لا تعارض بين الأسلام والديمقراطية


هذا هو الجزء الثاني من سلسة شبهات حول الدستور

الشبهة الأخرى اننا نستورد مفاهيم من انتاج غربي ونقحمها في دستورنا كالديمقراطية مثلا حيث اعترض من اعترض قائلا " اذا كانت اسلامية فلا يتطفلوا على قوانين ، وصيغ اجتماعية غربية واعطوا أمثلة ، منها كيف اذن تستوردون الديمقراطية " وهذا وحده موضوع كبير تطرقنا له في مقالات سابقة وسوف نأتي لتفكيك هذه الشبهة وفق تسلسل الشبهات الواردة .
الجواب
1- ان اي مفهوم بشري هو نتاج تراكمي لفعل الأنسان بما هو انسان ، ولا نقول هذا تبريرا ، بل نؤمن به وفق ايماننا بتلاقح الحضارات بجوانبها المادية والثقافية ، بل حتى في منهجياتها ، مثلا المسلمون قدموا للعالم ولمجتمعاتهم خلاصة تجاربهم التي اعتمدت فيما اعتمدت على الملاحظة والتجربة اللتان تنسبان تأسيسا لأورب، انظر الى تأسيس ابن الهيثم لمواضيع علم الضوء ، وهذاهو بيكون كيف كان يعتبر نفسة مدينا لأبن الهيثم انظر ديورانت في " تاريخ الحضارة " ولوبون في " تاريخ الحضارة العربية والأسلامية "

2- موقف الأسلام من الديمقراطية : الكثيرون من منظري الديمقراطية لا يعطون لها تعريفا محددا ، لأن تاريخها شهدلها تحولات متعددة لا من ناحية التدرج الزمني وانا لعبت ايضا عوامل اخرى ادوارها ، فتطورها ونموها في جزيرة مثل بريطانيا ، يختلف بالمقارنة لنفس المقطع الزماني مع مثيلتها في فرنسا كمثال ، هذا لايدفع بنا الى تعويمها أو تمييعها ، أو الأستغراق في وصفها النسبي ، العكس صحيح ، فنحن كأسلاميين نوكد على ثابتها النسبي في الأهداف والممارسات والأسس والممارسة .

الأهداف العامة لها :
هي تهيئة الفرص المتكافئة للمواطنيين للمشاركة ، كصوت لكل مواطن ، وان تحسم الخلافات السياسية وفق مبدا الأكثرية الآنية ، مع احترام رأي الأقلية ، بل ضمان حقوقها دستوريا . وان يخضع الجميع لدولة القانون ، وان تكون الدولة مسؤولة كمؤسسات ثابتة ، بالأضافة للمنظومة السياسية التي تحكم الدولة في فترة تتوسط نهايتين لعمليتين انتخابيتين ، من اهدافها الأساسية المحافظة على الحريات الفكرية والسياسية والدينية في اطار الدستور ، وحرية الشعب في ممارسة دوره الطبيعي بصفته رقيباً على أداء الدولة وأجهزتها التنفيذية باعتباره المسؤول المباشر عن اختيار ممثليه. وكذلك تقييم مدى تحقيق الحكومة لالتزاماتها التي روجت لها في العملية الانتخابية .

هنا كأسلاميين لا لدينا اعتراضات على هذه الأهداف العامة بل ندعمها بقوة.

اسس الديمقراطية :
1- الحرية : لا اريد ان استعرض هنا لآيات التخيير في القرآن ، فهي كثيرة جدا وقد بحثت قديما وحديثا لدرجة تقترب من الأشباع ، أو الأفراط لأهميتها . وانها مفهومة عرفا بأنها الحالة التي يتمكن فيها الفرد في اشغال الحيز الفكري أو الثقافي دون ان يتعارض فعله مع القوانين المعتمدة في مجتمع معين ، ويجب ان تصان وتحمى من قبل الدولة بقوة القانون التي تضمن للناس ايضا حرية ممارسة الطقوس الدينية وحرية انتقال الأشخاص والأموال وحرية إبداء الرأي وحرية التعليم والتعلم وحرية تأسيس الأحزاب والنقابات المهنية وحرية التجمع والتظاهر.
أما قيمة حقوق الأنسان التي اصبحت اليوم ضرورة لبناء مجتمع عصري ومتطور فنجدها بوضوح شديد في فكر فيلسوف الأسلام والأنسانية الأمام علي (ع) ببعديها الفردي والأجتماعي في ظل العدل والحرية وهناك مجلدات مطولة تبين ذلك لمفكرين منهم غير مسلمين
2- العدالة : وهو القسط في مفهومنا الأسلامي وهو الهدف الرئيسي في حركة الرسالات ، بخطوطها الفكرية التي اقيمت في لادارة التدافعات والصراعات الفكرية والأجتماعية على اساس البينات التي تجلت في انفتاح القرآن على مفاهيم الكون والحياة الأنسانية في علاقة تطبيقاتها الواقعية ،وهي تواجه واقعا ضاغطا لمصلحة اتجاهات منحرفة من اجل الوصول الى الأهداف العليا على خط المستقبل المتحرك . بينما نجد مفهومها " اي العدالة " خارج نظرتنا نسبية لدرجة انها تنقلب عن مضمونها أذا اسقطنا تطبيقاتها الغربية بل حتى اقوال الفلاسفة على واقعنا الفكري والاجتماعي . فقد كانت علاقات الأستعباد في زمن الأقطاع تعتبر طبيعية ، بل حتمية وفق نظرة البعض للمادية التاريخية ، وحتى في الفلسفة اليونانية كانت العدالة تفسر بإطاعة القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة، حيث كانت هذه القوانين ترسخ العبودية ولا تسعى لإلغائها ، بل هي طبيعية وواجبة عند سقراط في محكمته وارسطو التي ان ينادي بالمساواة للأحرارلا العبيد ، بينما يتوجه المفهوم العلوي الى الأنسان المقهور "لا تكن عبدا لغيرك.." ليختصر ويطوي مراحلا اصلاحية كثيرة ذات مديات مستغرقة في طولها الزمني ، انها منهجية الأسلام الأصيل في ترابط العقيدة مع المنهج المستقيم للفكر على خط العمل التي تجعلك ثابتا على ذلك الخط المنسجم مع نهج القرآن في العدالة الحرية ، متغلبا على كل الأنفعالات النفسية الضاغطة بل مستوعبا لكل الصعوبات وانت تتحمل مسؤوليتك على قضايا الحياة التي تحتم علينا كأسلاميين ان لا تأخذنا في اللة لومة لائم . وهذه تتضمن اننا بقدر ما نتمكن من محاكات ايجابية للطبيعة مما ينتج عنها علاقات جديدة ، ان بقى في دائرة العدالة متجنبين الطغيان " كلا ان الأنسان ليطغى ان رآه استغنى " هذا الخطاب الى الأنسان بوجوب استيعاب قيم العدالة والأبتعاد عن اي لون من الوان الظلم والأستغلال لتزدهر علاقات الأنسان مع الطبيعة لتفتح الأخيرة كنوزها غير المتناهية .

اننا كأسلاميين شيعة بمشاركتنا بالعملية السياسية منذ بداية سقوط الجرذ واصرارنا المبكر بأجراء الأنتخابات لهو دليل واضح على اننا اخترنا النظام الديمقراطي التعددي ، لا من موقع الإعراض عن هدف أسلمة المجتمع، وليس كخيار في العرض عن خيارالنظام الإسلامي ، وليس استسلاما لأمر واقع مفروض ، وإنما وجدنا أن أهدافنا الإسلامية يمكن لها أن تتحقق بشكل أفضل وأكثر تجذرا وأكثر انسجاما مع هدف تحقيق السلام الاجتماعي والتعايش الحضاري مع واقع التعددية من خلال آليات الديمقراطية ، منه من خلال آليات الدولة الشمولية ألأحادية، حتى لو كانت هذه الدولة الشمولية الأحادية دولة "إسلامية"، مجازا لما لنا من وضوح بأن الإسلام لا يرضى بالاستبداد حتى لو فرضنا أن المستبد فيما عدا صفة الاستبداد على حق، لأن النظرية الحق تفقد قيمتها إذا ما طبقت بأسلوب باطل ، باعتبار أن الاستبداد يمثل لونا من ألوان الأداء الباطل. ومع الأبقاء على العزة في الموقف والأبتعاد عن المناهج التملقية التي تفقدنا اصالتنا وتوازننا ، بل لابد لنا ان نبقى أقوياء في طروحاتنا واصلاء في ردود أفعالنا ، فلا التحرك الحكيم يعني عندها الانسلاخ عن الهوية، ولا منهج الاصالة يعني الجمود بمبرر ومن غير مبرر. ونحن الآن كأسلاميين في مقدمة المسؤولية في العراق ، لا نمانع من اجراء انتخابات حرة نزيهه بقطع النظر عما النظر عن ما تفرزه هذه الأنتخابات ، وهنا نمارس عمليا احدى شروط الديمقرطية- وهي التعددية التي تفرز انتقالا سلميا للسلطة - لا نضع فيتو اسلامي على غير الأسلاميين اننا نعتبر التعددية والحرية في المشاركة السياسية لهم " عدا البعثيين " تعود بمنفعة كبيرةعلى الإسلام وعلى عمليتي الدعوة والتغيير اكثر بكثير منها في اجواء الاحتكار للعمل السياسي وقصره على الاسلاميين، اضافة إلى ما فيه من درء لمفاسد اكثر. وهنا نجسد مبدأ حرية الرأي " عمليا " كمصداق ل "لاأكراه في الدين " والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
من خلال اخلاقية انشراح الصدر والحوار والتعايش على اساس البر والقسط .هذه هي مبادئنا وأخلاقياتنا في اقران العمل بالقول .
بينما البعض القليل يريد ابعادنا عن السياسة بدعوى العلمانية التي يرون فيها فصلا للدين عن الدول . انهم بذلك لا يميزون بين الدول الثابتة بثبوت هيكلياتها المؤسساتية وبين المنظومة السياسية الخاضعة لعملية الديمقراطية واستحقاقاتها من تداول حضاري للسلطة . وبهذا عندنا لا يوجد واقع خارجي كمصداق لفصل الدين عن الدولة .
ربما يطلب البعض منعا " لأحزاب الأسلام السياسي كما يسمونها " دستوريا ، هنا نقول لهم ان في دعوتكم هذه تمثلون اوضح مصاديق الدكتاتورية ، كيف وان الأسلاميين يمثلون الشارع وهم في قمة الأنفتاح والديمقراطية ؟ .
ذهب قسم منهم الى ابعد من ذلك بأن يشمل الدستور على نص يمنع تشكيل الأحزاب الأسلامية كونها غير ديمقراطية لانها غير علمانية؟
انتهى الجزء الثاني
في الجزء القادم ان شاء اللة سنوضح " لا تلازم بين العلمانية والديمقراطية

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com
صوت العراق، 8/8/2005