بمناسبة تأسيس الحزب الكوردي الفيلي .. الكورد الفيلية بين الفرسنة والعرقنة وضياع الحقوق


الكورد الفيلية، قومية تختلف بالكامل عن القوميتين الكوردية والفارسية، وهي أقرب بالوشائج مع القومية العربية، لكننا نراها مصداقا للمثل الشعبي العراقي الذي يقول : ( أسمك بالحصاد ومنجلك مكسور) . فهم ـ أي الفيلية ـ رغم أنهم أعرق القوميات في العراق تأريخيا من حيث الوجود، فأرضهم شرق العراق مضيّعة بين ايران وعرب العراق في الوسط ، وبين ايران وكوردستان العراق في شمال الوسط، فهم بذلك أصبحوا عراقيين في ايران غير مرغوب بهم رغم كونهم شيعة، وفرس في العراق مطرودون رغم أنهم يعيشون على أرضهم التأريخية المجزءة بين العراق وايران ، والمحصورة بين سلاسل ايران الغربية والسهل الرسوبي العراقي العربي، الممتد حتى محافظة العمارة، وشيعة لدى كوردستان العراق مختلفين في عاداتهم ومذهبهم وأصولهم حتى، رغم أن القوميات الثلاث كورد الشمال والكورد الفيلة والفرس من الجنس الآري.

فقومية الكورد الفيليين تتعدد فيها العشائر حيث تحتفظ كل عشيرة بفروعها ( مثل الملكشاه، والمالهيمال، والزوري ...الخ ) وأصولها الممتدة في أعماق تأريخ المنطقة التي تمثل الشريط الحدودي الأيراني العراقي، من خانقين حتى تخوم البصرة، ولهم فيها حضارة تشهد جغرافيتهم على أصالتهم فيها. فلم تكن عيلام كما يدعي القوميون حضارة عربية بل هي حضارة الكورد الفيليين ، فمنطقة إيلام وبختران، واسلام آباد وسلسلة جبال بشتكوا ودسفول وأندمشك حتى نهر كارون في جنوب الغرب الأيراني، وخانقين ونفط خانة وبدرة وجصان وزرباطية والشريط الحدودي لمحافظة واسط والعمارة حتى هور العظيم هذا في الشرق العراقي.

هذه المناطق تمثل مناطق الكورد الفيليين ، وخلال فترة الصراع الفارسي التركي الذي امتد قرون، زحف اليهم العرب بسبب الصراعات فتداخلت المنطقة قوميا لذلك تجدها من دسفول حتى أندمشك عشائر زبيد العربية. ومن هنا نسجت الوشائج الودية بين العرب والفيليين لاتخاذهم مذهب الشيعة الأمامية، لدرجة فقد بعض العرب لغتهم رغم محافظتهم على أصولهم العشائرية وارتباطاتهم بفروعهم داخل العراق، لكن لاتجد أي تقارب فيلي كوردي شمالي حيث الأختلاف الكبير باللهجة والمذهب، ولا تقارب فيلي فارسي رغم توحدهم بالمذهب الأمامي الذي يعتبر أقوى رابط بين الشعوب.

من هنا نستطيع أن نقرأ مظلومية هذه القومية التي اعتبرها الجميع هامشية فاعتز الفرس بفارسيتهم ، والكورد الشماليين بكورديتهم ، أما الكورد الفيليين فاعتزوا بتآخيهم مع العرب الشيعة والعراقيين والفرس عموماً، فتزاوجوا حتى اختلطت دمائهم .

لكن هل استفاد الكورد من هذا التآخي ؟، للأسف أقول وبصراحة تغمرها المرارة، كلا وعلى الأطلاق إلا من بعض من فيهم بقية دين أو انسانية. وما هو السبب في ذلك ؟ أكيد لم تكن الدوافع عنصرية أو طائفية، أومقصودة، إنما الوضع العام الذي لف العراق إبان الحكم الملكي والجمهوري باستثناء فترة الزعيم الشهيد قاسم، والأستفراد بالسلطة وسلطة القرار من قبل الأقلية في العراق لاسباب استعمارية هو السبب الرئيس في ذلك. وساعد على هذا، ضعف الأداء السياسي للكورد الفيليين وتوزعهم بين الأحزاب العراقية بين شيوعي واسلامي وديمقراطي كوردستاني، و ساعد في هذا التشتت أكثر، تلك الطيبة والعشق المفرط للعراق، كل العراق في وقت كانوا يمسكون بمفاصل العراق الأقتصادية وقلبها النابض سوق الشورجة ، وعلاوي الفواكه والخضر ، ووسائط النقل الثقيل بين محافظات القطر كافة.

قد يقول قائل هل لدى هذه القومية المظلومة قادة سياسيين مرموقين؟، أقول نعم لكنهم كانوا يكدوا لينتفع الآخرون. ففي الحركة الأسلامية أو التحرك الشعبي الأسلامي العام كانت مواكب العزاء الحسيني للكورد الفيلية في الطليعة، وفي فترة الهجرة والتهجير الى ايران، لم يقصروا في النضال ضد الفاشية رغم أن أغلبهم ترك ثروته للنظام السادي، وأغلى من الثروة بل الحياة كلها تلك هي فلذات أكبادهم الذين قتلوا غيلة بحقد دفين من قبل مجموعة من الرعاة الذن لايعرفون من الحياة إلا فحشها.

ماذا حصلوا من الأسلاميين تهميش يعقبه تهميش وهم يقدمون الطاعة لأولياء الأمر، تعقبها طاعة والحب المفعم بالنبل لآل البيت عليهم السلام. ليس شعورا منهم بالدونية أمام الآخرين لاسامح الله، بل هو الأفراط بطيبة القلب والتأخر بطلب الحق ممن بيده الحق، فضاعت الأمور بعد أن سيطر الأيرانيون على القرار العراقي شئنا أم أبينا، واليوم يطالب رهط من عملاء ايران بتسميتهم فرسا ليجعلوا منا جميعنا، ومن دافع عن المهجرين، حفنة كذابين أفاقين مرائين، وصدام الزنيم وحده ومن ركع أمام أعتاب موائده، وحدهم الصادقين المدافعين عن العراق وعروبته، وهم وحدهم من يملك الحق بطرد الفرس المجوس وجواسيسهم في العراق، وهم بالتالي خونة للوطن ودخلاء عليه، ولم يفكروا لحظة صدق مع أنفسهم للأسف الشديد، صدقا إنهم يدنا التي تؤلمنا عند الشدائد ليمسك بها الأعداء.

أما شيوعي الكورد الفيلية ماذا قدموا لقوميتهم ؟ لاشئ مثل سابقيهم الأسلاميين، كلنا يذكر من وقف للزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم بعد مؤامرة شباط الأسود ، إنهم الكورد الفيلة، انتفضت النهضة وباب الشيخ، والكفاح بطوله، الصدرية والهيتاويين منطقة جامع المصلوب، أبو دودو وأبو السيفين، وكل تواجد الفيليين الكورد في بغداد ولاتزال آثار الرصاص على جدران مباني شارع الكفاح شاهد يؤرخ لوقفة الكورد الفيلية لزعيمهم الأوحد عبد الكريم قاسم، لكننا نرى في مقدمة قياديي الحزب الشيوعي كورد فيلية منهم عزيز الحاج الذي أخزى بتأريخه تأريخ الحزب الشيوعي قبل الكورد الفيلية وهو من عائلة نبيلة . وفخري كريم هو الآخر ، أهتم هؤلاء بقضايا العالم الآخر ونسوا هموم قومهم الفيليين، حتى لم يعرف الكثير من العراقيين اصولهم الفيلية.

لعل أهم ما يذكر من المكاسب التي قدموا لها الأرواح بوقفتهم مع الزعيم، هي إعادة الهوية العراقية لهم بعد تموز 58 باعادة الجنسية رغم أنها ذيلت بالتبعية الأيرانية ما أعطى المجال للفتك بهم بعد عودة البعث من جديد عام
68 وصار ما صار من تهجير وسلب لأملاكهم المنقولة وغير المنقولة، وحجز الشباب منهم للتصفية الجسدية خلفا.

الأكراد الشماليين ماذا قدموا للفيليين رغم انخراط جزء كبير منهم في الحزب الوطني الكوردستاني، لاسيما إبان عودة الزعيم الراحل مصطفى البارزاني بعد ثورة تموز
58؟

لاشئ للأسف غير أنهم جعلوا منهم ورقة مساومة لكسب الحقوق لمنطقة كوردستان ربما لكونهم شيعة، نقول ربما فليس كل الكورد طائفيين، ولأننا نسمع قيادات فيلية في صفوف الأكراد الشماليين وهذا لايعني كسب للقومية المستضعفة، ولو كان كذلك لما ألحوا ولازالوا يلحون بتطبيق الفقرة الخاصة بكركوك من المادة
58 ويهملون الفقرة الخاصة بالكورد الفيلية وهي عودة المهجرين، وإعادة أموالهم المسلوبة منهم ولازالوا مهملين بهذا الجانب. ومن الممكن أعتبار هذه الناحية خطأ بل خطيئة يرتكبها القادة الكورد مما تؤكد قولنا جعل الفيليين ورقة للمساومة لاغير، فهم يؤسسون لكوردستان وليس للكورد الفيلية، إذا عرفنا أن نسبتهم فيها لاتتجاوز سوى الأعضاء في الحزب اليدمقراطي الكوردستاني وهي نسبة لا تذكر.

أعتقد هذه الأمور وغيرها مجتمعة ، وأخرى قد لايعرفها إلا اصحاب الحق من الكورد الفيليين، أقول هذه الأمور دفعت بثلة مثقفة من الكورد الفيين لتأسيس حزب خاص بالكورد ولو أنها جاءت متأخرة جدا قياسا بطول تأريخهم العراقي الضارب في أعماق التأريخ، إلا أنها قد تكون في الوقت المناسب في عراقنا الجديد.

لكن، وهذه اللكن تقول: هل أسس هذا الحزب الذي يسعى للملمت الجمع الفيلي، لهدف زيادة قوة الخطاب لديهم، لتحقيق أهداف الفيليين المشروعة في تحقيق حلمهم الكبير في بناء عراق جديد، يكونون فيه شركاء حقيقيين وغير تابعين، وكمواطنين من الدرجة الأولى، هذا ما لانريد أن نكون ممن يقدم النصائح لهذه الشريحة العراقية العريقة، بل نقول عليهم أن يمارسوا أعلى درجات الوعي والنضج السياسي لتحقيق ذلك، فصاحب الشئ أحق بحمله ويبقى على كل شرفاء العراق بمختلف توجهاتهم تقديم الدعم لهم بالسعي لأشاعة الثقافة الوطنية، وتجاوز ويلات الماضي بحكر الوطنية لفئة واسقاطها عن الفئات الأخرى، ليس من قبل الأنظمة الفاشية المقبورة، بل حتى من قبل أحزاب لها تأريخ طويل بالنضال.

وهذا ما تحتمه علينا الآليات الديمقراطية الجديدة في العراق، الى الأمام نحو عراق ديمقراطي حر مستقل، يتعايش فيه الشعب وفق أسس العدالة الأجتماعية والحرية المستندة الى احترام القانون، والله والموفق.

زهير الزبيدي
المصدر : وطن الجميع،
8/8/2005