هذا هو الفرهود المبارك يا أهلنا في الجنوب


-
1-
من أجمل ما قرات للإمام علي قوله : الناس ثلاث ..عالم رباني ، و متعلم على سبيل نجاة ، و همج رعاع أتباع كل ناعق " .
فإن لم يسعك أيها العراقي النبيل أن تكون عالماً ربانياً فانجُ بنفسك بالعلم قبل أن يفجأك ذل الجهل بالخسران ، ولا تكن كالهمج الرعاع الذين يتبعون كل ناعق يهرف بما لا يعرف .

-
2-
في القرن الثامن عشر والتاسع عشر كانت قبائل الكرد والسنة والشيعة تقاوم العثمانيين وكان النهب والفرهود هو المظهر الأساس لإنتفاضات تلك القبائل ، وذات الأمر تكرر في ثورة العشرين وفي الأربعينات وأوائل الخمسينات إذ نهب الناس بيوت اليهود ومتاجرهم ، وفي السبعينات والثمانينات نهبنا بيوت الفيليين ومتاجرهم ، وفي التسعينات نهبنا العراق كله وأحرقناه ، وفعلنا الأمر ذاته عقب التحرير ولا زال يفعله الكثيرون وبالذات في الجنوب العراقي .
هل إنها الطبيعة القبلية العربية في الغزو لما تزل فاعلة فينا ؟
ربما ... ولكن هناك ما هو أكبر من ذلك وأعظم إلا وهو فساد السلطة وإنحيازها القبلي والطائفي .
العثمانيون وزعوا الأراضي وألقاب الباشوية على القبائل السنية في الأساس وتركوا للشيعة فلاحة الأرض ، وذات الأمر فعله حكام العراق منذ ما بعد فيصل الأول وصولا إلى صدام حسين .
وبالتالي فكان الرد الطبيعي هو النهب والحرق لما يظنونه ثروة الدولة ومن ورائها ( أو ربما أمامها.. أي الطائفة الذهبية ) .
وقد أستغلت الدولة ذاتها هذا النهج وجيرته لصالحها في مرات عديدة ، ضد اليهود أو الفيليين الشيعة أو مدن الجنوب إثناء الإنتفاضة ، بل وحتى ضد التجار والمعارضين الذين يعدمون أو يفرون إلى الخارج وتترك أموالهم لنهب الناهبين من ضعاف النفوس ، وكانت الضربة الصدامية الأكبر عقب سقوط النظام حين قاد البعثيون حملات النهب وحرق المكتبات ودور الوثائق وسرقة المتاحف وغيرها .
بالمناسبة : ما كان يحصل لدينا من حالات فرهود ، حصل مثلها في أرقى بلدان العالم وأكثرها ثراء وعدلا ، فعلى هامش إعصار كاترينا ، قام الأمريكان بسرقة الضحايا ، لا بل وحالات إغتصاب عديدة حدثت من قبل المنقذين لبعض النسوة ، ولم تسلم حتى العجائز من السرقة والقتل .
المهم .. الفرهود ... سلاح الدمار الشامل هذا ... لا زال فاعلا وللأسف حتى بعد أن أعتدل الميزان الطائفي ونال الكرد والشيعة حقوقهم أو الكثير منها ، ربما بحسب مبدأ الإستمرارية والعادة ... لكن ما يثلج الصدر هو هذا البصيص من الخير الذي يأتينا من الجنوب والوسط الشيعي في إقبال الناس على الدراسة مجددا والسعي للإرتقاء العلمي ولو من أجل نيل الوظيفة الأفضل وبالتالي المزيد من الآلاف من الدنانير العراقية البهية المباركة .
جاء هذا أولا في صحيفة صوت العراق ، وقبله سمعته من الأهل والأصدقاء في البصرة والناصرية وغيرها ... !
كانت دهشتي لا توصف حين قالت لي أختي الكبرى أنها تدرس مساء هي وزوجها بذات الآن في معهد لتعليم اللغة الإنجليزي ، وكذلك الثانية والثالثة ، ولم يبقى في البيت إلا أمي ولو لم تكن في الرابعة والسبعين لرافقتهم إلى المدارس لتحصيل ما فاتها من العلم ، فربما يزداد راتبها التقاعدي إذا ما نالت الماجستير .. !
الحقيقة أن هذا هو رد شعبنا الحقيقي الشريف على الطوائف والفرهود ومنطق نهب الدولة وبيعها خردة في إيران ... هذا هو البديل عن الأحزاب وعصابات ثأر الله ولعنة الله وغضب الله وأحباب الله وروح الله و( خشم ) الله ...!
هذا هو الرد الحق على دعاة التسطيح والحملة الإيمانية الصدامية التي جاء الصدر والضاري وبقية القمامات لتجديدها والإستمرار عليها ... !
هذا هو الرد على الوزارات البائسة التي يقودها رجال العصابات والحثالات القميئة الجاهلة المشبوهة .. !
هذا هو الرد الديموقراطي العقلاني الذكي على مساعي تسطيح الشيعة وإذلالهم وتسييرهم في قناة واحدة تصب في نهر الدم والوهم الطائفي الذي يخدم إيران وحدها ولا خير فيه للعراق ولشيعة العراق .
فرهدوا العلم أيها الأغلبية الطيبة حتى تملأوا شواغر الدولة بعقولكم ووعيكم الوطني وأيديكم الشريفة الطاهرة ، فأنتم أحفاد بناة العراق الكلدان والآشوريين والعرب الأولون ، ولا صلة لكم بإيران ولا خير لكم فيها ، بل الخير كله في الميراث العراقي العظيم الذي ورثتموه منذ آلاف السنين وحري بكم أن تتمسكوا به بالأضافر والأسنان .
لن يغيبكم أحد بعد الآن أيها الشيعة الطيبون .. لن ينجح أحد في تغييبكم بعد الآن إذا تمسكتم بالعلم وتحررتم من اللطم ، فكلما زاد غرس العلم لانت أرض العقل وأينعت وأثمرت وعيا ساميا راقيا يتجاوز حدود البكاء على الإطلال والأجداث المقدسة ليرقى إلى فضاءات المجد والشموخ والعز والكرامة .
فرهدوا العلم ايها الأحبة المظلومون الأبديون ... فرهدوا العلم فهذا هو الفرهود المبارك ....!

__________________________________________________

وكلمة أخيرة طيبة :

قال فيلسوف الصين كونفشيوس :

( لا يقلقني إلا أن أنسى تقويم أخلاقي وسلوكي .. وان أهمل دراساتي .. وان أحيد عن الطريق المستقيم الذي عرفته .. وان اعجز عن تصويب أخطائي .. فان الذي لا يصلح خطأه وقد عرفه .. يكون قد ارتكب خطأ ثانيا ) .

__________________________________________________

كامل السعدون
kamilalsaadon@hotmail.com
أوسلو
9/10/2005

المصدر: صوت العراق،
9/10/2005