حول الكرد الفيلية مرة أخرى


كنت قد نشرت مقالاً حول أهمية وحدة الكرد الفيلية في المرحلة الراهنة بشكل خاص باعتبارهم جزءاً من الشعب الكردي في العراق، إضافة إلى الصراعات الجارية حول جملة من المسائل الدستورية ذات الأهمية الفائقة لمستقبل العراق. وكانت أيضاً تؤشر واقع التبعثر الذي تجلى في الانتخابات الأخيرة في موقف الكرد الفيلية وسيطرة الجانب المذهبي السياسي على الجانب القومي والوطني العراقي. وقد كتب الزميل الفاضل دانا جلال مقالاً بحلقتين ناقش القضية التي تمس تقريباً موضوع الكرد في المركز والأطراف وضرورة وجود حزب سياسي للكرد في الأطراف وفي الخارج.
ابتداءً أشير إلى احترامي للرأي الذي يطرحه الأخ السيد دانا جلال وكل رأي يطرح بهذا الصدد، رغم اختلافي أو احتمال اختلافي معه في الرأي. إلا من الضروري أن أؤكد ما يلي:
• إن من حق أي مجموعة بشرية أياً كان عددها أو قوميتها أو وجهتها الفكرية والسياسية أن تشكل الحزب السياسي الذي تراه معبراً عن مصالحها الملموسة. وليس هناك من يستطيع أن يسلب هذه المجموعة أو تلك مثل هذا الحق في أي وقت من الأوقات وإلا لأعدنا الاستبداد إلى العراق. وهذا يعني بالملموس أن أي مجموعة من الكرد الفيلية لهذا الحق في ذلك، بغض النظر عن فكرة المركز والأطراف. ومن حق أي مجموعة سواء أكانت قومية أم قومية ديمقراطية أن تمارس هذا الحق أيضاً.
إذاً، لِمَ كتبت هذا المقال؟ ليس من عادتي أن أكتب مقالاً للترف، بل أكتب مقالاتي عندما أحس داخلياً بضرورة ذلك وأحاول أن أنبه لمخاطر معينة بعيداً عن أي غرض يحركني سوى الدفاع عن مصالح المجتمع أو مصالح العرب أو الكرد أو القوميات الأخرى في عراق ديمقراطي فيدرالي متحرر ومستقل ومدني حديث. وربما أكون مخطئاً فليس هناك من هو معصوم عن الخطأ! لقد تابعت خلال السنوات الخمس الأخيرة حركة الأخوة الكرد الفيلية في الخارج بعناية، وتابعت اجتماعاتهم في المدن الأوروبية وقرأت النظام الداخلي والقرارات التي اتخذت والاتجاهات التي تجلت فيها، وكذلك في أعقاب الإشكاليات التي برزت في نشاطات المجموعات المختلفة والصحيفة التي صدرت وما ارتبط بها من مواقف متباينة. وأخيراً تابعت الانتخابات الأخيرة في الداخل والخارج والتصويت الذي جرى واقترن بتأثيرات معينة هي في قناعتي لم تكن في صالح قضية الكرد الفيلية ولا مجمل القضية الكردية في المرحلة الراهنة وفي جو الصراع الجاري في العراق وخاصة بين الموقف المدني الداعي إلى إقامة دولة علمانية وبين الموقف الداعي إلى إقامة دولة دينية على غرار الدولة الإسلامية الإيرانية أو ما يقاربها في العراق.
وبهذا القدر دعوت بصراحة إلى وحدة الموقف الكردي الذي يخدم بشكل مباشر وحدة العراق ومدنية وديمقراطية الدولة العراقية المنشودة في المرحلة الراهنة في مقابل الدعوات المناهضة لفيدرالية كردستان كما تجلت أخيراً في مظاهرات جماعة وميليشيات مقتدى الصدر المناهضة للديمقراطية أيضاً. والحركة القومية والديمقراطية الكردية تلعب في هذه المرحلة دوراً أساسياً في ميزان القوى المختل بين القوى الدينية والديمقراطية.
إن القول بإمكانية التحالف لا يعني بالضرورة بين أحزاب سياسية، إذ من الممكن لشخصيات كردية فيلية أو جماعات مدنية أن تساند قوى وأحزاب كردية قائمة في كردستان العراق ولها فروع في بغداد أو مع قوى ديمقراطية عراقية تجمع العرب والكرد وغيرهم، كما في الحزب الشيوعي العراقي أو أحزاباً ديمقراطية أخرى، كما في الحزب الوطني الديمقراطي أو مجموعات يسارية أخرى أو تتحالف معها. إذ لا يعنيني إلى أي من الجهات الديمقراطية يعطي الكرد الفيلية أصوتهم، بل يهمني أن فكر الكرد الفيلية في الصراع الجاري حالياً حين يمنحون أصواتهم لكي لا تصب في الوجهة الطائفية السياسية المحتدمة حالياً في الساحة السياسية العراقية والتي يفترض أن نقاومها وفق أسس ديمقراطية وصراع فكري مناسب.
إن البدء بتشكيل حزب كردي فيلي سيفتح الباب لتشكيل الكثير من الأحزاب الكردية الفيلية، وحالياً يمكن متابعة بعض الخلافات التي ظهرت بين الأخوة، وهو أمر طبيعي بسبب تعقيدات الحياة ومشكلاتها واختلاف وجهات النظر إزاء المعالجات والحلول. إلا أن هذا سيقود إلى التبعثر، وهو ما قصدته في مقالي الأنف الذكر، وليس شيئاً آخر. وإذا كانت هناك رغبة لتشكيل الأحزاب فليس هناك من يستطيع منع هذه الرغبة أو الإرادة.

21/8/2005 كاظم حبيب
المصدر: صوت العراق