آفة الفساد .. جذورها وحلول مقترحة


أن مشكلة الفساد الأداري والمالي من المشاكل ذات الجذورالعميقة الأ أن درجة شموليتها تختلف من مجتمع الى آخر. قال الناطق الرسمي باسم رئيس مفوضية النزاهة العامة في العراق الأستاذ علي الشبوط ، ان العراق يواجه حاليا ظاهرة مرعبة تتمثل بالفساد الاداري والمالي، مشيراً الى "ان الفساد بلغ اعلى درجاته ووصل الى مستويات مرتفعة جدا، وان هناك بعض تلكؤ في معالجة هذه الظاهرة " ويجدر ذكره هنا أنه في بداية هذه السنة أشارت مفوضية النزاهة العالمية في تقريرها لذلك.فقد أظهر التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية أن العراق في مرتبة واطئة للغاية في سلم النزاهة المالية والأدارية .

أن الفسادفي العراق ليس وليد اللحظة الأنية بل متجذر في البنية المجتمعية منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة التي تأسست على الخلفية الطائفية وهذا يكشف عن احدى الأسباب المهمة في تبلور تلك الظاهرة الخطيرة التي تقف عقبة في طريق تقدم عملية التنمية بأصعدتها المختلفة مبددة الطاقات المالية والبشرية ومكرسة لحالة التخلف في عراقنا الغالي .

لقد شجع النظام الملكي في العراق الأقطاع كنظام أجتماعي كان في طريقة الى الأضمحلال ثم الزوال بشكل نهائي نتيجة تطور العلاقات الأجتماعية كأنعكاس للواقع المادي الجديد آنذاك .
أدت تلك السياسة الى نزوح الفئات الفلاحية هربا من الأستغلال لينشؤوا مناطق بائسة ماديا في ضواحي العاصمة .أن وجود دستور ينص على المساواة بين المواطنين لم يجد له مكان في أرض الواقع بسبب غياب الديمقراطية المبنية على اشراك جميع المواطنين من جهه وفصل السلطات من جهه أخرى .
لقد تفاقمت تلك الظاهرة بشكل نوعي آبان الحقبة البعثية الصدامية وكانت لعائدات النفط المرتفعة تأثيرا مباشرا في فتح منافذ متعددة أستطاعت بؤر الفساد في الدولة النفاذ عبرها من اجل أشباع نهما متعاظما بأستمرارعلى حساب معاناة فاقت كل الحدود للشعب المسكين .
أن الأستغراق في تفصيل مفردات الفساد لتلك الحقبة يأتي بنتائج عكسية لأنه يضع في النهاية حدودا لها في حين أنها غير متناهية في ذاكرة العراقيين الجمعية .

أنها ترتقي في أشكاليتها لمستوى مقولة المناطقة في صعوبة توضيح الواضحات والبرهنةعلى البديهيات .

سقط نظام صدام تحت وطأة مظالمه غير المتناهية ، وأستبشرنا خيرا بعهد جديد يتحقق فيه حلم العراقيين الذي راودهم كثيرا في النأسيس لدولة تكون مصلحة الشعب عقلها وضميرها وموجهة حركة مسؤوليها من أجل الأبحار بسفينة الوطن الى شواطى الحرية والرفاه ، لكن اللامبالاة والأنانية والمحسوبية والمنسوبية والرشوه أنتقلت عبرالكادر الأداري البعثي السابق الى كل مفاصل الدولة الجديدة ، وأصبح الفساد عنوانها الأبرز .
تكونت فئات لاترتقي لمستوى الطبقه الأجتماعية خلال هذه الفترة وأفرازاتها متحصنة بأسلحه متنوعة سياسية ، مالية ، وأعلامية لتسيطر على الأراضى والممتلكات العامة وكأنها أصبحت مشاعية خاصة بهم . أنها ثقافة الفرهود المتجذرة في المجتمعات البدوية ،أعيد أنتاجها لتتفق والمعطيات المشوهة لهذا الزمان .
الكل موقت والمناصب في طريقها الى آخرين فلنجتث حصتنا بأنفسنا من ثروات النفط لعشرات قادمة من السنين ، هذا هو لسان حال بعض مفسدي الحقبة التي أعقبت سقوط الصنم ، الذي أحاط سوء عمله بأغلفة تحقق لذاته الملوثه أستقرارا زائفا .
هناك من أطلق عليهم بالمستشارين الذين قدموا عن طريق الأمريكان " ممثلين لقطاعات مختلفه من التكنوقراط " ومعظمهم أن لم يكن جميعهم من العاطلين عن العمل في أوربا و أمريكا وأعتاشوا هم سابقا ، وعوائلهم لهذه اللحظه على المعونات ألأجتماعية، أصبحوا عبئا على وزارة المالية " معظمهم لا يرتقي بخبرته لمستوى ماعليه شعبنا داخل الوطن الحبيب " ، وقد أستخدم البعض منهم موقعه لمصالح شخصية كالعمل على توصيل ذويهم غير المناسبين لمواقع تتطلب التحصيل العلمي والكفاءه ، أو القيام بأعمال السمسرة التجارية بين مؤسسات الدولة والشركات الأجنبية مما يتسبب بهدر جزء كبير من المال المخصص لاعادة الأعمار .
وتجدر الأشارة الى ان لوجود مستشارين أجانب في بعض الوزارات تأثيرا سلبيا في هذا الأتجاه أيضا وهذا ما أشار له الأستاذ هادي العامري قبل أيام .

يمكن أستعراض عناوين لحالات مرصوده من الفساد :-

- الاختراق الكبير لأيتام النظام السابق للأ جهزة الأمنية بمساعدة من الحكومة قبل الحالية، وتحكم الأعتبارات المناطقية والطائفية في أختيار قياداتها بدلا من الكفائة والنزاهه ومعيار عدم الأنتساب للأجهزه القمعية للنظام البائد .
وهناك ثغرات كبيره ساهمت في تطور الأرهاب " وهو توأم الفساد" منها ، الأمكانيات التجهيزية الواطئة للشرطة العراقية التي لاتتناسب حتى مع ما يتوفر عليه الأرهابيين ، وسائل الأتصال التي لاترتقي الى مستوى الجريمة .وفي هذا الصدد قد تكلمنا كثيرا عن الأرادات المضادة التي حاولت ومازالت في محاولاتها للوقوف أمام مساعي وزارة الداخلية الحالية لأصلاح الفساد الهائل أثناء الفترة السابقة ، وأقصد بها الفترة النقيبية التي صبغت هذه الوزارة بالصبغة البعثية الصدامية الطائفية المناطقية المعروفة .
-عقود نفطية كانت تحوم حولها الكثير من الشبهات ، وقد أشار الى ذلك بعض أعضاء مجلس الحكم السابق . رصد لحالات بيع النفط خارج أطار حصة العراق وعدم وصول عاهداتها الى خزينة الدولة .
- وجود طواقم بعثية من النظام السابق في بعض السفارات العراقية وانعكاسات هذا الأمر سلبيا في نفوس العراقيين في دول المهجر. وكان خبر بيع جوازات سفر عراقية لمواطني دول أخرى مؤشرا على ممارسات منحرفه لهذة الطواقم . ترشيح أناس لدورات أعداد الدبلوماسيين خارج العراق وفقا لاعتبارات ليس بينها الكفاءة واللياقة والتحصيل العلمي والثقافي .
- توقيع عقود تجارية بشروط متعارضة والمعايير المتبعه ، وتكدس البضائع في المواني لفترات طويله مما يعرضها للتلف . تهريب كميات كبيرة جدا من المواد الغذائية خارج العراق دون فتح تحقيقات لتحديد ومحاسبة المسؤولين على ذلك . وفي هذا الصدد كشف الأستاذهادي العامري رئيس لجنة النزاهة في الجمعية الوطنية أن ملياراً ونصف المليار دولار اختفت في العقود الوهمية التي أبرمت في تجهيز البطاقة التموينية في عهد الحكومة السابقة .
- عدم التوجه لاعمار الجنوب وخاصة ميناء البصره مما يحقق أهدافا ستراتيجية ويعمل كذلك على أمتصاص البطالة في الجنوب. بدلا من ذلك حاولت حكومة د . علاوي تخصيص ميزانية ضخمة لتوسيع ميناء العقبة وابقاء العراق أسيرا للأرادة الأردنية .
- عشرات المليارات من الدولارات ضاعت كما أكد نائب رئيس الحكومة د.احمد الجلبي ب «سلطة الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر وحكومة إياد علاوي أنفقتا 36 بليون دولار من دون ان يعرف بدقة اين ذهب هذا المبلغ الهائل». وأضاف د. الجلبي في حوار مع «الحياة» ان «فضيحة البليون دولار التي تفجرت تندرج في نطاق الفوضى المالية التي عمت العراق في زمن بريمر والحكومة السابقة»، وان تعليمات رئاسة الوزراء انذاك «لم تمنح وزير الدفاع السابق حق التوقيع على عقود تزيد مبالغها عن 5 ملايين دولار لكنه يقول انه حصل على هذه الصلاحية».واستعرض الجلبي «أرقام السرقات من اموال العراق خلال فترة حكم بريمر»، مشيراً الى وجود علامات استفهام «يجب الإجابة عنها»، ومؤكداً ان «أداء حكومة علاوي كان دون المستوى في مختلف المجالات مقارنة بأداء حكومة الجعفري التي عالجت أكثر من 95 في المئة من ملفات الفساد».وفي ضوء هذه الصورة المأساوية ، والنقص الواضح في الخدمات العامة وفي معالجة البطالة نستطيع ان نقول ان العراق يمر بمنعطف خطير قي هذه الأيام ، بعد أن ألقى الشعب بأصرار منقطع النظير بصوته ليؤرخ ليوم أنتصار الضحيه على الجلاد والمذبوح على السكين ، حيث جعلت الاراده الشعبيه أن تكون صناديق الأقتراع منطلقا لعملية التحول الجذري . أن هذه الظروف تتطلب توفر عوامل ذاتيه وموضوعية .كلنا وأقصد الأكثرية التي أنتظرت فرج يوم سقوط الطاغية أمام وقفة شجاعة لا بد منها خصوصا ان الأنتخابات القادمة على الأبواب . لذلك من الضروري أتباع مبدأ التشخيص الشجاع لترميم بيت الأغلبية المستضعفة من الداخل . ويتضمن ذلك فيما يتضمن أعفاء الأفراد غير الكفوئين من مناصبهم ، لأننا بحاجة الى أفراد يرتقون لمستوى المسؤولية التاريخية ليكونوا الشرارة التي فجرالأحتقانات في المنعطفات الحادة . تتوفر فيهم صفات الصبر على الأذى وسعة الأفق والصلابة ضد اعداء الشعب وعدم الأستغراق في الدبلوماسيات الزائده في وقت تطلب الأمر لتشخيص الأساءة والوقوف بقوه أمام التجاوزات . أشخاص تكون مصلحة الأغلبية المظلومة هاجسهم الأول ، نحتاج الى من يتماهى في حب كل مفردات طيف العراق الجميل ، من همه مسلة همومهم ، قلناها سابقا ونقولها الآن ،لابد التأكيد هنا على عدم الوقوع في مثالية توقع منجزات لهولاء خارج حدود الواقع العام للمجتمع، مع عدم استحالة بروز أشخاص متميزين بقرائتهم ووعيهم لمتتطلبات المرحله ، يوظفوا ما هو ذاتي بشكل متلائم ومتناغم وطبيعة واتجاه الحركة المجتمعية ، ليتجاوزوا بواقعهم المجمل الكلي للصيروره الأجتماعية، معجلين بعملية التغيير ، موضفين الناتج النهائي لما وصوا اليه بأتجاه تحفيزأشد وديمومه اطول للحركه العامه .ان مهمة القيادة في جميع مراتبها هي أقامة الحق وأزهاق الباطل وانصاف المستضعفين . هذا ما تعلمناه من فكر فيلسوف الأسلام والأنسانية الأمام علي (ع) حيث يقول مخاطبا ابن عباس : "أترى إلى هذه النعل؟ قال: بلى. قال: أنها أحب ألي من أمرتكم ألا أن أقيم حقا أو أدفع باطلاً"، لا قيمة للأمرة عندي، أنها تثقلني، ولكن هذه النعل تحمي قدمي من برد الشتاء ومن حرارة الصيف، وأنما قبلت الأمرة لأنها الوسيلة التي تجعلني أقيم الحق الذي فرضه الله سبحانه وتعالى، وأزهق الباطل الذي رفضه الله .

أمام هؤلاء مهمة العمل على أيجاد السبل اللازمه للخروج من نفق الفساد والأرهاب دون الوقوع في حلقة مفرغه يدورون حولها . مهمة البدء في أصلاح الدمار الهائل في المنظومه القيميه ، أنماط التفكير ومصاديقها من أمراض التسلق والأنتهازيه والسلبيه ولغة التحاور المشوهه مع الذات والأخر وكل التشوهات الأخرى.

لابد من تسليط الضوء على الامناء وعلى المفسدين في آن واحد ليرى الشعب المظلوم من هم أبناءه المخلصين الذين قدموا الغالي من أجل قضيته وبين من كان سوطا للجلادين ، وعينا تتربص بالشرفاء ، الذين انتهكوا الحرمات واستباحوا بيوت الآمنين ، أنهم حفاروا المقابر الجماعية . فهم يحملون فايروس البعث المعدي ، هم نتوءات فساد وعوامل أفساد يتكاثر أذاهم تكاثرا أميبيا أينما حلوا .أن تنظيف المنشآت العامه منهم أمر حيوي لابديل عنه للبدء بمشوار الاصلاح الشاق والطويل ، وهذا ينسجم مع القانون الالهي ومع القانون الوضعي بأعتباره عملية اجتثاث الفكر الممهد للجريمة .- المهمه في الأشهر القليلة القادمة هي أيقاف تنفيذ كل القرارات التي اعتمدت المحسوبيه والمنسوبيه دون أخذ معيار الكفاءه والمتافسه كأساس لأصدارها ويتضمن ذلك قرارات التعيينات المشبوهه الثي صدرت من قبل الحكومه السابقة.

يقول أمير المؤمنين (ع):
....... وكل مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال ، فأن الحق القديم لايبطله شئ ، والله لو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق به في البلدان لرددته الى حاله فأن في العدل سعه ، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق .
وتسأل ، هل المقصود من ذلك هو أعادة النظر بأثر رجعي بالاجراءات المتخذة مسبقا ؟، علما بأن ذلك لاينسجم ومبدأ أحترام الدولة وكل مايصدر عنها من قرارات وأجراءات .
الجواب ، كلا ، الأمر ليس بهذا التوصيف ، أن بعض الأجراءات السابقة لم تكن في أطار اللوائح والنظم المقررة ، بل تجاوزا عليها ومحاولة أستغلال المنصب الموقت لتمرير مصالح ذاتية وفئوية غير منسجمه والمعايير الموضوعة.
أن حصول فئه دون أخرى على أمتيازات مالية ووظيفية على أساس القرابة أو العلاقة يؤدي الى وصول غير مؤهلين لمراكز الأدارة والمسؤولية ، ويحول دون اتاحة الفرصة لأصحاب الكفاءة كي يسخروا طاقاتهم لخدمة المجتمع .
لقد شهدت الفترة السابقة تعيينات عشوائية بدون وجود درجات وظيفية ، حتى أن وزيرا عين نفسه ملحقا ثقافيا في احدى سفاراتنا قبل أنتهاء مدة خدمته في الوزارة بأيام . ناهيك عن الأراضي والقصور التي أقطعت للمقربين من الحكومة الماضية ، والتي يعمل المسؤولون الحاليون على أصلاح تلك المفاسد بوضع الأشياء في محلها الصحيح رغم الصعوبات المعروفة .وهنا يجب الأنتباه من محاولة المفسدين في أبدال الممتلكات المالية ، أو الأراضي بالبيع أو أيجارها ، وتجريم أي شخص يساعد هؤلاء بأي شكل من الأشكال ،بالأفلات من العواقب القانونية لفعلته . كأخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأن تلك الممتلكات هي عائدات أجرامية.

العمل عل معالجة الفرهود الوظيفي،السابق ، وربما الحالي بأستيلاء وزير على الوزارة ، ومدير على المنشأة أو المديرية ، وجعل كل المفاصل القياديةفيها بلون حزبي أوطائفي أو قومي واحد ، وهذا أمر في منتهى الخطورة لأسباب متعددة منها ، أن هذه التشكيلات هي هياكل مؤسساتية وهي ثابتة بثبوت الدولة ، بمعنى عدم تأثرها بشكل ملحوظ بتغير النظام السياسي الناتج عن عملية تداول السلطة ، ومن هنا جاء مصطلح ، دولة المؤسسات ، المتعارف علية في الديمقراطيات التي تبنى على ثلاثة أركان ، الدولة بمؤسساتها والمنظومة السياسية بأحزابها وتمثيلاتها البرلمانية وأخيرا مؤسسات المجتمع المدني . كذلك فأن التغيير في الهياكل الوظيفية الناتج عن هذه الظاهره تعزز من فرصة تسلل أفراد الى تلك المراكز يكون العامل الأيديولوجي عندهم اكثر وضوحا وقوة من معيار الكفاءة والخبرة والتحصيل ، مديريات ومحطات توليد وتوزيع الكهرباء "كمثال مجرد" بحاجة الى تكنوقراط متميزين في هذا المجال لا الى فنيين من هذا الأتجاه أو ذاك بكفاءة أقل ،ويمكن أستصحاب الأمر على الكثير من الوزارات . في الوزارات ذات الهيكلية المؤدلجة قد تكون عمليات المراجعة النقدية وما ينتج عنها من تقييم ومسائلة أكثر صعوبة بسبب أخذ المصلحة الحزبية بنظر الأعنبار التي قد تتعرض سلبا عند مكاشفة أحد اعضائها وعرضه أمام مرآة الشفافية من قبل الآخرين . "وانوه ان هذا لايشمل المدرجين في لائحة أجتثاث البعث والأرهابيين ". كل ماتقدم من الشرح لا يشير الى القفز على الأستحقاق الأنتخابي وانما من حق الفائزين بثقة الشعب ان يختاروا وزراء من أحزابهم وتنظيماتهم ، وهذا حاصل في كل الدول الديمقراطية المتطورة حيث تحضع الوزارات والبلديات للأستحقاقات الأنتخابية الحزبية ، لكن الوزير الجديد لا يصبغ وزارته بلونه الحزبي أو المناطقي أو القومي ، ولا يغير من الهيكلية المؤسساتية للوزارة بشكل كبير ،لأن هذه الهيكلية تحوي في مضمونها على نتاج خبرة تراكمية هي من حق الشعب والدولة " بالمقابل على الأحزاب العراقية الفاعلة ذات الأمتدادات الجماهيرية ان تحاسب المقصرين من بين أعضائها ، وان ذلك سيزيد من ثقة الناس بها ، عندها يصل الجميع الى حقيقة ، وهي ان فكر شخص معين وسلوكه لا يتطابق بالضرورة وبالمطلق مع مبادئ حزبه ، فالمسألة نسبية في درجة التقارب والتباعد ، وكم من مخلص لحزب ما أبعد لأسباب ضيقة ، وفي المقابل كم من متملق تسلق واحاط نفسه لمصلحة ذاتية بهدا القيادي أو ذلك الذي يمتلك صفة النزاهة بدرجة عالية .و لذلك ان الفكرة المحمولة من شخص ما وما ينتح عنها من سلوك ما لا تمثل بالضرورة الحالة الحزبية التي ينتمي لها ، وأزيد ربما بعضها لا تمثل جوهره الشخصي أو التكويني ، فمن الممكن ان تكون أستجابات لظروف آنية ، بجانب البعد التكويني المتمثل بالموروث من الصفات والأفكار . هذا يشجعنا ان نتقبل أخطائنا عندما تشخص من الآخرين ، والأفضل يكون هؤلاء الآخرون من المقربين حزبيا أو عقائديا . دون ان نغضب أو نتعصب ، لأن الغضب والتعصب يقودان بنا الى الأنغلاق ويبعدانا عن العقلانية التي هي من ضرورات العدالة .

أمام الشعب العراقي مهمة مشاركة الحكومة العراقية في التصدي لظاهرة الفساد ، بتشكيل هيئات تتكون من خبراء في الأدارة والقانون والأقتصاد ، تعمل بشكل متوازي مع جهد الدولة ، لمتابعة العمولات والرشاوى المقدمة الى الأفراد والشركات ودراسة العقود التي أبرمت بعد التاسع من نيسان مع شركات ودول لأعادة الأعمار وتدريب الكوادر خارج العراق ، والتأكد من تطابقها والمواصفات المطلوبة ، ومن عدم تأثرها بمصالح سياسية وحزبية وفئوية ضيقة لبعض الأطراف مع هذه الدولة أو تلك . علينا أن نتوفر على أمكانيات الكشف عن مصادر الأموال والممتلكات للمسؤولين وغيرهم في داخل العراق وخارجه ومقارنتها مع الفترات السابقه لتوليهم المنصب . وفي هذا المجال يمكن تفعيل قاعدة ، من اين لك هذا ؟ . المطبقه في دول العالم المتقدمة حيث تخضع المعاملات المالية والمصرفية والعقارية لمراقبة مؤسسات الضرائب ألمحكمة التنظيم والمطلقة الصلاحية والمتمتعة بحماية القانون . وبأمكان الدولة العراقية الأستعانة بتلك الخبرات من أجل بناء هكذا نظم وتدريب الكوادر العراقية على تشغيلها وأدارتها .

العمل على متابعة ألأموال العراقية التي هربت وأصبحت تحت تصرف عائلة صدام وأقربائه وجلاوزته ، وحث الحكومات المجاورة على أعادتها ، كمؤشر على بداية عهد جديد لعلاقات تبنى على المصالح المتبادلة المتكافئة تعيد للدولة العراقية مكانتها وهيبتها .

وهنا تجدر الأشارة لضرورة العمل على تكوين وتأصيل مؤسسات المجتمع المدني كركن مهم من أركان الديمقراطية ، أنها حقل القوى المجتمعية الفاعلة التي تجمعها قيم ومصالح واحده ، دورها مكمل لدور الدولة ،يمكن القول: إن مجال المجتمع المدني هو مجال الحرية، مفهومة على أنها وعي الضرورة وموضوعية الأرادة وأمكانية الأختيار،أما مجال الدولة السياسية هو مجال القانون. ومن ثم، فأن الحرية هي مبدأ القانون ومضمونه، مثلما المجتمع المدني هو مبدأ الدولة السياسية ومضمونها، وكلما نمت العناصر الديمقراطية في الدولة تغدو الدولة ملكوت الحرية وملبية لمطالب العقل . تعمل مؤسسات المجتمع المدني على نقل الجماهير الى جبهة الرقابة والمسؤولية وبالتالي تشجع على ترسيخ قيم المبادرة لدى الجماهير في أيجاد آليات تشخيص الأنحرافات في الممارسات الأقتصادية والأدارية لفعاليات أجهزة الدولة .
تشتمل هذه على النقابات المهنيه والجمعيات الأهلية ومنظمات المرأة والشباب وغيرها، وتساعد في بلورة الحالة الديمقراطية التي تستعيض عن المنطق الذي يهبط بالدولة بأتجاه المجتمع السياسي وبالتالي المجتمع المدني ، بمنطق معكوس يتجه الى الأعلى أبتداءا من المجتمع المدني . أن هذه التجمعات المنفصلة عن الدولة من ناحية والمرتبطة بها من ناحية أخرى عن طريق المنظومة السياسية بصفتها التمثيلية تحد من سلطة الدولة محققة أحدى غايات الديمقراطية .

أن أتباع آلية الأنتخابات في أختيار مسؤولي الوحدات الأدارية ، من مؤسسات ومنشآت ومديريات وأقسام ، يمكن أن تعطي مؤشرا واضحا عن كفاءة ونزاهة المتصدين لهذه المناصب ، حيث من الصعوبة بمكان تصور تواطئ جميع العاملين في هذه الوحدات على أختيار من لم يتمتع بتلك الصفات . والتثقيف على ان تقام كل هذه الأجراءات على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والانصاف والأهلية .
ولا نهمل ان تشمل ذلك على أجراءات مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء،والعمل على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة، مع مراعاة مستوى النمو الاقتصادي للدولة كما يجب ان نشجع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية، وتوفر لهم التدريب المتخصص والمناسب من أجل أذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم. ويجوز أن تشير هذه البرامج ألى مدونات أو معايير سلوكية في المجالات التي تنطبق عليها.

وتجذر الأشارة هنا أن توسع القطاع العام الهائل في العراق يساعد دائما على ظهور بيروقراطية أدارية واسعة ،تكون حاضنة مهمة للقساد ، هذا لايعني دعوه للعمل بالخصخصة كما ظهرت في تصريحات بعض وزراء مجلس الحكم السابق غير آخذين بنظر الأعتبار الجوانب الأجتماعية السلبية لها ، خاصة على الطبقات الأجتماعية واطئة الدخل والتي تشكل الحالة العامة في عراق اليوم ، بعد أختفاء الطبقة المتوسطة نتيجة السياسات والأجراءات المعتمدة من النظام البائد.

من المشاكل التي تصحب عملية الأعمار الحالية هو الأستغلال السئ من قبل الوحدات الأدارية ، خاصة الصغيره منها ، في أدارة المناقصات الخاصة بالبناء .وابرام عقود الأستيراد المختلفة وأنتهاءا بتخصيص مبالغ كبيرة لعمال وهميين . كأجراء سريع للحد من هذه الظاهرة يجب أناطة تلك المهمة بهيئات مركزية تشكل وزاريا وتكون مسؤولة أمام لجنة النزاهة المركزية من جهه ، والتكنوقراط بدرجات وظيفية أوطأ ومنظمات المجتمع المدني من جهه أخرى . وفي هذا الصدد علينا توزيع المعلومات المتعلقة باجراءات وعقود الاشتراء، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالدعوات ألى المشاركة في المناقصات والمعلومات ذات الصلة أو الوثيقة الصلة بارساء العقود ، توزيعها بشكل عام، مما يتيح لمقدمي العروض المحتملين وقتا كافيا لأعداد عروضهم وتقديمها .والقيام مسبقا بأقرار ونشر شروط المشاركة، بما في ذلك معايير الاختيار وأرساء العقود وقواعد المناقصة. وكمثال على سوء أدارة العقود ما قاله نائب رئيس الوزراء الدكتور احمد الجلبي ان وزارة الدفاع في حكومة اياد علاوي وقعت اكثر من
89 عقدا بقيمة مليار و271 مليون دولار خلال ثمانية اشهر فقط ذهبت جميعها الى مستفيد واحد إإإ.

يجب تطبيق القوانبن على جميع الناس ، دون استثناءات قائمة على خلفية الأنتماء العشائري أو الحزبي أوالقرابة من هذا المسؤول او ذلك المتنفذ ، وأن يكون الفرد محميا في ظلها بشكل كامل ،يقول أمير المؤمنين ( ع ) الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له ، والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه .

أنها دولة القانون ، حيث تحتكر سلطاتها وسائل العنف اللازمة لضبط المجتمع وفق قواعد دستورية موضوعة من قبل الشعب . مواطنوا هذه الدولة يستطيعون ان يشخصوا الأخطاء والتجاوزات المالية التي تصدر عن أفراد اقوياء بحكم المنصب والعشيرة دون الخوف من عواقب الثأر أو المحاكمة العشائرية " الفصل " . أن مبدأ سيادة القانون يؤسس لمجتمع متطور يتمتع أفراده بعلاقات متكافئة ، وهنا تقع المسؤولية على الشعب ان يعين من أنتخبه . الأمام علي (ع) يقول " أيها الناس، أعينوني على أنفسكم" وهنا يأتي دور القيادة كي تحرك حياة الناس في خط العدل بأنصافها للمظلوم فيحلف الأمام (ع) وهو يبين برنامجه في الحكم "وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه" ليرجع للمظلوم حقّه الذي منعه أياه الظالم أو غصبه منه، "ولأقودنّ الظالم بخزامته والخزامة هي حلقة من قليل شعرٍ تجعل في وتر أنف البعير حتى يشد فيها الزمام ويسهل قياده، وقد استعار الأمام (ع) هذا المعنى للدلالة على عدم التهاون مع الظالم على ظلمه . هذا هو مقياس قربنا أو بعدنا عن المبادئ الأسلامية المحمدية العلوية.

أن وجود قوانين أخرى ، كالقانون العشائري على سبيل المثال ،أذا تعارضت مع هذه المفاهيم ، تهدد الديمقراطية ومفهوم الدولة الحديثة وتخلق مراكز قوى تتمتع بحصانات معينة لاتتوفر للآخرين ، مما يفرغ مبدأ المواطنة من محتواه المتمثل بأن كل أنسان هو ذات مسؤولة عن تصرفاتها واتجاهاتها وفقا للقانون وليس رقما في معادلة عشائرية أو مناطقية أو اثنية .
من المفيد أن نتوفر على قوانيين تدين ظاهرة الفساد كأن تعتبر جريمة مخلة بالشرف ، أو من جرائم أمن الدولة .

وتسأل وما رأيك بلجنة النزاهة ، وهل هم فوق مستوى الشبهه ؟
الجواب ، لايمكن القطع بذلك ، وأن تم أختيارهم بدقة وعناية فائقتين ، لأن الفساد ظاهرةأجتماعية وأبطالها بشر تتنازع في دواخلهم عوامل متباينة مع أختلاف نسب تأثيرها بين شخص وآخر .
المهم في الأمر هو ضرورة ايجاد موانع أدارية وقانونية وتنظيمية وشعبية تجعل من التجاوزات المحتملة صعبة الحدوث.
وبذلك يكون المجتمع قد أفرغ الجهد والطاقة في جعل الأموال أن تخصص لعملية البناء لا لأعمار جيوب بعض المسؤولين .
علما ان اللجنة أبدت شجاعة فائقة وكفاءة ممتازة في عملها ،في ظل الحكومة الحالية ، رغم الظروف الصعبة . وعلى الدولة ان تسن قوانين وتتخذ أجراءات أستثنائية ، لتوفير الحماية الفعالة لهم وللشهود والخبراء الذين يدلون بشهاداتهم ويقيمون " بفتح القاف" الأفعال المجرمة المتعلقة بحالات الفساد .

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com
موسوعة النهرين، 30/9/2005