين الفرس وإيران من جهة والعراقيين والعراق علاقات تاريخية ودينية، وإن من الضروري قيام أفضل العلاقات بين البلدين. إن الذي يسيء لهذه العلاقات هو النظام الإيراني الراهن ومن قبله نظام الشاه. ونعرف العلاقات الوثيقة بين النظام البعثي المنهار وبين النظام الإيراني في ميدان النفط خاصة طوال التسعينات، وبرغم مآسي حرب السنوات الثماني. ومنذ سقوط ذلك النظام عمل النظامان الإيراني والسوري المتحالفان كل ما يستطيعان لعرقلة بناء الديمقراطية العراقية وتدمير الاستقرار، معتبرين أن الورقة العراقية سلاح مفضل في مواجهة الضغوط الأمريكية وضغوط المجتمع الدولي. وكل التقارير الميدانية من البصرة تؤكد مدى تحول تلك المدينة العزيزة لمحمية إيرانية وحتى لغويا وثقافيا.
إن فضح الدور الإيراني واجب وطني بل هو يخدم قيام علاقات أفضل مستقبل بين الشعبين والبلدين. ولا علاقة لذلك لأية "فوبيا" موهومة، لمن قد يرددونها عن حسن نية دون علم بأن هذا الموقف لا يخدم الشعب العراقي وقضية الاستقرار والديمقراطية في العراق.
إن هناك تاريخيا صفحات سودا في علاقات البلدين، منها الغزو الصفوي المتكرر من الجانب الإيراني، وحرب صدام في الثمانينات. فلا إدانة تلك الحرب ولا إدانة الغزوات الصفوية يمكن اعتبارهما تحاملا على الشعب العراقي أو الشعب الإيراني. وإيران لم يظهر فيها النظام الثيوقراطي الحالي وحسب، بل وقدم لنا وللعالم صفحات ثقافية وفكرية تنويرية، وتجارب سياسية أثرت على الحركة الوطنية العراقية كتجربة مصدق. ونسأل أخيرا عن مدى وفاء النظام الإسلامي الإيراني نفسه للتراث الفارسي العريق، أدبا وفكرا؟ هل يدرّسون الخيام مثلا؟ كما نسأل أيضا، أين صار مفكرون إسلاميون وعلماء دين إيرانيون، من أمثال منتظري، وشريعة مداري، وعلي شريعتي؟؟!!

عزيز الحاج
7 نوفمبر 2005