الصغير جلال الدين ....وعملية تفريس العراق

مظفر محمد
صوت العراق،
2/8/2005

بداية" لا أريد أن يحمل كلامي على محمل لا أقصده، ففي معرض دفاعي عن أبناء قومي من الكورد الفيلية لا أتوخى الأساءة مطلقا" لأي طرف ، قومية كانت او مذهب معين وخصوصا" أذا تعلق الامر بمكون عراقي أصيل كالقومية الفارسية ،العريقة عراقة العراق ذاته فيرجع تواجد هذه القومية حسب بعض المصادر التاريخية الى أيام الدولة الأخمينية تحديدا"أيام حكم الملك الفارسي المعروف بكوروش الكبير فاك أسر اليهود من ايدي البابليين (
سنة 539ق.م) ،فالحضور الفارسي في العراق لم يأفل يوما"، فحتى أثناء الغزو العربي – الأسلامي للعراق وأيران في زمن الخليفة الثاني ، أختار الصحابي الجليل روزبة الأصفهاني(سلمان الفارسي) أثناء توليه للعراق مكانا" قرب قصر اجداده في المدائن قبالة قصر كسرى أنوشيروان في المكان المعروف اليوم بـ(سلمان باك) وظل هناك إلى أن يأس من أهل العراق مشككا" بعدلهم (على حد تعبير العلامة هادي العلوي) فرجع قافلا" الى أصفهان ليموت ويدفن هناك على غير دين الأسلام العربي في أحدى الروايات.... ولا ننسى تاريخ الدولة البويهية الفارسية ومنجزاتها الثقافية وتأسيسها للمكتبات في العراق ولاول مرة على أسس عصرية ولا أبالغ أن قلت أن معظم بقايا الصرح العمراني البغدادي هو بويهي كخان مرجان والمدرسة النظامية وما شابهه كثير لما عرف عن البويهيين من حبهم للثقافة والادب والعلم،أضف على ذلك أن الفكر الأسلامي بعد الغزو واستقراره في البلدان المستعمرة صار فارسيا" بأمتيازبعد أن أختار العرب أن يكونوا مادة الأسلام أي سيفه المسلط على رقاب الناس على حد تعبير كبير غزاة العرب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فتسنى للفرس أن يكونوا روح الاسلام بامتياز فأسسوا للمسلمين ما عرف بالديوان وهو نظام ادارة كان متطور في حينه وأسسوا للمسلمين علم التاريخ والتفسير والنقد الادبي وتصانيف الحديث وأسسوا لعلم الكلام ومن ثم الفلسفة والتفسير والترجمة ونقلوا معالم الفكر الانساني للعرب وساهموا مساهمة حاسمة في تأسيس اربعة من المذاهب الفقهية الخمسة(عدا مذهب مالك) التي تشكلت حولها العصبية العربية- الاسلامية ، كما اسسوا في العراق خدمة للدين والعروبة حوزة النجف العلمية المعروفة على يد الشيخ الطوسي حيث لا يزال احد أكبر شوارع النجف ،وأحد مداخل الروضة الحيدرية يحمل اسم هذا العلم الشيعي المرموق. وأستمرأمساك الفرس بدفة الدين في العراق ومنذ الدولة الصفوية ولكن بشكله الشعبي الغوغائي الروزه خوني هذه المرة، حيث أهمل الجانب الفكري على حساب التعبئة الجماهيرية للغوغاء أثناء حروب الدولة الصفوية العديدية وخاصة مع الدولة العثمانية السنية وقد تكبد أهل العراق الكثير من الخسائر ولاسيما في صفوف الغوغاء من الشيعة المساكين ولا زال تاريخ العراق لحد هذه الهنيهة وفي جانبه الشيعي هو تاريخ دفع الثمن نتيجة الحروب والصراعات التى تأججها النخب الدينية على حساب الجماهير المستضعفة . ومازال الشيعة الفرس يتبؤون المرجعيات العليا للطائفة الشيعية وفي أيديهم الموارد الضخمة لعائدات أضرحة الأئمة المعصومين ولا يخطر ببالي ومنذ مرجعية الأمام العلّم السيد ابو الحسن الاصفهاني ان تصدى أي عربي للمرجعية ، ويظل السيد الخوئي أعلم من مر بتاريخ الحوزة ومرجعياته، وقد أكتشفت ومن خلال رسائل الشهيدة بنت الهدى المكتوبة بخط يدها الى أعمامها في أصفهان والمكتوبة بلغة فارسية غاية في الأناقة أن لعائلة الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) منبت فارسي يعود لمدينة أصفهان التي تعد مخزن بشري يصدر رجال الفكر الشيعي الى ارجاء المعمورة ، حينها وقفت على الأرتباط الروحي بين الشهيد السعيد الصدر الاول والامام الخميني (رض) . ولكي اكون منصفا" أن شخصيات وطنية عراقية مرموقة لعبت دورا" كبيرا" في النضال الوطني العراقي ،و لا يزال البعض منهم حي يرزق كنت أتكلم معهم لمقتضيات المكان باللغة الفارسية التى كانوا يجيدونها كلغةأم . وشاعر العرب الاكبر كان فارسيا" عراقيا" أصيلا" مثلما كان احمد شوقي شاعرا" كورديا" مصريا" اصيلا". أختارت عائلة ابي فرات اللغة العربية لأبنها لأعداده كواعظ ديني مفوّه ولكن شاءت الأقدار ان يتقن اللغة العربية ليكون شاعرا" فصمت في داخله صوت الوعظ فهما لا يجتمعان في واحد على زعم أبي نواس وهو شاعر فارسي مرموق ومجدد آخر نسخ مايسمى بمفتتح القصيدة الأطلالية (البكاء على الاطلال )لأول مرة في تاريخ الشعر العربي فوقعت هذه البدعة وقعا" حسنا" على الذائقة الشعرية العربية أذا مشت عليه حتى يومنا هذا . والملفت للنظر للنظر أن مراجع العراق الفرس لا زالو غير متحمسين للحصول على الجنسية العراقية لحد الآن، أي أنهم يتدخلون في الشأن العراقي بقوة وبشكل حاسم بالرغم من عدم عراقيتهم بدءا" من السيد السيستاني وبشير النجفي مرورا" بعائلة المرجع الديني السيد المدرسي، فهم يتدخلون بشكل واضح لجانب طرف ضد الاخر رغم عدم شرعية تدخلهم هذا ، اذ خلق هذا الوضع اشكالية فعلية في معادلة الصراع الشيعي – السني في عراق اليوم فالشيعة يبيحون تدخل مرجعياتهم الأجنبية القاطنة في العراق منذ امد طويل نسبيا" ويتم تفريس مدن كاملة في الوسط وجنوب العراق وفي نفس الوقت يدينون تدخل المتسللين العرب المتوارين في حنايا وزوايا (جامع أم القرى) وتحت عباءة هيئة علماء المسلمين وعلى خلفية هذا الصراع يجري ذبح وقتل العراقيين بشكل مجاني ورخيص وغريب عن اي عرف انساني وبعيد حتى عن طرق الأفتراس الحيوانية .

نبقى نحن الكورد الفيليون بين حدي الفعل ورد الفعل الدموي هذا ،كشريحة مسالمة ومظلومة ندين هذه الممارسات بشدة وندين التلاعب بهوية مكونات الشعب العراقي لاغراض المنافسة الطائفية –الحزبية االمغلوطة وسلب الهوية من مكون كوردي اصيل كالمكون الكوردي الفيلي وتحميليه هوية اخرى ليست منه مع اعتزازنا بكافة هويات المكونات العراقية وندين هذا الفعل الشائن من أي جهة يصدر عربيا" كان ام فارسيا" او من بعض الاطراف المحسوبة على الشعب الكوردي ان صحت الأشاعات المتداولة في الوسط العراقي والكوردي الفيلي خصوصا" وندين كذلك الكورد الفيلين المتواجدين في مراكز صنع القرار من سمع منهم بهذه التقولات وتجاهلها او سكت عنها ونطلب منهم أن يتحلو ابالحد الأدنى من المسؤولية تجاه ابناء شريحتهم فليس من مصلحة الامة الكوردية ومثقفيهم ونخبهم السياسية السكوت على سلخ مكون كوردي اصيل عرف بأنتماءه الكوردي ودفاعه عن هذا الانتماء، ليس صحيحا" السكوت على سلخه من امته الكوردية، ونهيب بالقوى الوطنية العراقية تحمل مسؤولياتها تجاه محنة الكورد الفيلية كشريحة كانت في طليعة النضال ضد الجنوح الفاشي البعثي في بواكيره الأولى وقاومته بكل ما أوتيت من قوة وبقوة السلاح في الوقفة البطولية المعروفة في (عكد الاكراد)...أن هذه الشريحة الكوردية الأصيلة لا يمكن ان تكون فارسية لأن أنتماءها المذهبي شيعي ، ولا يمكن ان تستأصل من جسد الامة الكوردية لأن مذهبها ليس على شاكلة الاغلبية الكوردية السنية على حد زعم بعض الموتورين الحاقدين على الكورد الفيلية في الأوساط الكوردستانية .

كما ويدين الوسط الكوردي الفيلي العام الممارسات اللاوطنية للقوى السياسية العراقية في مراكز السلطة والدولة لما تقترفه من سلب ونهب وأختلاس وسرقة لأموال هذا الشعب المسكين والمنهك نتيجة حروب الطاغية المقبور ، فهؤلاء لا يعدهم الكورد الفيليون وطنيين ولا يحسب سلوكهم وممارساتهم واداءهم السلطوي أداءا" يختلف عن أداء أي طاغية آخر فالأستئثار بالسلطة والمحاصصة الطائفية والحزبية ليست من الوطنية بشىء وهي مظاهر لواقع شعب متخلف يتجلى تخلفه في سلوك قواه السياسية التى أسرفت في الصراعات الحزبية والطائفية وسياسة ليّ الأذرع والتنصل من الوعود والاتفاقات المبرمة بينها .

أننا نهيب بأبناء شريحتنا التسلح بالوضوح وعقد العزم لخوض صراع من نوع آخر وضد طغاة آخرين جدد مسلحين هذه المرة بأوهام عنصريتهم الفارسية – العربية تحت أردية نرى من تحتها وبوضوح أيادي دول اجنبية ومخابراتها التي باتت تتلاعب بصياغات الدستور العراقي وفق اجندتها الخاصة بها .. هذا الكفاح الكوردي الفيلي لن يصل ألى مبتغاه مالم تقوم النخب الفيلية التي تحظى بأحترام واسع داخل أبناء شريحتها وداخل الحركة الوطنية العراقية وداخل حركة التحرر الكوردستانية وداخل الأوساط الدينية المعتدلة بحركة منظمة للضغط على مراكز النفوذ للاقرار بالحقوق العامة التي تأخرت الأستجابة لها وأي تأخير آخرسوف يطعن بلا شك بمصداقية النخب الفيلية ومدى اخلاصها لأبناء شريحتها ومن ثم يطعن بأدعاءات وطنيّي مابعد حكم الطاغية صدام حسين.

مظفر محمد ـ استوكهلم
في
2-8-2005