الكورد الفيليّون .. محاولة في فهم أصلهم وفصلهم

الدكتور بُرهـان شـاوي
صوت العراق،
16/4/2005

الكورد وليس الكرد

من الشائع في الكتابة العربية ان يكتب أسم الشعب الكوردي بـ (الكردي) بحذف (الواو) والإستعاضة عنها بـ (الضمة) ، أو لفظ الأسم بـ (كسر الكاف) وذلك إعتمادا على (لسان العرب) الذي يذكرهم بالضم، وينسبهم إلى اليمن، أو إعتمادا على سليقة بعض اللهجاتالعربية. وقد جاء في شرح معنى لفظ (كرد) ما يلي:
الكرد: الكَرْدُ: الطَّرْدُ. والمُكارَدَةُ: المُطارَدَةَ. كَرَدَهُمْ يَكْردُهُم كَرْداً: ساقَهم وطرَدَهِم ودفَعهم، وخص بعضهم بالكَرْدِ سَوْقَ العَدُوّ في الحَمْلَة. وفي حديث عثمان، رضي الله عنه: لما أَرادوا الدخول عليه لقتله جعل المغيرة بن الأَخفش يَحْمِلُ عليهم ويَكْردُهُم بسيفه أَي يَكُفُّهم ويطْردُهُم. وفي حديث الحسن وذكر بيعة العقبة: كان هذا المتكلم كَرَد القومَ قال لا والله أَي صَرَفَهم عن رأْيِهِم وردَّهم عنه.
والكَرْدُ: العُنُقُ، وقيل: الكَعرْدُ لغة في القَرْدِ وهو مَجْثم الرأْسَ على العنق، فارسيّ معرّب. والحقيقة في الكْرد، أَنه أَصل العُنق. وفي حديث معاذ: أَنه قَدِمَ على أَبى موسى باليمن وعنده رجل كان يهوديّاً فأَسلم ثمَّ تَهَوَّد، فقال: والله لا أَقعُدُ حتى تضرِبوا كَرْدَه أَي عنقه والكُرْدُ: الدَّبْرَة، فارسي أَيضاً، والجمع كُرُودٌ، والكُرْدة كالكُرْد. والكُرْد، بالضم: جيل من الناس معروف، والجمع أَكراد.
والكِرْدِيدةُ: القِطْعَة العظيمة من التمر، وهي أَيصاً جُلَّةُ التمر.
إلا ان حقيقة لفظ (الكورد) لا تعود لجذر الكلمة العربية (كرد) وانما للفظ غير عربي أصلا، لفظ سومري هو جذر ومبنى لفظ الكلمة ألا وهو الـ (كور). والـ (كور) كلمة سومرية تعني (الجبل)، ومن إشتقاقات النسب في السومرية كما جاء في بعض المصادر إضافة الياء أو الدال والياء أحيانا. بحيث يكون معنى لفظ (كوردي) بالسومرية هو (الجبلي)، وهي التسمية التي كان السومريون يطلقونها على سكان الجبال المجاورة والحضارة المجاورة التي تسمى تاريخيا بـ (إيلامية) أو (العيلامية) كما تذكر بعض الكتب.
ومن هنا فان لفظ (كوردي) هو سومري الأصل ، وقد جاء في بعض الرقم والوثائق السومرية التي تعود للألف الرابع والثالث قبل الميلاد.

سكان الجبال الكورد

في إطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الإجتماع والفلسفة من جامعة برلين الحرة في العام
1978 ، ذكرت الباحثة الألمانية (هانالوره كوخلر)، معتمدة على مصادر علمية وتاريخية عديدة بأن أول ذكر للفظ ( الكورد) جاء في بعض الرقم والوثائق السومرية في اللف الثالث قبل الميلاد. كما يذكر العالم جودفري درايفر في كتابه (وثائق ملوك سومر وأكد) الصادر باللغة الأنكليزية في العام 1923 بان تلك الوثائق والرقم الطينية تذكر شيئا عن (بلاد الكورد) وبنفس اللفظ تقريبا وقد أكد المستشرق الروسي مينورسكي على ذلك ايضا، وقد جاء تحت لفظ(كوردا)، كما يؤكد كل من درايفر ومينورسكي على وجود رقم آخر من الألف الثاني قبل الميلاد يتحدث عن سكان الجبال المجاورة، وبالتحديد يتحدث الرقم عن حرب الملك السومري (تيغلاث بيلسر) مع الـ (كور – تي – ن) في منطقة الجبال المجاورة.

كما يرد ذكرهم بهذه التسمية في وثائق الألف الأول قبل الميلاد ثم في النص الأغريقي (آنابازيس) الكمتوب في حوالي
400 سنة قبل الميلاد. من قبل الكاتب الأغريقي (زينوفون). كما ورد ذكرهم في المصادر القديمة تحت ألفاظ مقاربة مثل: (كوردايا، كوردوين، كاردو، كاردا، كورداواي، كارتاوايا، كوردي). وقد اكد على ذلك المستشرق الروسي بيتر ليرخ في كتابه (بحوث حول الكورد) الصادر في العام 1858 في مجلدين بسانتبيتربورغ.

كما أورد العالم الكوردي الجليل محمد أمين زكي العديد من هذه الآراء وأخرى لا تختلف عنها في كتابه المهم (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) الذي صدر بالكوردية في العام
1931 وترجم إلى العربية في العام 1939. لكن وللأمانة التاريخية فأني وجدت في إحدى هوامشكتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) للعلامة الكوردي الجليل (محمد أمين زكي) إشارة مهمة أيضا تؤكد بأن لفظ (كوه) في اللغات الآرية واللغة الجركسية تعني (الجبل). وإذا ما ربطنا هذا الإستنتاج ببعض الآراء حول أصل السومريين بأنهم نزحوا من منطقة (الكوكاس)، فهذا يعني بأن اللفظ ربما جذره آري – سومري.

وبعيدا عن التوغل التاريخي في بحث اصل الكورد، فأن لفظ ( كورد) هو ما تم تناقله عن السومريين الذين كانوا يقصدون بلفظ الـ (كوردي) بما معناه اليوم الـ (جبلي) من حيث ان لفظ (كور) في السومرية يترجم اليوم الى (الجبل) بالعربية. ورغم أن اللغة السومرية قد إنقرضت منذ ىلآف السنين إلا ان بعض مفرداتها لازالت حية في اللغة الكوردية الجنوبية وفي لفظ (الكورد) نفسه، فلازالت اللغة الكوردية تضم أكثر من لفظين للجبل، احدهما هو (جيا) الشائع في كوردستان اليوم، والثاني هو (كو) بحذف (الراء)، حيث تسمى المناطق الحدودية بين العراق وإيران اليوم بـ (بيشت كو) و(بيش كو) أي (ماوراء الجبل) و(ما قبل الجبل). بل وبقيت هذه اللفظة في اللغة الفارسية ايضا حيث تلفظ (كوه). وبالتالي فان جذر الكلمة هو (كور) وليس (كرد) كما جاء في معجم (لسان العرب)، وعليه فان كتابة الأسم (كوردي) هي الأسلم تاريخيا وليس( كردي)، ووطنهم هو (كوردستان) وليس (كردستان) .

ولكن الإعتماد على لفظ (الكورد) السومري أو الآري الذي شاع في تسمية الشعب أو الشعوب التي عاشت في منطقة جبال زاغروس المجاورة في نفس الحقبة السومرية قبل ستة آلاف الى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد لا يجيب عن السؤال: من هم هؤلاء الذين كانوا يسكنون الجبال المجاورة وماذا كان إسمهم الحقيقين وماذا كانو يطلقون هم على أنفسهم. فبعض العلماء والباحثين يجدون بعض الصلات والتداخلات بين السومريين وسكان جبال زاغروس .

الإيلاميّون السومريون واللور

الباحثة الألمانية (باربارا غوتمان) تؤكد في بحث لها بعنوان (لورستان الغارقة في القدم) بأن الحديث عن أول شعب سكن منطقة جبال زاغروس الفاصلة بين بلدان إيران والعراق وتركيا اليوم يكاد يكون لغزا محيرا، لاسيما وان الآثاريين والمنقبين قد عثروا على حلي وقلائد وأدوات تعود للألف السابع والألف الثالث قبل الميلاد. وتؤكد الباحثة بأن كل الدلائل تشير الى أن هذه المنطقة كانت شهيرة في الأزمنة القديمة بتربية الجياد ، كما كانت هذه المنطقة شهيرة باكتشاف البرونز وإستخراجه وصناعته. وقد تاثرت شعوب وادي الرافدين بذلك فأخذته عنهم ثم طورته أكثر. لكن رغم كل التنقيبات والمكتشفات الآثارية فان اصل هذا الشعب وديانته غير معروفة، فهو قد سبق هجرات الآرايين الى منطقة إيران والهند والتي خرج عنا الميديّون والفرس.

لكن الوثائق التاريخية تشير ايضا الى ان احفاد هذا الشعب في منطقة لورستان وخوزستان الحاليتين، اي إلى الإيلاميين أو (العيلاميين) الذين كانت لديهم حضارة عريقة تمتد على طول جبال زاغروس والذين أحتلوا بلاد سومر لقرون عديدة رغم ان بعض المباحث التاريخية تخمن وجود علاقة قرابة وتداخل نسب ووشائج لغوية بينهم وبين السومريين.

ويبدو أن الإيلاميين الأوائل الذين تحدثت الباحثة (باربرا غوتمان) وقبلها صموئيل هنري كوك، صاموئيل نوح كريمر وجورج رو، والذين عاشوا في الألف السابع قبل الميلاد كانوا يطلقون على أنفسهم إسم (هيتي) ومن هنا فالكثير من الباحثين يسمون الإيلاميين القدماء بالهيتيين. وقد تداخل هؤلاء مع النازحين الآريين في الألف الرابع والثالث قبل الميلاد من منطقة القفقاس الحالية ليشكلوا حضارة إيلام وسومر فيما بعد، بل إن الكثير من الباحثين الأوربيين والشرقيين امثال: مينورسكي، نيكيتين، كريمر، سن مارتن، نورمان، فليانوف زرنوف، طه باقر، جورج رو، جمال رشيد،وغيرهم يذهبون إلى ان السومريين هم من الشعوب الآرية التي نزحت من منطقة القفقاس الحالية، واننا لو أردنا ان نبحث عن بقايا للغة السومرية وتشكيلاتها ومفرداتها فعلينا أن نتفحص اللغة الكوردية والفارسية والهندية والسريانية لأنها تضم الكثير من الكلمات السومرية. وقد حاول بعض الكتاب والباحثين المعاصرين من الكورد وغيرهم تتبع هذا الأمر أمثال: إبراهيم باجلان، عباس سليمان إسماعيل والباحثان د. سامي سعيد الأحمد و د. رضا جواد الهاشمي في كتابهما القيم (تاريخ الشرق الأدنى القديم) وغيرهم.

بعض المصادر تشير إلى ان منطقة (الإيلاميين) القدماء كانت، لو تأملناها اليوم، تمتد من خوزستان جنوبا مرورا بلورستان ووصولا الى كوردستان وحتى حدود آذربيجان. غير أن الشعوب والقبائل التي تداخلت فيما بعد في هذه المنطقة وشكلت دولا وإمارات وحضارة لم تكن غريبة عن بعضها من الناحية النسب والقرابة والتداخل الديني واللغوي.

البحوث التاريخية والآثارية تشير إلى ان منطقة جبال زاغروس شهدت تداخل شعوب عديدة كانت متجاورة أحيانا واحيانا أخرى متتابعة، فالمصادر التاريخية تشير إلى شعب (اللولو) أو (لولوبوم)الذي كان يقطن في سهل شهرزور ومنطقة السليمانية الحالية. كذلك شعب(الكوتي) الذي تطلق عليه الكتب العربية أسم (الكوتييون)، والذي أستولى على بلاد (سومر) ثم على (سومر وأكد) حوالي
2649 ق.م. فحكموها لمدة 125 عاما.

كما تشير وثائق بلاد الرافدين وبالتحديد جدول الملوك الذي أكتشف في (نيبور) إلى اسماء واحد وعشرين ملكا من الملوك الكوتيين. بل ان المستشرق (هول) يذكر في كتابه (تاريخ الشرق الأدنى القديم) وفي جدول الملوك القدماء أن الملك (آننا توم) هو اول الملوك الكوتيين الذي حارب (الإيلاميين) في القرن الحادي والثلاثين (
3100) ق.م. كما يذكر ايضا بأنهم أستولوا على بلاد (أكد) ونصبوا انفسهم ملوكا عليها، وكان (كودي أو جودي باتيس) ملكا على (لكش) من حيث ان (باتيس) تعني بالسومرية (الملك)، واسمه يعني (الملك الكوتي).

كما يشير الباحث (سبايزير) في كتابه (شعوب ما بين النهرين) عند تحليله لجدول ملوك سومر وأكد بان هناك الكثير من الأسماء المتشابهة بين السومريين والكوتيين، لاسيما بعد إستيلائهم على بلاد (أكد). إلا أن سيطرتهم إنتهت عندما دحرهم ملك (أور) في
2524 ق.م. فاضطروا الرجوع غلى جبال زاغروس، لكن عندما أغارت عشائر (الكاساي)، التي كانت تسكن تلك الجبال ايضا، على بلاد (بابل) كانت تلك العشائر معها ايضا.

ويؤكد (سبايزير) بأن عشائر (الكاساي – كوسي- كوشو) كانت تسكن في منطقة (كرمنشاه) الحالية، وهم من السكان الأصليين لتلك الجبال وليسوا من الشعوب المهاجرة. وانهم مع مرور الزمن نزحوا عن الجبال شيئا فشيئا واستوطنوا الضفة اليسرى من نهر دجلة شرق (بابل) وأخذوا يمارسون الزراعة، وكان الأكديون يطلقون عليهم اسم (كاشو)، كما جاء ذكرهم في العهد القديم باسم (الكوش). وقد استولى هؤلاء في القرن الثامن عشر قبل الميلاد على (بابل) فاحتلوها وحكموها أكثر من ستمائة عام الى ان قضى (سنحاريب) على دولتهم في القرن السابع قبل الميلاد، فعادوا الى جبال زاغروس والى (لورستان) الحالية.

ويشير المستشرق (راو لينسون) بعد دراسته للآثار القديمة المكتشفة في منطقة (سوس) باقليم خوزستان بان شعب الكاساي كان موجودا في عهد الدولة الرومانية وحتى فيما بعد الميلاد، وان موطنه هو (لورستان). ويشير المستشرقان (سبايزير) و(هرزفلد) الى ان عشائر (كاساي أو كاشو) كانت ايضا ضمن دولة العيلاميين، إلا ان العلامة (محمد أمين زكي) يشير إلى انه رغم عدم وجود أية مشابهة لفظية بين لفظ (كاساي – كاشو – كوشي) ولفظ (لور – لر) ـ إلا انه ليس بالبعيد من ان لفظ (لور – لر) كان يطلق في باديء الأمر على فرع من شعب الكاساي، ثم صار علما لجميع قبائل تلك المنطقة، رغم ان المستشرق (سبايزير) يذهب غلى ان لفظ (لور – لر) قريبة من لفظ (لوللو).

علما ان المؤرخين العرب أمثال (الإصطخري) في كتابه (الأقاليم) و(ياقوت الحموي) في كتابه الشهير(معجم البلدان) وهما من القرنين العاشر والثاني عشر ميلادية يذكرا (اللور ولورستان) في كتابيهما حيث يذكر (الإصطخري) بأن (لور أو اللور) مدينة أو محل أشتهر جيل من الناس باسمها. أما (ياقوت الحموي) فيقول في مادة (اللور) بانهم قوم من الأكراد يسكنون الجبال الواقعة بين أقليم خوزستان وأقليم أصفهان ويطلق على موطنهم هذا أسم (لورستان) أو (بلاد اللور).

الكورد الفيليّون

يشكل الكورد الفيليّون أحد مكونات الشعب الكوردي الجوهرية والأساس. وقد تضاربت آراء الباحثين والأكاديميين حول تحديد هويتهم وتحديد أصل تسميتهم ب(الفيليّن). فالمستشرق الروسي المعروف (فلاديمير مينورسكي)، ويؤيده في ذلك كل من : جون مالكولم، براون والباحث الكوردي (د. إسماعيل قمندار)، يعتقد بان البدايات الأولى لظهور مصطلح (فيلي) كان في القرن السادس عشر، حيث إستخدمت هذه اللفظة للتمييز بين إمارة (اللر الصغير) وحكامها الذين يعتبرون انفسهم اللر الحقيقي والفعلي (الفيلي) مقارنة باللر الكبير الذين يحسبون كإمتداد لهم وليس الأصل. معتمدا على ان تطور وتحول لفظة (فعلي) نحو (فيلي) ينسجم مع القوانين العامة في معالجة الأحرف والمفاطع الصوتية الأجنبية في لهجة اللور الصغير. رغم ان هذا المصطلح لم يستخدم في تلك المناطق إلا نادرا، بينما صار يستخدم في القرن التاسع عشر إلى سكان منطقة (بيشتكو) فقط، علما ان إستخدام هذا المصطلح حتى من قبل سكان (بيشتكو) حاليا لا يطلق إلا على كورد هذه المناطق الذين صاروا ضمن حدود الدولة العراقية بعد ترسيم الحدود بين إيران والعثمانيين في العام
1905، علما ان سكان خانقين ومندلي، وهم من الأكراد الجنوبيين، لا يستخدمون هذا المصطلح للتعريف بأنفسهم. علما أن هذا المصطلح يستخدم لتمييز هذه الشريحة من الكورد من الناحية المذهبية، من حيث انهم من اتباع المذهب الجعفري.

وهناك آراء (منهم الباحث الراحل نجم سلمان مهدي) تعود بأصل هذا المصطلح إلى إنه مشتق من إسم الملك الإيلامي – العيلامي (بيلي) الذي أسس سلالة بأسمه في دولتة (إيلام) حوالي العام
2670 ق.م. وإن أسم (بيلي) تحول بمرور الزمن إلى (فيلي) من خلال تحول (الباء) الى (فاء) على غرار تحول أسم (بارس) القديم إلى (فارس) حاليا.

وهناك عدد من الباحثين والأكاديميين (منهم حيدر ايزد بناه، خسرو غوران، د. حامد عيسى محمود و عبد الرحمن مزوري) يؤكدون بأن جذور كلمة (فيلي) تعود إلى زمن الميديين (
884550) ق.م. كما يؤكد الباحث اللغوي والتاريخي الأيراني (د. محمد معين) في كتابه (المعجم الفارسي) بأن الشعب الميدي كان يعرف تاريخيا بـ (بهلة – بهلو) ثم صار هذا المصطلح يطلق حصرا على أرض الماديين أو الميديين. كما يؤكد بأن هذه بان هذا المصطلح إستمر حيا حتى في زمن الساسانيين (224-652)م، إذ أخذت بعض اسرهم النبيلة تحمل لقب( بهلو) للدلالة على رفعة مستواها. بل ويذهب هنري فيلد وعبد الرحمن مزوري ابعد من ذلك حينما يقارنون مفردة (بيلي) بلإشتقاقها السومري الذي يعني الشجاعة والبسالة وهو نفس معنى الكلمة وفق تفسيراتهم ومقارنتاتهم اللغوية لملحمة الشاهنامة للفردوسي.

وجاء ذكر (بهلة) كمنطقة جغرافية في المصادر العربية لأول مرة في القرن العاشر الميلادي في كتاب (مختصر تاريخ البلدان) لأبن فقيه الهمداني، إذ يشير بأن هذه المنطقة تضم : همدان، ماسبن (إيلام)، سمرة (درهشهر)، ماه البصرة (نهاوند)، ماه الكوفة (دينور)، وكرمنشاهان. كما ان (أبن النديم) في كتابه (الفهرست) يذكر هذه المدن نفسها تقريبا وينسبها لمنطقة (فهله)، مثلما يذكر (الطبري) في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) بأن (الفهلو) هم أهل كورة الجبال.

كما يرد ذكرهم في ملحمة (الشاهنامة) للفردوسي كطائفة معروفة في تاريخ ايران، كما يؤكد الباحث عبد الرحمن مزوري بأن الفردوسي يستخدم لفظ (بهلو) بمعنى الجبل أيضا، ولإشتهار سكان الجبال بالإقدام والشجاعة فقد أخذت هذه الكلمة تتعطي معنى الشجاع، ولربما من هنا أشتق لفظ (بهلوان) في اللغات الكوردية والفارسية والأوردية. والغريب ان لفظ (بيلي) يعني بالسومرية الشجاع والباسل أيضا.

وبعيدا عن الغور الأكاديمي في البحث عن اصل كلمة (فيلي)، نستنتج مما تقدم بان الكورد الفيليين هم سكان أقصى الجنوب من كوردستان، وبالتحديد منطقة (بيشتكو) و(بيشكو) وهم وحدهم المقصودين بهذه التسمية. وصارت ذات دلالة مذهبية أكثر مما هي سمة قومية.