الفيلية بين الرصافة والنهر


الاكراد الفيلية من اهم عناصر مكونات النسيج الاجتماعي في العراق بصورة عامة والكوردستاني بصورة خاصة. لا بل ان محبتهم لمدينة بغداد فوق كل الاعتبارات والحدود وقد لا اغالي بقولي بانهم يعشقون بغداد بعد حبهم الكبير "كوردستان" فقد ساهو في اعلاء بناء اسس دار السلام منذ تاسيسها الاول وشاركوا في تاسيس الحضارات في العراق وتحملوا المشاق في ايصال صوتهم الحر الابي الى كافة شرائح المجتمع حتى انهم كانوا في طليعة مؤسسي الحركات السياسية في العراق الحديث. لا ريب ان اصالة هذا القوم يتعدى حدود التهميش التاريخي الذي منوا به كنتيجة مباشرة لتخلف الوعي العام حول ثقافتهم وانتمائاتهم فكما ذكرت فان الفيلية تواجدوا في الحركات السياسية العراقية ولا ريب ان جميع سجون العراق من شمالها الى جنوبها قد كان دار للفيليين فهم مناضلون اشداء حملوا رايات الاحزاب السياسية عموما دون ان يتواجدوا في كتلة موحدة "فيلية" وكانت هويتهم الوحيدة عراقية صرفة تحمل عبق اريج الرافيدين وبقوا يتكلمون باحلى لهجة من لهجات اللغة الكوردية لا بل حتى بغداديتهم لهجة متميزة اصيلة ونقية.
الفيليين اليوم يتخبطون بين الانتماء القومي والسياسي والطائفي فبينما ترفع اصوات تنادي بالهوية الفيلية المستقلة هناك اصوات اخرى تدعوا الى عدم تجزئة الشعب الكوردي الى طوائف وملل واعتماد الهوية الوطنية الكوردستانية كمظلة موحدة لابناء الشعب الكوردي ولا ريب وكما اسلفت بان العديد من ابناء هذه الامة اخذوا مكانهم الطبيعي في الاحزاب السياسية الكوردية ويتبوء عدد منهم مراكز مرموقة كالصديق الوزير عبد الرزاق ميرزا الذي يعود معرفتي به الى ايام تواجدنا في مدينة "سودرهام" في شمال السويد وهناك كوكبة اخرى من ابناء هذا الجزء العزيز من الكورد في احزاب سياسية عراقية اخرى.
لكن الحيف التاريخي الذي وقع بهم وخاصة ضمن سياسة النظام السابق في تهميشهم وسوق العديد منهم وبالمئات من بيوتهم واعمالهم وتهجيرهم " على اساس كونهم من التبعية الايرانية وهي سياسة استعمارية قديمة تهميشية وتفريقية للتركيب التعددي للشعب العراقي جاء بالويلات علينا كنتيجة للصراع العثماني مع الامبراطورية الفارسية" وتركهم في العراء وراء الحدود في ايران جلب ماسي كبيرة الى هذه الشريحة المهمة من نسيج الثقافي العراقي البديع. وبعد ان طال الانتظار ترك العديد منهم هذه الدنيا الفانية بحسرة الى رؤية عروستهم البهية بغداد ولكن ابنائهم واحفادهم بقوا على وفائهم وقد عاد العديد منهم الى ديارهم ولكنهم وجدوا الاخرين قد استولوا "جسب الضحا" على املاكهم وكما قلت ان العديد منهم لن يعود ابدا وحقهم ضاع كريحهم.
كانت الاسواق البغدادية بصورة عامة مكانا طبيعيا لتجار الفيليين فهم اعتادوا على مزولة التجارة بصورة عامة في شارع الرشيد وشارع النهر باسواقها وشارع الجمهورية وسوق الشورجة التاريخية وقد اصاب العديد منهم "طير السعد" فباتوا تجارا كبار ولكنهم لم ينسوا انتماهم القومي ابدا والغريب ان الفيلي لا يرى الا في "الفيلي" كرديا اصيلا وهذا يدل مدى اعتزازهم بانتمائهم القومي وبكرديتهم. ان تكامل النسيج الاجتماعي الكوردي مهم جدا في المرحلة الحالية وفي المستقبل والفيليين يمثلون العصب الحضاري من تراكمية علمية وثقافية تعتبر مصدرا مهما من مصادر التراث والثقافة الكورديتان ولذا اعتقد جازما ان على جميع القوى السياسية الكوردستانية والكيان السياسي الكوردي في حكومة الاقليم تقديم الاهتماما الاستثنائيا بهم باعتبارهم طبقة محرومة اظطهدوا دوما وكانوا بعيدا عن كوردستان ولكنهم الاخلص لترابها ولانسانها وعلى الاعلام الكوردستاني الاهتمام بهذه الشريحة المهمة من الشعب الكوردي وعدم اهمالها وتقديم التسهيلات الازمة لهم وتشجيعهم لانماء ثقافاتهم وتطلعاتهم المستقبلية التي تجري لتصب في البحر رغم اختلاف ينابيعها مكونا النسيج الثقافي الوطني الكوردي.
تحية لكم اهلي من ابناء الفيليين الكرام اينما كنتم ولنسمع ولنغني معكم بلهجتكم اجمل الالحان محبة لتراب الرافدين من سيروان وديالى وجصان وبدرة وقرغان وشهري بان وخانقين وديل تاوة وسعدية ونفط خان ومندلي وكفري وليلان الى شارع الكفاح وشورجة وخان مرجان ، سلاما.

الدكتور توفيق آلتونجي
السويد
6/10/2005

المصدر: صوت العراق،
7/10/2005