لماذا العداء للأحزاب الأسلامية ؟


يظهر البعض حقدهم على التنظيمات التي تمتلك رصيدا كبيرا في المجتمع ولها ماضي مشرف وقدمت قرابين من الشهداء في سبيل خلاص الشعب من تلك الحقبة السوداء في الوقت الذي كان عدد ا كبيرا من هؤلاء ادواتا في السلطة البعثية ، أو غير معارضين لها على طول مسارهم الزمني بدون انقطاعات معينة . ثم انهم يظهرون حقدهم على الأسلام السياسي الشيعي فقط، وليس الأسلام السياسي السني . رغم اننا نريد لهذه المقالة ان تكون دراسة علمية لموقف الأسلام كما نفهمه من السياسة.
ان نظرتنا كأسلاميين للسياسة، انها في جوهرها لخدمة مصالح الناس، وادارة شؤون البلاد، أو قل التعاون مع الآخرين في ذلك على قاعدة من الأسس والمشتركات التي ينبغي لها ان تمثل الهم الوطني المشترك، نحن نتكلم هنا بصورة خاصة عن حالتنا العراقية المعقدة، وهذه المشتركات نجدهاعموما عند الآخرين، على الأقل في خطابهم السياسي، وهذه تشمل أساس الديمقراطية، الأمن الداخلي، الفدرالية، وحدة وسيادة العراق، مكافحة الفساد، والعدالة الأجتماعية وصولا الى الأنتعاش الأقتصادي والرفاه الأجتماعي. رغم عدم تمكني من الأدعاء بأن كل هذه المشتركات موجودة عند الأحزاب والأتجاهات الرئيسية بنفس القوة أو التماثل في سلم الأولويات بل حتى ان بعضا من الأحزاب تتحفظ أو ترفض بعض تلك المشتركات الضرورية، على العموم فيما يتعلق بالتنظيمات الأسلامية الشيعية الرئيسية فقد توافقت على تبني كل المشتركات التي ذكرناها.

ان تدافع الأولويات وتفاوتها بين حزب وآخر، أو اتجاه وآخر يعتمد على الأسس التي تقوم عليها هذه الأتجاهات ان الأساس المعتمد عند الأسلاميين هو الأساس الفلسفي ذو القاعدة الدينية في نظرته للكون والحياة.

وأكاد ان اجزم ان الأسلاميين بقوا وحدهم اصحابا لأيديولوجية ذي بعدين، فلسفي وسياسي، وسوف اذكر السبب لاحقا وراء تحديدي هذا. بكوننا نمتلك هذا الوعي العميق للحياة لا من الناحية الشكلية فحسب ، وانما تجسيد واقعي مترابط بشكل عضوي في كل نواحيه المتعلقة بالحياة والكون وصولا الى مقاربات ترتقي الى مستوى مذاهب في الأجتماع والأقتصاد والسياسة أقول مذاهب ، لعدم تنكرنا بوجود البعد العلمي الأكثر ولوجا في تخصصة في العلوم ألأقتصادية والأجتماعية والسياسية.
هذا مع التذكير دوما كمبدأ ثابت ثبوت اسلاميتنا، واقصد باحترامنا لكل فكر وقناعة دينية كانت أو مادية أو لنقل ألهية أو وضعية ، بشرط الابتعاد عن الغلو والتطرف وثقافة العنف، حتى لو كان على مستوى عنف الكلمة وعنف الفكرة ، بل ندعو لدستور ديمقراطي يمنع تحول العنف في الفكرة إلى عنف في الموقف، لأن العنف في الفكرة يبقى هو الرحم الذي تولد منه حالات العنف بالموقف والأداء ، وهذا العنف إذا ما تصاعدت وتيرته يتحول إلى إرهاب ، لا بد أن يخلو المستقبل منه.

ان الأسلاميين يؤكدون دوما بعدم امكانية فصل الفكر عن السياسة، السياسة كما نفهمها هي حركة للفكر في الواقع من اجل اعادة تشكيله وتأسيسه من جديد وفقا للرؤية الخاصة بهم بأيديولوجيتها الفلسفية والسياسية، فالسياسة في مفهومنا هي عقائدية الأهداف والوسائل والأساليب، وبذلك لابد للسياسي الأسلامي استيعاب هذا البعد جيدا قبل نزوله الى الساحة كمنافسا للتيارات الأخرى أو ممارسا للتحليل السياسي. ونتيجة لذلك لابد ان يكون الحزب الأسلامي اكثر صدقا في طرحه لأهدافه، فأيمانه العقائدي بالأصول الخمسة والتي منها المعاد ، تجعله ساعيا بأخلاص لأنقاذ البشرية ، لأيمانه بأهدافا أخروية بجانب سعيه الدنيوي الذي يبغي به رفاه وسعادة وتقدم الناس من خلال التعامل الواعي مع الوسائل المتاحة، ،بل السعي الحثيث بأتجاه تطويرها وتأصيلها، ان الحزب الأسلامي هو عطاء دائم لا نخبة تدور حول نفسها لتعيد انتاج مقولات لايسمعها سواد الناس ، بل هو حركة كما قلنا في المجتمع ينطلق من استيعابه للثقافه السائدة وقوانين الصيرورة الأجتماعية من زاوية فهمه الخاصةووعيه الأسلامي العميق لها.
ثم نحن نؤمن بمرحلية العمل السياسي وتاريخيته ومكانيته أو قل زمنمكانيته دون الأغفال عن حقيقة كونها حلقة في سلسلة أو جزء من كل يتمثل في حركة التاريخ بمجمله ، نفهم هكذا الحدث السياسي باعتبارة نتيجة لماضي له ومقدمة لمستقبل منتظر مع عدم اغفال الواقع من خلال الأستفاضة في دراسته ووعية من اجل تسخيرة وتوجيه حركته مستفيدا دائما من زخم الجماهير الذي نعمل لهم ومن خلالهم لبلورة حالة تساعدنا في تشخيص الأتجاه الصحيح الذي يعجل من زخم صيرورة التحول الأجتماعي وبذلك نكون قد استشرفنا على المستقبل الذي نريدة لابميكانيكية ساكنه نسبيا منطلقة من حاضر راكد، بل من خلال حركية تمكننا من اختصار المسافات ، وتعويض السلبيات المتراكمة تاريخيا ، هذا كله في اطار وعينا العقائدي العميق. ان الأسلامي بذلك يمتلك صورة واضحة للواقع وتغييره ، دون أعلان رفضا مجردا، من خلال النظر والعمل في آن واحد مع عدم اغفالنا ونحن في هذا الطريق من خطورة الوقوع فيما يمكن ان نطلق عليه الأحتراف السياسي المنفلت ، أو قل غير المحكوم بالضوابط الشرعية ، كي لا يبتعد السياسي الأسلامي عن اخلاقه الدينية، ليتحلى دائما بالصدق والأخلاص وهو في طريقه ، وجهاده واقصد جهاد الموقف الصادق ، جهاد الكلمة الواعية ، جهاد تحصيل امكانيات العصر العلمية هذا هو مصداق المفهوم عندنا نحن الأسلاميون الشيعة ، نحن ضحايا الأرهاب قبل غيرنا ، مع احترامنا وايماننا بحرمة الروح البشرية عموما بنفس مقدار المساواة في الحرمة مع ارواحنا نحن.

وهنا انوه وبعجالة، مع الأستعداد التام ان يتحول الى شرح مفصل لكن في مناسبة أخرى،على خطورة مايذهب اليه بعض الأقصائيين ، من أي اتجتاهات فكرية كانوا ، بتجنيهم على الحقيقية أو العلمية مما يؤدي بهم الى الأبتعاد على العقلانية التي لاتتحقق العدالة بدونها في التلاعب بل قل استخدام أرهاب المصطلحات ضد الحالة الأسلامية الأصيلة التي نتكلم عنها، بمساواتنا مع شذاذ الآفاق بأطلاق مصطلح الأسلامويون تمييزا عن الأسلامي لمعرفتهم بواقع المصطلح الأخير اي الأسلامي في ضمير الأمة، لأيصال رسالة سلبية الى ذهن المتلقي بأسلوب غير حضاري، يفتقد الى الأنصاف، بغية استخدام اسلوب تسقيطي ضدنا ، وهنا اقصد بهم اصوليي اليسار،لا اليسار المعتدل المحترم لدينا كمنافس سياسي منصف، بل الذين احتكروا لفظة العلمانية كي يتستروا بها ضد اتهام الشعب لهم بالألحاد ، ليتجنوا على العلمانية ذاتها ، كما يتستر أزلام البعث الصدامي بستارحماية السنة ليحتكروا ويسيئوا الى هذه المذاهب المتعددة ، أو يحتكروا الديمقراطية ونسمعهم دائما في خارج العراق بالمطالبة بدستور ديمقراطي ، دون التطرق الى مايخص هموم الوطن ، أو مهاجمة البعث ، وكأن حزبهم ولد ديمقراطيا ، هل نسوا دكتاتورية البروليتاريا ؟. بينما الأسلاميون وهم بين شعبهم وداخل برلمانهم المنتخب يمارسون الديمقراطية، لتصل في بعض مجتمعاتهم المدنية الى ما يقرب من طقوس يؤدونها خدمة للشعب ، الأسلاميون يقدسون التعددية منطلقين من ثقتهم بعقيدتهم وتجذرها بالعمق في العقل الجمعي للأمة.
نحن نبتعد عن التشهير باآلآخر لثقتنا بأنفسنا، الأسلاميون اكثر صدقا في طرح الأهداف لأرتباطها بعقيدة اخروية تحتم عليهم تقديس الأنسان والأستغراق في جوانبه الأيجابية لتطويرها وتعميمها منطلقين من امامهم علي (ع) بأن الناس صنفان أما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، لتصبح هذه وقبلها عقيدتنا الأسلامية أمانة في أعناقنا ورقيبا لنا في سعينا في الأرض نحن ضمانة السلم المحلي والعالمي لأننا بعيدون عن ميكيافيلية الوسيلة " نحن اسلاميون في وسائلنا كما ذكرت مسبقا " في استحصال الحقوق التي قد تكون باطلا في اصلها، قد يسوغ غيرنا الكذب لتحقيق الهدف ، أو تغيير واقع ما يجده يسير بالضد من مصلحته الفئوية أو الآنية ، أما نحن فشعارنا المحبة للجميع والسلام والعدل العالميين. نحول ولائنا للله سبحانه وتعالى عملا صالحا يفيد الأنسان بما هو انسان، شعارنا الصدق في القول والأخلاص في العمل ورد الأمانة بعد حفظها.

نحن نعتقد ان العمل السياسي مرتبط بثقافة ومعرفة تؤثر في سلوك الممارس له تساعده في ادراك المواضيع الخارجية بنظرته الخاصة و ولهذا تؤثر الثقافة بعمل السياسي وتتأثر به ايضا ، أما أذا انفصلا، فنكون أمام تعاريف جديدة لهما فيكون العمل السياسي دون ثقافة سياسية واعية نوعا من التخبط والأرتجال ، وقد يتحول السياسي عندها الى مهرج وبهلوان بتقلبه المستمر المثير للأشمئزاز والسخرية ، وفي الوقت ذاته اذا توفرت ثقافة سياسية، ولكنها غير مرتبطة بعمل سياسي داخل الدائرة الأوسع للجماهير ،تكون حينها هذه الثقافة نوعا من الترف الفكري ليس الا.

والثقافة السياسية تنمو وتتسع وتتعمق بتجارب العاملين ومن خلال المعاناة والسير في خط العمل السياسي اي العيش السياسي بمعناه الواسع. والعمل السياسي السليم هو ذلك العمل المنبثق من وعي سياسي سليم. ويلخص الامام الصادق (ع) هذه العلاقة الثلاثية بين الوعي والعلم والعمل بقوله: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير الا بعدا."

ان من الصعوبة بمكان الأطمئنان الى حيادية المواقف أو التصريحات السياسية التي تصدر من اشخاص وكذلك عبر تحليلات تلفزيونية أوصحفية، بل انها على الترجيح ، أو الأعتقاد ، انها تنطلق من رؤى سياسية تستند الى مذاهب في الفكر أو الى عقيدة ما ، وهذا يدفع بنا الى استعراض مختصر نمر به بسرعة على اسس مختلفة تقوم عليها الأحزاب السياسية غير المتبنية للأسلام الأصيل كايديولوجية فلسفية وسياسية.

فهناك احزاب تعتمد مثلا على القومية كأيديولوجية سياسية ، تتعاطى على اساسها وفق المصالح المحددة بهذا الأطار التي رسمته لنفسها ، علما ان القومية لاتبتعد بدرجة أو اخرى عن ممارسة الأقصاء ، خصوصا عندما تكون في الفعل لا الأنفعال، أو قل ردة الفعل من اجل الحماية من حالة اقصائية شوفينية تمارس تطهيرا ضدها ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يستطيع الفكر القومي الأبتدائي الممتلك لزمام الفعل ، أو الفكر القومي الذي تحول مثلا الى الفعل ، بعد ان كان قد رزح لأمد طويل في الخندق المفعول ضدة شتى اساليب القهر ، ان يقدم مشروعا انسانيا يتفاعل مع فضاءات الحضارة العالمية ، أم يبقى مراوحا في مكانه ، ممارسا لصناعة الكراهية ضد الآخر القومي لغرض شحذ العواطف البدائية وحشدها من اجل الأبقاء على مبررات فشلها الحضاري بحجة مواجهة ذلك الآخر. لنا تجربة تاريخية لقومية دفاعية عربية ضد التتريك كما كانوا يدعون اصحابها لتتحول الى ايديولوجية عروبية شوفينية مارست التدخل بشؤون الغير في نسختها الناصرية ، ومارست القتل والأبادة الجماعية بحق شعبها في نسختها البعثية والعدوان ضد جيرانها ، بل لتشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين. اننا بهذه السطور القليلة لانستطيع ان نوضح موقف الأسلام من القومية كأيديولوجية سياسية مع قبولنا بواقع التعددية المتظمنة لها، دون نسخها المجرمة البعثية، بنفس رفضنا لتعددية تكون احدى اطرافها اسلامويين من قاطعي الرؤوس ، ومفخخي كل ما يمت للحياة بصلة في عراقنا الجريح.

كانت الماركسية في العراق تمتلك ايديولوجية فلسفية تنظر الى الكون من خلالها وكذلك ايديولوجية سياسية، اما الآن نجدهم وخاصة المعتدلين منهم والمشاركين في العملية السياسية الجارية في العراق ، أو على الأقل غير المخالفين لها قد ابتعدوا من ايديولوجيتهم الفلسفية أو قل لم نلاحظهم بشكل واضح يروجون لماديتهم الديالكتية أو نظريتهم المعرفية - وحسنا فعلوا كي يستطيعوا التحرك في وسط مجتمع عراقي له ثقافته الأسلامية أو قل مجتمع عراقي مؤمن.

وتسأل لماذا التركيز على الأسلام أو القومية أو الماركسية مثلا " طبعا مع عدم الندية المتساوية أو المتقاربة بين هذه الأختيارات، لصالح التنظيمات والاحزاب الأسلامية المشكلة لقائمة الأئتلاف العراقي الموحد في الأنتخابات العامة الأخيرة وكذلك انتخابات المحافظات " وتقول لماذا لايعتمد حزب معين فقط على البرامج السياسي ؟. الجواب كما قلنا مسبقا صعوبة حيادية مواقف تصدر من شخص أو مجموعة ، فكل انسان له ابعاد مختلفة ، مختزنة في مناطق واعية أولاواعية في عقله، ناتجة عن عوامل مورثة ومكتسبة، وكذلك عوامل الجغرافية والتعليم حتى المهنة، بالأضافة الى الأنتماءات الأوسع المعروفة. ثم لوفرضنا وجود اشخاص غير متأثرين بكل تلك العوامل، وهنا نطلق من فرض المحال ليس بمحال، لنفرضهم يتفقون فقط على اساس مشاكل آنية قائمة وكيفية حلها ليكونوا حزبا بهذا البعد فقط نجدهم في اثناء التطبيق أو التصدي لمشكلة اجتماعية ما تصادفهم بعيدا عن ايديولوجية معينة، لنجد لاحقا ان هذه المجموعة أو الحزب سوف يتميز في داخله على شكل رؤى متعددة تجتهد في مقاربة تلك المشاكل، لتتحول مع مرور الوقت الى منظومة افكار أو لنقل رؤى سياسية تبلورت في ظروف التطبيق لتلامس بل تصل في نهاية المطاف الى ايديولوجية سياسية فقط، دون اضافة فلسفية لها.

علينا ان نعلم أنه لاتعارض بين الاسلام والديمقراطية، ولا تلازم بين العلمانية والديمقراطية، ولا خطر على وحدة العراق من الفدرالية وان نترك كل هذه لرأي الشعب ، عندها نكون قد وضعنا خطوة في الطريق الصحيح، طريق بناءالعراق وتحقيق الرفاهية لشعبه. ولنا عودة ان شاء اللة لنبين عدم تلازم العلمانية والديمقراطية . بعد ان بينا في مقالة سابقة عدم وجود تعارض بين الديمقراطية والأسلام .

لنعود الى البدء ، لنقول لكل معارضينا مايلي : لاتمارسوا دورا أقصائيا ضد اي حزب مهما كان صغيرا بعدد منتسبيه مادام يعتمد السلم ويحارب الأرهاب ويسلك طريق المنافسة على قاعدة التعددية ، كيف الأمر يكون أذا كان هذا الحزب اوالتنظيم أوألأتجاه الأسلامي الشيعي بهذ العدد الهائل من المويدين ، وهذا التاريخ المشرف في مقارعة الدكتاتورية اننا نعتبر هذا تجاوزا على خطوطنا الحمراء المرسومة بدماء مئآت الآلاف من شهداء التنظيمات والأحزاب الأسلامية وملايين المقترعين لها في ذلك اليوم الأنتخابي الرائع. انكم بهذا تكادون ان تسقطوا حقكم في الديمقراطية و بأن تدفع الملايين ان تقول لا للبعثيين القدماء غير النادمين وغير المعتذرين أمام شعبهم عن كل جرائم البعث ، ولاللراقظين للأسلاميين .

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com
المصدر: صوت العراق، 12/8/2005