هل من ضرورة لتحالفات وطنية ..؟!
(القسم الاول)
عندما توجهت الملايين من أبناء الشعب العراقي ، في الانتخابات الأولى للإدلاء بأصواتها لم يكن يدور في خلد المواطن ، أيا كان ، سوى هدف واحد ، وهو أن يصوت ب ' لا ' للنظام الفاشي الساقط
، و' نعم ' للعراق الجديد ، بغض النظر ، عمن سيحقق الفوز ، أو كيف ستكون تركيبة الحكومة الجديدة وتوجهاتها ، وما هو البرنامج الذي ستنفذه ؟ من منطلق أن الفترة ، هي فترة انتقالية وتحتاج إلى
اتفاق وطني ، إن لم يكن إجماعا وطنيا ، تتفق عليها وحولها القوى السياسية العراقية ، خصوصا وأن المهام التي تعترضها ، تؤسس لمرحلة بناء جديد لمؤسسات الدولة ، لا يمكن أن تنفرد بها جهة
سياسية ما ، مهما كان حجمها ومهما كانت قدرتها على تخطي الصعاب ، إن لم يكن ، من البدء ، تنفيذ خطوات رصينة يساهم فيها الجميع ، فلن تكون الخطوات اللاحقة تساعد على استقرار البلد ،
وتوطيد الأمن فيه ، ومعالجة ما يعانيه المواطنون من احتياجاتهم المعاشية ، فتشريع مسودة الدستور ، والاستفتاء عليها ، ضمن ما هو مثبت في قانون إدارة الدولة ، يشكل حجر الزاوية في ضمان
الأمن والاستقرار للبلد ، بكل مكوناته القومية والدينية والطائفية . هذه المهام لا !
يمكن تحقيقها ، دون أن يكون هناك اتفاق وطني بين مكونات قوى الشعب كافة ، وهذا ما كان يتحسسه ، على الأقل ، هاجس القوى الوطنية والديموقراطية وتشخيصها للصعوبات التي يمر بها الشعب
العراقي في هذه المرحلة .
بعد انتخابات كانون ثاني 2005 ، كان من المتوقع ، أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية ، من كل القوى السياسية العراقية الفاعلة في المجتمع العراقي ، بغض النظر عن موقعها في الجمعية الوطنية ،
لوضع حجر الأساس لاستقرار البلد ، وتحقيق حالة سلم وطني دائم بين مكونات الشعب العراقي ، وإيجاد حلول سريعة للمهام العاجلة ، والمشاكل الآنية ، التي يعاني منها الغالبية العظمى من مكونات
الشعب العراقي قبل وبعد سقوط النظام . فتواجد قوات الاحتلال على الأرض العراقية ، أحدثت خرابا ودمارا مدمرين للشعب وللوطن ، وقد أورثت هذا الخراب والدمار للحكومات العراقية المتعاقبة ،
وإصلاحه هو فوق قدرة أي حكومة لوحدها ، في الظرف الراهن ، ضمن الواقع المضطرب . فإعادة بناء ما تخرب بفعل الحرب والإرهاب ، وعدم تعويض المتضررين من السكان ، راكم المشاكل
وعقدها أمام أي حكومة قادمة . فما عاناه ، ويعانيه ، الشعب والوطن من هموم ومشاكل كثيرة ، حلها يطول إن لم يستعص على حكومة بكامل الدعم المالي والاقتصادي من مجموع شعبها ، فكيف
الحال والوضع كما هو معلوم ومعروف حاليا ، إرهاب متعدد الأشكال والطوائف ، ومليشيات تستبيح كل المحرمات ، وخزينة الدولة يجري نهب مدخولاتها وتقاسمها ، على الرغم من الشكوى في قلة
مواردها المالية ، وإدارة مؤسسات وأجهزة حكم فاسدة ومرتشية ، يطغي عليها شعور طائفي ذي اللون الواحد ، المشحون عاطفيا ، بعقدة المظلومية والتهميش ، طيلة ما يسمى بالحكم الوطني ،
والشركاء في الحكم من القائمة الكوردستانية ، هم أيضا يعانون من الشعور ذاته ، الذي يعاني منه حلفاؤهم ، طيلة الفترة المنصرمة نفسها ، وهذا ما جعلهم ينصرفون لترتيب أوضاعهم الكوردستانية
الجديدة وتحصينها ، وما عاد يعنيهم ـ وهم الشركاء في حكم العراق كله وليس كوردستان لوحدها ـ كثيرا ما يجري في العراق العربي ، بقدر ما يعنيهم الاستجابة لتحقيق مطالبهم وأهدافهم ، التي
تفاوضوا عليها مع ممثلي قائمة الائتلاف الشيعي ، بعيدا عن الأضواء ، وبسرية ، وبعد أن تمت الموافقة عليها ، دخلوا بموجبها في تشكيلة الحكومة ، دون أن تنشر ، في وقتها تفاصيل الاتفاق ،
ليطلع عليها الشعب العراقي ، وهذا ما ساهم مساهمة كبيرة في انفراد قائمة الائتلاف الشيعي ، في ترتيب أوضاع حكم وفق توجهاتها الطائفية ، دون مراعاة لكونها حكومة انتقالية ، للعراق كله ، ولها
شركاء في السلطة ، وهناك شعب يهمه ما يجري في العراق كله ، ما أوجد لاحقا حالة من عدم
الاتفاق والاختلاف على الكثير من قضايا الحكم ، استوجبت حلولا مبتسرة ، آنية ومستعجلة ، ولم يتم حسمها ، لصالح غالبية الشعب العراقي ، على الرغم من وجود الجمعية الوطنية ، التي هي
الأخرى ، انشغلت بترتيب أمور تخص أعضاءها ، أكثر مما تخص الشعب العراقي ، الذي فوضها في اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لإحلال الأمن والسلام بين أبناء الشعب الواحد ، وقطع دابر
الإرهاب ، ومعالجة ما يعاني منه المواطن ، من فقدان لضروريات الحياة ، كالماء والكهرباء والوقود ، وتوفير العمل للغالبية العظمى من أبناء الشعب الذين فقدوه نتيجة لتردي الأوضاع الأمنية ، التي
عمقتها تخبط الإجراءات الطائفية ، في اقصاءات لكوادر مهنية بحجج مختلفة ، وتعيينات جديدة دون كفاءة أو مؤهل ، غير بطاقة المرور الطائفية أو الحزبية أو القرابة ، وحرصا منها على تحقيق
نجاحات طائفية محققة ، في الانتخابات القادمة ، أقدمت الحكومة على تمرير تعديل لقانون الانتخاب ، السابق ، الذي جاء بها إلى السلطة ، بما ينسجم والفكر الطائفي ـ المناطقي ( قوى الإسلام
السياسي بكل فصائلها وتوجهاتها السياسية ، تستخدم ما تتيحه النظم الديموقراطية من أساليب للوصول إلى الحكم ، وبعد أن يتحقق هدفها ، تلغي أو تعدل كل القوانين التي تقر التعددية وتداول السلطة
وحرية المواطنين ، وما أجرته حكومة الائتلاف من تعديل على قانون الانتخاب يصب في هذا الاتجاه ) بحيث يضمن لها مركزا متميزا ، بعيدا عن الإلتزام بأي برنامج للحكم اللاحق ، وبغض النظر
عن محتواه وما يتعهد به ، سياسيا واقتصاديا ووطنيا للمجتمع ، فبدلا من أن تسعى الحكومة الانتقالية الجديدة إلى توسيع قاعدة الممارسات الديموقراطية ، وترسيخ نهج المشاركة الجماهيرية في
الانتخابات ، لجميع فئات الشعب ، دون هدر لصوت أي ناخب ، في أي مكان بالعراق ، ولتشمل كل الطوائف والمذاهب والقوميات ، التي شتتها السياسات العنصرية والفاشية والطائفية بعيدا عن أماكن
تواجدها الحقيقي ، أقدمت على هذا التعديل الذي يحقق لها حكما طائفيا ، وهذا ما شكل تراجعا عن موقف متقدم ، أقدمت عليه هذه الحكومة ، وبذلك دللت أنها غير حريصة على ما تم الإجماع عليه
فيما أقره ، قانون إدارة الدولة ، أولا ، وثانيا ، في ما تضمنته مسودة الدستور الدائم ، التي أقرت التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة ، وإجراء كهذا ، أضر بكل القوى السياسية ومكونا!
ت الشعب العراقي ، خصوصا في المناطق الجنوبية والوسطى التي يشكل فيها إرهاب المليشيات السمة البارزة في الحياة العامة ، لفرض الرأي الواحد واقتلاع الفكر المخالف ، ففي الجنوب من
العراق حيث الميليشيات الطائفية ، جيش المهدي وأتباع حزب الفضيلة ، من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وميليشيات بدر ، كل هؤلاء يمارسون كل ما شأنه قهر المواطن وإذلاله ،
والتأثير على حريته في ممارسة كل شأن من شؤون طقوسه الدينية والمذهبية والفكرية ، وحتى التدخل فيما يلبسه وما يتجمل به ، وفرض الحجاب على كل النساء ، وإشاعة تقاليد غريبة عن المجتمع
العراقي ، واتخاذ إجراءات عقابية قاسية بحق المواطنين غير المنصاعين لأوامرهم ، بما فيها التهجير والقتل والتهديد به والسيطرة على أموالهم بالقوة ، ويوضع في هذه الدائرة ، كل من يخالف
توجهاتهم الطائفية أو عدم الإيمان بما هم يؤمنون به ، وبأساليب لا تقل قسوة وفاشية عما كان في نظام البعث الفاشي المقبور ..أما في المناطق الوسطى والغربية ، فالوضع أدهى وأمر ، وحياة
المواطن ، تتقاذفها إجراءات المحتل ، وسلطته الغاشمة والمدمرة ، و غياب كل أثر لسلطة الدولة وهيبتها ، غير سلطة الإرهاب الطائفي ، المتبادل ، يشكل واقعا لا يمكن إنكاره ، فتفخيخ السيارات
وتفجيرها ، وقتل المواطنين بالأحزمة الناسفة وذبحهم على الهوية ، واختطافهم من بيوتهم وأماكن عملهم في وضح النهار ، ورميهم بالرصاص في كل شارع وحارة ، والتمثيل بجثثهم ، أصبح أسلوبا
مألوفا ، لتصفية حسابات ثأرية ، في الكثير من المدن ، ولم يعد هذا الأسلوب حكرا ـ كما كان ـ على القوى الإرهابية ، بشقيها الطائفي والفاشي إنما أصبح نهجا تقوم به كل المليشيات الطائفية ،
بشكل رسمي ، بعد أن استوعبتها وزارة الداخلية ضمن عناصرها ، حيث صرح عضو الائتلاف الحاكم ، نائب رئيس الوزراء د. أحمد الجلبي ، ' ..أكبر أخطاء الائتلاف تعيين باقر صولاغ وزيرا
للداخلية التي حولها إلى مركز شرطة يتولى عمليات الاعتقالات الكيفية ومطاردة الناس بالشبهات ..' هذا الواقع جعل العمل السياسي في محنة حقيقية ، فالشخصيات والقوى من الأحزاب الوطنية
والديموقراطية والليبرالية ، التي تناهض الحكم لتوجهاته الطائفية ، لا تستطيع أن تنتقده من على صفحات جرائدها ، كما أن هناك مناطق في العاصمة العراقية ، التي هي مقر الحكومة ، يحرم على
المواطنين دخولها دون هوية دخول موقعة من قائد هذه المليشيات أو تلك ، فكيف بممثلي هذا الحزب أو ذاك المناوئ ، إن ارتأى ضرورة عقد لقاء جماهيري ، لشرح أهداف حزبه أو لطرح برنامج
قائمته ، وهذا الواقع لم يكن دون علم الحكومة ، إنما بدعم منها ومساعدتها ، حيث ممثلي هذه القوى يحتلون مواقع متميزة في الجمعية الوطنية وفي الحكومة ، وهم ويراهنون على عودتهم لموقع الحكم
، بزخم أكبر واكثر فاعلية في الانتخابات القادمة ، وهذا ليس ممكنا فقط ، بل ومؤكدا حصوله ، نتيجة لغياب سلطة محايدة تجري الانتخابات وتشرف عليها ، و تؤمن حياة المواطن وتضمن حريته ،
بغض النظر عن عقيدته أو طائفته أو دينه ، فنتيجة لمثل هذا لواقع ، يصبح الدستور ، حبرا على ورق ، تشهره الحكومة الطائفية بوجه منتقديها .. والمفوضية العامة للإنتخابات ، ولوائحها التي تنص
على تنظيم هذه الانتخابات قد تتجاهل مثل هذه الممارسات ، كما تجاهلتها في الانتخابات السابقة ، رغم دعاوى المفوضية من اكتسابها الخبرة في معالجة الأخطاء والنواقص ، ولكن ماذا ستجدي
تجربة المفوضية في معالجة حالات التزوير ، والضغط على الناخبين ، والتدخل في سير العملية الانتخابية ، إن هذا ـ التزوير ـ حقق فوز مرشحي قوائم بعينها ، هل ستكتفي بتغريم المخالفين بضع
دولارات ؟ إن معالجة مثل هذه الأمور ووضع حد لها يتطلب صرامة في العقاب ، لا يقل عن إلغاء كل الأصوات التي حصلت عليها هذه القائمة التي يجري التدخل لصالحها ، وبدون تطبيق وتنفيذ
إجراءات عقابية رادعة ، يبقى مسلسل التزوير قائما ، والوصول إلى الجمعية الوطنية سهل المنال وبأرخص الأسعار .. لتصحيح مسار الفترة السابقة ، وما أفرزته سيطرة القوى الطائفية على الحكم ،
ومعالجة لنتائجها السلبية الخطيرة على الساحة العراقية والمنطقة ، عقد ' مؤتمر الوحدة الوطنية ' ، بين قوى وشخصيات سياسية عراقية ، وطنية ديموقراطية وليبرالية ، تم تقييم لمواقفها السابقة ،
منفردة ومجتمعة ، واتفقت على البدء بمعالجة ما تم تشخيصه من أخطاء وممارسات في المرحلة المنصرمة ، لا بد من تجاوزها ، والعمل على تشكيل قائمة انتخابية ، تضم مختلف الأحزاب والقوى
السياسية ، على أساس المواطنة وبرنامج عراقي وطني ، وليست على أسس طائفية أو عرقية وقومية ، لتلافي المخاطر التي تهدد العراق من كل حدب وصوب ، وهذا ما سأعالجه في القسم الثاني من
هذه المداخلة.
هادي فريد التكريتي
7 تشرين الثاني 2005