الصابئة المندائيون يحتفلون بعيد الازدهار
من سانتياغو كارلوس
بغداد ـ (أصوات العراق)، 7/11/2005
تزامن الاحتفال بعيد الفطر المبارك هذا العام مع احتفال طائفة الصابئة المندائيين (احدى الديانات التوحيدية الموجودة في العراق واتباع يوحنا المعمدان) في العراق والعالم بعيد الازدهار ( العيد
الصغير ) . وهو العيد الرابع والاخير حسب تقويم السنة المندائيية، بعد عيد الخليقة العلوي وعيد التعميد والعيد الكبير .
وعن عيد الازدهار ، قال رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم كنزبرا (الشيخ) ستار جبار حلو في حديث لوكالة انباء (أصوات العراق) المستقلة "عيد الازدهار او هبة الله الصغرى هو
ذكرى عروج الملاك جبرائيل – هيبل زيوا - الى عالم النور بعد تحرره من قيود عوالم الشر وكبحه الجن والشياطين ،ليهييء الارض من انهار وطيور وكل شيء عليها من اجل خلق آدم وحواء."
لكن احتفالات هذا العام اقتصرت على اداء المراسيم الدينية وتقديم النذور (طعام الغفران على ارواح الاموات) وذلك بسبب "الظروف غير المستقرة التي يمر بها العراق والوضع المتأزم."
ولتزامن عيدهم مع عيد الفطر المبارك ،فقد انتهز الشيخ ستار المناسبة لتقديم التهاني للمسلمين، عادا تزامن العيدين "مناسبة طيبة" ومعربا عن امانيه بان يحفظ "الحي القدير جل شأنه " العراق
والعراقيين.
واضاف "اتمنى ان نعيش سواسية كأخوة متحابين من مسلمين ومسيحيين وصابئة وأيزيديين، وان نبني بلدنا بمحبة وسلام بدل لغة العنف والسلاح."
وأبدى معظم المحتفلين من الصابئة بعيدهم مشاعر مماثلة إذ اعربوا عن الامل بان يعم السلام والامان والاستقرار البلاد.
قالت إحدى السيدات "اتمنى عيد صحة وعافية على العراقيين وان شاء الله ننتهي من هذه الغمة التي يمر بها بلدنا ونرتاح لاننا تعبنا."
في حين هنأ رائد من القسم الاعلامي لطائفة الصابئة العراقيين الجميع بالعيد ،داعيا الله ان يتعايش الجميع كإخوة "كما كنا سابقا"، وان يبتعد "الارهاب عنا ونعيش بسلام."
والصابئة المندائيون يعتبرون انفسهم من المكونات الاصيلة والقديمة للعراق.وتعود اصولهم (حسب قول مفكريهم ورجال الدين منهم) الى السومريين الذين استوطنوا جنوب العراق وبالتالي فهم من اقدم
الاقوام التي سكنت في وادي الرافدين على حد قولهم . وهم من اتباع يوحنا المعمدان (النبي يحيى ين زكريا). وكتابهم المقدس يسمى (كنزا ربا) اي الكنز العظيم ، وتم الاعتراف بهم كديانة توحيدية في
العصر الاموي.
ويقيم الصابئة المندائيون صلواتهم وشعائرهم الدينية في معبد يسمى (مندا ) ويكون على ضفاف نهر. ويبلغ تعدادهم اليوم مايقارب
200 الف نسمة (حسب تقديرات غير رسمية) ،وهم يتمركزون في
بغداد والمحافظات الجنوبية ومنها العمارة ، والناصرية ، والبصرة. ودائما ما يتجمعون على ضفاف الانهر الجارية لارتباط ذلك بمفهوم القداسة والطهارة في معتقداتهم.
وكان أمس الاحد مخصصا لآداء مراسيم التعميد (المشابه للتعميد عند المسيحيين) والزواج . ولكن لأن ماء نهر دجلة بارد هذا الموسم فقد اجريت المراسيم في احواض خاصة (مغاطس ) مبنية داخل
المندا (المعبد ) لهذا الغرض. ويتم التعميد بشكل جماعي حيث يفصل بين الرجال والنساء.. (لايسمح بتصوير المراسيم عند النساء بسبب ارتدائهن ملابس بيضاء تلتصق بالجسم وتظهر معالمه عند
التبلل بالماء).
وحسب الطقوس يرتدي المشاركون في المراسيم ملابس بيضاء فضفاضة مع تغطية الرأس بوشاح ابيض تختلف طريقة ربطة وهيئته بين الرجال والنساء .
والشعائر الدينية تتم على ثلاث مراحل كما بين لنا الشيخ خلف عبد (رجل دين مندائي) وهي:
1-الغطس بالماء ثلاث مرات، ويكون الغطس حتى الخصر مع رش الماء من قبل الشيخ على رأس الشخص والجزء العلوي منه .
2-يدور الشخص حول وعاء البخور (البريهة) والحاوي على النار والبخور مع ترديد قسم خاص باللغة المندائية .وبعدها يجلس في مكان خاص ولا يلمس اي شيء لكي لا يدنس.
3-رسم (مسح ) الجبين بالزيت (زيت السمسم) ثلاث مرات .ويقوم الشيخ بتلاوة صلوات معينة ثم يمنح التناول (خبز مقدس ، مشابه للتناول عند المسيحيين).وتعد عجينة الخبز وفق طقس معين بيد
الشيخ.
والهدف من هذه الخطوات هو طلب المغفرة والرحمة على حد قول الشيخ عبد .
وكالة انباء (أصوات العراق) المستقلة رافقت المعمدين في الخطوات المذكورة . ولاحظت ارتجاف البعض من البرد اثناء الخروج من الماء ،إضافة الى خوف صغار السن من الدخول في الماء
ونصائح الاهل لهم بان يتحلوا بالجرأة ويغطسوا في الماء .
وهذه الخطوات تتم بمراقبة الشكندا (مراقب من رجال المعبد مهمته مراقبة صحة وتسلسل الخطوات خوفا من سهو رجل الدين).
احدى المعمدات أعربت وهي ترتجف بردا عن سعادتها بهذه المناسبة لكونها تنطوي على عمادها وزواجها في آن واحد . اما رائد ذو العشر سنوات فلم يستطع ان يعبر عن شعوره بسبب ارتجافه من
البرد . ولم يتمكن الا من تهنئة والديه بمناسبة العيد .
ومراسيم الزواج عند المندائيين لا تختلف كثيرا عن مراسيم عقد القران عند المسلمين العراقيين ،
اذ يجلس الرجال في غرفة خاصة (المهر) وبمعزل عن النساء . ويقوم وكيل العروس (الاب او الاخ او
احد اقربائها) بتمثيلها في عقد القران بوجود الشيخ وحسب طقوس خاصة. يلي ذلك اجراء العماد لكلا العروسين وبعدها تقام احتفالات العرس كما هو معمول به في العراق اي اقامة الافراح وسماع
الموسيقى والرقص.
وقوانين الزواج عند الصابئة تجمع مابين قوانين الاسلام والمسيحية. فالصابئة لا طلاق ديني لديهم بالرغم من حق الزوجين الحصول على الطلاق من المحكمة الشرعية العراقية وحسب الشريعة
الاسلامية. لكن هذا الطلاق لايعترف به دينيا اي لايسمح لهم بالزواج مرة اخرى لكونه يعتبر تفريقا جسديا (كما عند المسيحيين الشرقيين) وليس طلاقا.
ولكن يسمح للرجل بتعدد الزوجات وحسب الحاجة الى ذلك كمرض الزوجة او عدم تمكنها من اداء واجباتها الزوجية.
وحسب الدين الصابئي،فإن الزواج من اصحاب الديانات الاخرى غير مسموح به. في حين ان زواج الاقارب (ابناء العم والخال) محبب كما هو الحال عند الشرقيين. التشابه بين قوانين الزواج مع
المسلمين والمسيحيين عده الشيخ خلف امرا طبيعيا بحكم التعايش في منطقة واحدة وهي الشرق الاوسط .
ولكون الصابئة اقدم من الاسلام والمسيحية في المنطقة ،والكلام للشيخ خلف،فهناك احتمال انهم سبقوا في بعض العادات وبالتالي اخذت عنهم. او انهم اخذوا عادات او اخرى من احدى الديانتين.
وتعرض الصابئة المندائيون عبر العصور للاضطهاد بسبب دينهم من قبل الاقوام التي غزت العراق حالهم حال بقية مكونات الشعب العراقي .فالشيخ خلف إعتبر "العراق مثلما هو بلد متعدد الاديان هو
بلد الاضطهادات وامر عادي ان يضطهد القوي الضعيف." . لكن الصابئي وحسب رأي الشيخ خلف "ذكي بالفطرة " وهو ما اهله لان يتأقلم مع الناس المحيطين به ويكون علاقات جيدة مع جيرانه
وبالاخص "انه ذو مهنة يحتاج اليها الاخرون." في اشارة منه الى إشتهار الصابئة بصناعة الادوات كالمسحاة والمنجل (ادوات الزراعة) والزوارق وغيرها. لكن الصابئة يشتهرون بحرفة الصياغة
حاليا.
والملاحظ عدم وجود زي مميز للصابئة كما هو الحال مع الازياء الخاصة بالاشوريين والاكراد والعرب في العراق . حيث يرتدي الذين يسكنون المناطق الجنوبية ملابس عربية كالعمامة والدشداشة
بالنسبة للرجال والعباءة العراقية وفي بعض الاحيان الحجاب (الاسلامي) بالنسبة للنساء . في حين يرتدي سكان بغداد ازياء مدنية عادية غير مميزة . فقط رجل الدين يتميز بلحية طويلة وارتداء
دشداشة بيضاء وغترة رأس كما يرتدي بخنصره الايمن خاتما من الذهب الخالص منقوشا عليه اسم الجلالة –شوم ياروخ . مع عصا (رمز متوراث اذ يقال انها عصا ادم والتي توارثها الانبياء من
بعده).
وفي الوقت الذي يرى فيه الصابئة انهم يعودون باصولهم الى السومريين والذين سكنوا جنوب العراق ،يختلف المؤرخون في تحديد او تأكيد ذلك .. فالدكتور بهنام ابو الصوف (مؤرخ حضارات قديمة
وباحث اثاري ومؤرخ اجناس قديمة) يرى انه في اعماق معتقدات الصابئة تقدير للاله سن (اله القمر ) والذي كان يعبد في سومر وحران (شمال سوريا) لكنه يستدرك متسائلا " هل يمكن الربط بين
معتقداتهم وعبادة الاله سن ؟".. علما ان لغتهم ليست سومرية بل مندائية وهي احد فروع اللغة الارامية.
ويضيف الدكتور ابو الصوف "وبالتالي هناك عدة تقولات واراء حول حقيقة انحدار الصابئة من السومريين .لكنه يؤكد على ان معتقداتهم تمتد الى اعماق حضارة وادي الرافدين القديمة (الشرق الادنى
القديم ) ، في الوقت الذي يشبه امكانية الربط بين معتقداتهم وبين عبادة الاله سن وبالتالي انحدارهم من السومريين بـ "الامساك باشعة الشمس. ويبين المؤرخ البارز ان الصابئة وبرجوعهم بديانتهم الى
يوحنا المعمدان وارتباطها بالمعمودية التي كان يقوم بها في نهر الاردن هي في الاصل ماخوذة من احدى عادات السومريين.
وم جانبه ،تحدث مسؤول قسم الاعلام للصابئة المندائيين علاء دهلة عن طبيعة السنة المندائية فقال إن السنة المندائية (الان نحن في سنة
3820 مندائية) مكونة من 360 يوما ومقسمة الى 12 شهر كل
شهر ثلاثون يوما.
وفي السنة المندائية اربعة اعياد وهي حسب التسلسل:
1- عيد الخليقة العلوي – البنجا – الايام المباركة . وهي الخمسة ايام التي افصح فيها الخالق عن ذاته بخلقه لعوالم النور . وفي هذه الايام تكون العوالم مفتوحة للملائكة لتغطي بنورها الارض .
2- التعميد الذهبي – صبغة الله . فيه اصطبغ (تعمد) آدم وهو رئيس الذرية على يد الملاك جبرائيل . وكما اصطبغ يحيى بن زكريا . والصابئة في هذا اليوم يقتفون اثرهم ويتعمدون .
3- العيد الكبير والذي فيه جمدت الارض ونجدت النجوم لمدة 6 ايام .وفي اليوم السابع تم القاء السر (سر الحياة) في الماء الجاري .
4- عيد الازدهار – العيد الصغير – دهنا هنينا.
واكد أن التقويم المندائي خاص بهم وهو يعود لاسلافهم السومريين مبينا ان الخمسة ايام المخصصة لعيد الخليقة العلوي لاتحتسب مع باقي ايام السنة (اي اذا احتسبت يكون مجموع ايام السنة 365 يوما
اي نفس ايام السنة الميلادية).
وهناك مأكولات خاصة تعد في عيد الازدهار ..إذ تحتوي مائدة الافطار على رز ولبن رائب ورمان وتمر . دلالة على ازدهار الخضرة . اما الغذاء فيجب ان يكون لحوما (دجاج او خروف مذبوح)
.
بقي ان تقول ان جميع الصابئة يعتبرون انفسهم طائفة دينية (اي ليسوا قومية) ممتدة في اصولها وجذورها الى تاريخ العراق القديم .وهم يعدون انفسهم من مكونات العراق القديم ويعترفون بانهم من
الاقليات على حد قول الشيخ خلف عبد.