الفدرالية الدينية واقليم الجنوب الشيعي


تساؤلات عديدة تثار هذه الأيام حول الفدرالية الشيعية وهل يحق للشيعة ان يطالبوا بالفدرالية وما هي طبيعة هذه الفدرالية وعلى اي اساس تستند ومن سيكون مسؤولا عن طرحها وما هي ماهية تكوينها ومن هنا تاتي الأجوبة المتضاربة والمتناقضة من اطراف متعددة ومن القيادات الشيعية نفسها واهم هذه التصريحات هي التي ادلى بها قادة يؤيدون الفدرالية واهم رموزهم السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الأسلامية الذي يعتقد بانه من الضروري تشكيل اقليم في الجنوب و ما صرح به السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر والذي قال ينبغي أن تكون للشيعة حكومة فيدرالية في جنوب العراق وأن يكون هناك اصرار على تشكيل اقليم واحد في الجنوب والا سيحصدون الندم ويعتقد بان الشيعة لم تحصل على اي شئ من الحكومة المركزية سوى عمليات القتل

ومن ناحية اخرى يفكر الكثيرون ومن أطراف سياسية شيعية متعددة في عدم رغبتهم في اشراك المرجعيات الدينية في الشأن السياسي ومنها الفدرالية والدستور والأنتخابات وهناك الكثير من يرفض تدخل رجال الدين بشكل عام في التوجهات السياسية ويحاول عدم زج الدين في السياسة وترك امور الدولة وشؤونها للناس المختصين والسياسيين

الخلافات الشيعية الشيعية :
تعتبر الخلافات بين الشيعة انفسهم من أخطر الخلافات واعمقها وهي تمثل صراعا عميقا على المقاعد وكراسي الحكم من ناحية وصراع على النفوذ الديني وتقاسم هذا النفوذ وما يدره عليهم من مكاسب مالية تتقاسمه فيما بينها مختلف المراجع الدينية وقد برزهذا الخلاف بشكل واضح عندما قتل السيد عبد المجيد الخوئي مع السيد حيدر الكليلدار من قبل اتباع مقتدى الصدر وفلول ما يسمى بفدائيي صدام التي انضوت فيما بعد بما يسمى جيش المهدي التابع الى مقتدى الصدر ويمثل مقتدى الصدر مرجعية والده سماحة السيد محمد باقر الصدر بينما كان المرحوم عبد المجيد الخوئي يمثل مرجعية والده المرجع الشيعي الكبير سماحة السيد أبي القاسم الخوئي ويبرز الخلاف ايضا بين مجموعة اتباع الخالصي والذين بينوا رفضهم لكل المنظمات والأحزاب الدينية التي تعاملت مع القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها من القوات البريطانية والقوات المتعددة الجنسيات
ويبرز خلاف آخر وبصورة قوية ليبلغ أشده عندما أعلن السيد رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري مساندته وزيارته الى مقتدى الصدر ورفضه المصادقة على قرار قاضي التحقيق بما يتعلق بمذكرة التوقيف والتحقيق بحق مقتدى الصدر وبهذا يكون الجعفري قد وضع نفسه في موقع الشريك في الجريمة والمساند لها ومقدم الحماية القانونية والمعنوية لشخص متهم بالقتل والأدلة والقرائن الكثيرة والاعترافات كلها تدل على ذلك ، ومن ناحية اخرى فان سلوك الجعفري هذا يثير تساؤلات عديده حول سبب تحوله عن الدفاع عن المرحوم عبد المجيد الخوئي وكشف اسباب ودواعي قتله بينما يعلن وبشكل مباشر ومن خلال القنوات الفضائية وقوفه ومساندته الى شخص مثل مقتدى الصدر الذي يقف بكل وضوح مع القتلة ويساندهم علما بان السيد الجعفري قد برزت شهرته من خلال عمله في مركز الأمام الخوئي في لندن من خلال نشاطات المركز وكونه مؤسسة دينية مرموقة وصلت الى اروقة الأمم المتحدة وكان لها ولا يزال مكانة وسمعة مرموقة لدى الحكومة البريطانية والحكومة الأميركية

كما لا يخفى وجود صراع واضح بين ما يسمى بجيش المهدي وميليشيا قوات منظمة بدر والتي تساندها ايران وتمولها ماليا ، وان وقوف السيد الجعفري مع ما يسمى بجيش المهدي والذي يتزعمة مقتدى الصدر يشكل ضربة كبيرة للتحالف بين حزب الدعوة الأسلامية بقيادة الجعفري وحزب المجلس الأعلى للثورة الأسلامية يقيادة عبد العزيز الحكيم

وثمة ملاحظة مهمة هي ان القيادات الشيعية بدأت تزج اولادهم في اللعبة السياسية من امثال عمار الحكيم ومحمد السيستاني ومقتدى الصدر والكثير من اسماء الشباب الذين ليست لهم خبرة في شؤون المرجعبة وانما وصلوا عن طريق استخدام اسماء ذويهم والوصول الى المناصب الحكومية وهذا بدوره يثير الخلافات والنعرات فيما بين الفصائل الشيعبة المتعددة ونحن بدورنا نستغرب لماذا لم يزج القياديون الشيعة بالعنصر النسائي في القيادات السياسية ويبدو ان النساء والزوجات يقودون اولادهن من وراء الكواليس وفي مجالس التعزية للنساء والتي عاده لا يصاحبها ضجيج اعلامي

الخلافات الكردية الشيعية :
تتمثل الخلافات الكوردية الشيعية بعدم الثقة بين الجانبين ، خصوصا وان الممارسات التي تمت بحق الكورد من قبل اخوانهم العرب على مدى التاريخ تثبت ذلك من خلال الممارسات القمعية التي واجهها الكورد على مدى ثمانين عاما من القمع العربي للكورد متمثلة بقصفهم بقنابل النابالم المحرمة دوليا سنة
1974 لمدينة قلعة دزة وكذلك القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة وحملات الأنفال السيئية الصيت وتدمير القرى والمدن الكوردية وازالتها عن بكرة ابيها وقتل كل من كان يسكن فيها وكذلك الحملات الشنيعة بحق العوائل البارزانية حيث جرى نفيها وابعادها الى مناطق مجهولة في صحراء العراق ثم اعدامهم بشكل جماعي ويضاف الى ذلك حملات التعريب والتطهير العرقي بحق الكورد الفيليين واهالي مدينة كركوك والمناطق المحيطة بها حيث قتل واعدم معدم المغيبين في سجون النظام من دون معرفة مصيرهم ووقت او تاريخ اعدامهم
كل هذه العوائل جعلت التعامل مع العرب بشكل عام فيه الكثير من الريبة والحذر واذا ما تم الأتفاق مع اي طرف يتوجب اخذ الحيطة والحذر الشديدين ووضع الأتفاقات ضمن شروط وضمانات دولية ومنها نرى ان الأتفاقات التي حدثت مع الأطراف والأحزاب والشخصيات الشيعية سرعان ما تم الألتفاف عليها اما بسبب العقلية التسلطية للعرب بشكل عام او بسبب فقدان الثقة بين الجانبين ونقض العهود والأتفاقات المكتوبة والمدونة بين الجانبين الكوردي من جهة والعربي الشيعي او العربي السني من جهة اخرى

نلاحظ ان الكورد يخشون من الفدرالية الدينية التي ينادي بها الشيعة لأنها ومن خلال تجربة الكورد في الجمهورية الأسلامية الأيرانية ستطمس حقوق الكورد بحجة الدين الأسلامي والأدعاء بان الدين سوف يضمن حقوق الجميع من المسلمين بدون استثناء

هذا الأدعاء باطل بالنسبة للكورد من خلال التجربة العملية للكورد القاطنين في ايران وما يمارسه حكم اتباع ولاية الفقيه بحق الكورد في ايران من اضطهاد وتعسف وان الكورد في العراق لا يريدوا ان تعاد التجربة عليهم من قبل رجال الدين الشيعة في العراق خصوصا وانهم يحملون نفس الأفكار والتشابه في العقيدة الفكرية او المذهبية وان التشابه في الممارسات من حيث المبدأ والتنفيذ مع نظرائهم الأيرانيين وربما تكون الوصاية الأيرانية قادمة للكورد بشكل مباشر او غير مباشرعن طريق الساسة الشيعة في العراق وهم الذين لهم الأستعداد الكامل لتنفيذ القرارات والتعليمات من قبل ولاية الفقية الأيراني

تتمثل الخلافات الكوردية مع الشيعة في الوقت الراهن على موضوع الفدرالية بشكل رئيس حيث يعتبر الكورد وخصوصا ما جاء على لسان القيادي الكوردي فؤاد معصوم من ان الفدرالية خط احمر لن يتجاوزه الدستور واهمية صياغة الدستور بطريقة التوافق بين الأطراف المعنية وليس بطريقة التصويت

كما ان مشكلة كركوك تمثل اختبارا حقيقيا لنوايا الشيعة في تعاملهم مع هذا الملف كما تمثل اختبارا حقيقيا للكورد تجاه شعبهم الذي يتطلع الى نتائج المفاوضات وما ستسفر عنه من نتائج ، فاذا كانت نوايا الشيعة صادقة فان هذا الملف الشائك سيتم حله بشكل مرن

ان مشكلة كركوك خلقها واسس لها النظام العفلقي وان رموز التطبيق اغلبها من القبائل والعوائل الشيعية الذين جاء بهم النظام السابق واسكنهم في القرى والأراضي التابعة للكورد والتركمان والكلدواشوريين وهجر اكبر عدد ممكن خارج مناطق سكناهم بطريقة بشعة استخدم فيها جميع الأساليب من اغراء وتوزيع الأموال والأراضي والقروض المالية للوافدين وفي الوقت نفسه قمع سكان المدينة و تم ترحيلهم عن مدنهم وقراهم في عملية واسعة من التطهير العرقي والأعدامات والقتل والأرهاب والنفي والأبعاد وكل الأساليب الوحشية التي كانت تقوم بها اجهزة القمع الحكومية للنظام العفلقي المجرم

ومما يؤسف له ان الشيعة يحاولون المماطلة والتسويف لهذه المشكلة مما اثار الشكوك لدى الجانب الكوردي مما دعاه الى اعادة النظر في اسلوب التعامل مع هذه الأحزاب التي تحمل في مناهجها افكارا غاية في التطرف والرجعية المقيتة التي تختلف مع توجهات الأحزاب الكوردية التحررية العلمانية المعتدلة

ومن النقاط الخلافية الأخرى بين الكورد والعرب الشيعة هي مسألة تقاسم عوائد الثروة الوطنية وما إذا كانت ستتحول الى الادارات المحلية ام الدولة ، يطالب الكورد بان تكون الثروات الموجودة في كوردستان تحت تصرف الكورد او ان يكون لهم دور اكبر واهم في التصرف بعائداتهم مع مراعاة الظروف العامة للتعامل مع ادارة وسلطة المركز في بغداد ونفس الشئ ينطبق على تنفيذ وتوقيع الأتفاقات التجارية والأقتصادية مع دول العالم وخصوصا العقود المتعلقة بالصفقات الكبيرة والمهمة والتي تؤثر في السياسة العامة للعراق وتؤثر على علاقتها باقليم كوردستان

كما توجد أمور خلافية كثيرة تتدرج في اهميتها ودرجة حساسيتها ويتوجب التفاهم عليها بشكل واضح وصريح ووضعها على الورق بشكل لا لبس فيه وكتابة كل التفاصيل بدقة وخصوصا ما يتعلق بعلاقة البرلمان الكوردي وصلاحيته وعلاقته بالبرلمان او الجمعية العراقية وكذلك التمثيل الدبلوماسي والعلاقات الدولية وصلاحيات ودور المسؤولين الكبار في اقليم كوردستان ومن يقابلهم في الدولة المركزية

ومن الخلافات المهمة هو رفض الكورد لآن يكون الأسلام هو المصدر الأساسي للتشريع وانما يصرون على ضرورة ان يكون الأسلام هو واحد من مصادر التشريع المتنوعة وخصوصا ما يتعلق بحقوق المرأة واسلوب التعامل معها حيث ان المرأة في المجتمع الكوردي لها نصيب وافر وحظ اوفر مما هي عليه عند المرأة العربية المغلوبة على امرها بسبب تسلط الرجل الشيعي وفرض فحولته بحجة الدين وفرض الحجاب والعادات البالية التي طالب المثقفون والنخب الواعية بان تتحرر منها المرأة منذ نصف قرن من الزمان

يبقى عامل توازن مهم واساسي في مجمل اللعبة السياسية التي يلعبها الساسة العراقيين الا وهو التوازن الأميركي والمطالب الأميركية التي لا تسمح بان يمر اي شئ يخالف ما تم الأتفاق عليه قبل عملية التحرير او الأحتلال مع جميع الأطراف السياسية العراقية منها او الدول المتحالفة معها في عملية الأحتلال الشرعي للعراق اي الذي تم اقراره بقرار من مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة

ان اميركا لا يمكنها ان تفرط بمصالحها الحيوية والأساسية في المنطقة خصوصا بعد التضحيات الجسام والعدد الكبير من الضحايا والقتلى من الجنود الأميركان وغير الأميركان وهذا يؤكد بشكل لا يقبل الشك ، ان اميركا تهدف الى الأستفادة من احتلالها للعراق بكل ما تستطيع من امكانيات وان تجعل من هذه المنطقة موقعا استراتيجيا مهما ولن تفرط به من اجل الأفكار التي يحملها حلفائها من الشيعة او من الكورد او من عرب السنة الذين لهم كل الأستعداد لاسترجاع مكانتهم المفقودة عند الأميركان

خلاصة القول ان مصالح اميركا لها الأولوية على جميع المصالح الأخرى وسوف لن اي يمر اي مشروع مهما كان صغيرا من دون موافقة اميركا عليه وهذا هو الضمان الوحيد للقوى العراقية التي ايدت دخول الأميركان والتحالف معها في سبيل التخلص من اعتى دكتاتورية في هذا العصر واكبر طاغية شهده العراق في عصره الحديث

ضياء السورملي
Kadhem@hotmail.com
www.kadhem.net
14/8/2005