كي يكون النقد موضوعيا


في الأمس وانا أتابع قناة الفيحاء حول الكتابة في الصحافة الألكترونية و حول حرية الكلمة ومسؤوليتها في آن واحد ، ارى ان المتصدي لعمل سياسي أو اجتماعي ما لا بد ان يتعرض الى النقد ، وقيل الذي لايعمل لايهاجم " بضم الياء" أو لا يخطأ .لكن كي يكون هناك تمييز واضح بين النقد بسبب الأختلاف أو التقويم وبين ما هو تسقيطي الغاية ، بغض النظر عن قدرة الناقد على تسقيط هذا العامل أو ذلك فالعراقي واعي ، ومفتح باللبن وخاصة اذا اعطي مساحة متوازنة في قراءة المتبنيات الفكرية أو آلآراء السياسية لللذين يتعرضون للتقد السلبي أو المدح الذي في غير محله .

السؤال هو ماهي المعايير المميزة بين النقد البناء أو الهدام ان جاز لنا ان نسميه بهذه التسمية بين المتنافسين السياسيين أو حتى المتصارعيين السياسيين وصولا الى كتاب الصحفة الألكترونية المؤدلجين ، من العاملين أو غير العاملين حاليا في الساحة السياسية التي تتلاطمها الأمواج المرتفعة بأستمرار ؟

هنا اريد أولا ان لا أشخصن الموضوع ، لأني لا أعرف الأشخاص الناقدين وحقيقة دوافعهم ، وحتى لو عرفتهم بأشخاصهم عندها احاول ايضا توخي الموضوعية أي تجريد الموضوع من أشخاصه ، إلا ما يثبت فيه دخل الأشخاص في فهم الفكرة المناقشة، وتناول الفكرة بشكل مجرد.

- ثم احمل كلامهم وان كان فيه تجريحا شخصيا لهذا أوذلك أو لي، على المحمل الحسن . اي اقول انهم من المحتمل ينطلقون من نوايا سليمة ومن من منطلق الحرص على مصلحة هذا الحزب أو تلك الشريحة .

- علمتنا الحياة ان نتعامل مع الخصوم الفكريين بالعدل بعيدا عن التجريح لأننا هنا في دائرة الفكر ، هي لاتضم فيما تضم بأي حال من الأحوال المهاترات الشخصية ، أو التنابز ببعض المسميات تلميحا أو تصريحا ، وعلينا ان نحاكم افكارهم كما نحب ان يحاكموا افكارنا . وان نحاول جهدنا أن نجد لهم المبررات أذا كانوا أخوانا لنا أو منافسين أو أشخاص عاديين ، مثلما نحب ان يجد المقابل لنا من المبررات ، وان يحاول جهد المستطاع البحث عن مانكتب اظهارا لحقيقة مايدور في الفكر وما يترجم كعمل في الساحة السياسية العراقية .
هذا لا يعني اعطائهم براءة مجانية من انهم غير محركين من اشخاص أو اطراف داخل اجسام الأحزاب أو الشرائح الأجتماعية ، أوخارجة عنها بدرجة وبأخرى .ولعلهم يريدون شيئا آخر ، أو يراد لهم شيء آخر لا أعلمه ، الله يعلمه.
إذن لا أتهمهم أبدا ، بل أحتمل حسن النوايا منهم ، لكن كما أن الموضوعية تلزمني ألا أتهمهم، تلزمني هي نفسها وفي نفس الوقت أن لا أبرئهم، فالله وحده يعلم خفايا الأمور.

لكن اريد هنا ابراز مفاهيم عامة يمكن لها تكون مصداقا في الفصل بين الأنواع التي ذكرتها من النقد .

الناقد للآخرين يقترب من الموضوعية اكثر اذا توفر نقده على :

1- الأعتدال وهو كلازم اساسي من لوازم العقلانية ، وايضا لازم من لوازم العدالة .

2- اعتماد الشفافية والصدق في ابراز طرح وخطاب المنتقد " بفتح القاف" والأبتعاد عن الأنتقائية في ألتقاط عبارة هنا أو هناك بمعزل عن شمولية الموضوع محل النقد ، ناهيك عن تقويله ما لم يقله ، وعموم كتابات الكاتب الذي يتعرض للأنتقاد ، وهنا ابقى في دائرة النقد البناء ، وليس الشتائم التي ممكن ان يتعرض لها اي شخص ، وهو يمشي مسالما على حافة الطريق .

3- الموضوعية كضرورة اخلاقية وكذلك عقلانية ، وهتا اقصد التركيز على جوهر الأشياء والأفكار لا على الشكل . ان نكون موضوعيين سواءا في ولائنا لحزب أو متبنى فكري أو اية قيمة أخرى وهنا تكون قيمة العدالة هي الميزان "اعدلوا ولو كان ذا قربى" . أما في خصومتنا ايضا هي الميزان "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" .

الموضوعية تعني فيما تعني ايضا عدم المكابرة في إقرار التعلم حتى من الخصم الفكري ، أو المنافس السياسي فكيف ألأمر للشريك السياسي في الأهداف العامة على الأقل . وتعني ايضا الأنصاف لمن اعارض ، بأن لا اشطب علية كليا بأن انكر عناصر القوة في طرحه الفكري . الموضوعية تتطلب منا ان نكون ناقدين حتى لمن نؤيد أذا وجدنا فيه مايستحق النقد بدرحة أو اخرى . هذه خدمة له بأبداء النصيحة "أنما الدين النصيحة"، بأن اشير له الى مواقع للخطأ في أدائه أو في أولوياته التي لا تتفق بالضرورة مع أولولياتي كشخص أو نوع .

وقد تقتضي ايضا خاصة في العمل السياسي ألاكتفاء بطرح المفاهيم عندما تمنع الحكمة من تناول المصاديق، مثلا اذا كانت هناك ضرر علينا ككيانات اجتماعية أوسياسية في أبراز المصاديق في ظرف ما.

4- علينا ان نتعلم ايضا نقد ذواتنا ، قبل الآخرين ، وبشجاعة وهنا اعطي مصاديق عديدة للذات ومنها . الذات المباشرة أي أن ينقد الشخص نفسه هو بكل شجاعة وبكل تواضع وبكل أريحية إذا ما شخص خطأ بدر منه في موقف أو تحليل أو رأي أو تصريح أو ردة فعل ، أو يكون أحيانا على نحو نقد الذات غير المباشرة، اي نقد القريب منه شخصا يواليه أو حزبا أو تيارا ينتمي إليه. ثم يكون نقد الذات بمعنى الذات الخاصة الصغرى، و نقد الذات العامة الكبرى ، كأن ينتقد المرء حزبه أو جماعته أو طائفته أو أبناء قوميته وهكذا.

5- ثم ان الحرية في التعبير عن الرأي ليست قضية نظرية مجردة ، بل هي حياتية بأن أتعلم كيف أحترم هذه الحرية ، ومن مستلزمات هذا التعلم ، هو تحمل المختلف وتحمل سماع رأيه ، كي اروض نفسي لاحقا ان اتعلم كيف اتقبل وجوده النفسي في دواخلنا تمهيدا لأحترام هذا الرأي الآخر ، هذا لا يعني قبوله . بل الأبقاء على حقي كشخص أو تيار سياسي اعبر عنه ، في معارضته ودحضة بالحجج الموضوعية . ان احترام قناعات الآخرين لا يعني بذلك القبول بتلك القناعات . بل يأتي من باب احترامي لقناعتي و سعيي لتحقيق تعميق ملكة التمييز عند الجميع ، ابتداءا يذاتي الصغرى وانتهاءا بالعراقيين كلهم . وبهذا نقترب في حركتنا في تعزيز وفي تعميق ملكة التمييز بين الألوان المفاهيمية ، بين ماهو نقي وماهو مزيج ، دون الأغفال عن أستحضار ذهنية نسبية جمالية هذا اللون أو ذلك ، بمدى المكانية التي يستخدم فيه اللون، وبحسب القرائن اللونية المجاورة، وبحسب المتلقي، أي المتذوق للون.

6- ان نتعلم كيف نتنافس في خدمة الصالح العام وتغليبة على المصالح الشخصية والطموحات الشخصية التي تحاول ان تجير مفهوما ما أو مظلومية ما تجييرا شخصيا " وهنا التمييز في نظري يأتي من قراءة النقاط السابقة واللاحقة وهذا من لوازمه تعضيد الآخر والتعاطي معه بصدر رحب مادام الأتجاه والطريق واحد ليس بالضرورة من المنطلق بل المستقر أو المدى النهائي المحدد بنسبية المكان والزمان والأمكانية . وان نعلم ان التعددية في اللون الفكري والسياسي لاتفترض دائما الأختلاف ، بل السعي للتفهم والأقتراب من التد السياسي والمشارك السياسي وحتى الخصم السياسي ، عن طريق البحث الحثيث وغير المنقطع عن المشتركات معهم ، لنجدها كثيرة ان اتبعنا اسلوب التأمل ، ولو من حين لآخر ، بعيدا عن التعصب للفكرة التي تدفع بنا الى تعصب في الموقف والى مديات اكثر لاسامح اللة .
وان نوازن دائما ، أو نعود انفسنا على ان نوازن بين استقلالية الفكر وبين ألتزامات الأنتماء ، وان كانت هذه الموازنة من الصعوبة ان تتحقق ، بل اكاد ان اتجرأ بأن أقول انها تقترب من الأستحالة فيما لو نظرنا اليها من منظار مطلقية الموازنة ، لا نسبيتها التي تميل بدرجة أو اخرى في أكثر الأحيان لصالح الأنتماء منها لصالح الأستقلالية ، وهنا لا اقصد بالمنتمي لحزب ما فقط بل اي انسان بما هو ذات متعددة بأتجاهاتها واضافاتها وما اكتسبتها من معارف شتى وصولا الى تأثيرات البيئة والجغرافية والوراثة وهي مواضيع كبيرة استعرضها هنا كعناوين فقط ، وربما نرجع اليها بالتفصيل في مناسبات اخرى بقدر ماتسمح الظروف .

7- ان نبتعد عن المزايدات التسقيطية القصد بدرجة أو اخرى ، والوسائل غير النظيفة وان نتورع اخلاقيا وشرعيا عنها - ابتداءا من كاتب هذه السطور- فالتسقيط بنظري _ بغض النظر في نجاحه بل انه اسلوب فاشل كما سبق ان ذكرت - نوع من العنف ، ويحمل ربما جذورا نفسية بدرجة أو اخرى وقد استخدم من بعض الذي لا يمتلك امكانية تصفية الآخر جسديا - البعثيون استخدموها سابقا _ فكانوا يحاولون اختيال الأشخاص معنويا ، ان لم يتمكنوا من الوصول لهم ماديا . علما انني ذكرت هذه مع يقيني ان هنالك أمور لم تسعفني الذاكرة أو المعرفة في ذكرها ، لكن انني واثق ان هذه المقالة تعطي اتجاها ما اعتبره سليما وصحيا كاساس للتقييم في المواقف الحياتية المختلفة .

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com
المصدر : صوت العراق، 10/8/2005