العراقيون الفرس مرحبا بكم في الدستور القادم

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@hotmail.com
صوت العراق، 30/7/2005

أحدث سقوط نظام صدام ارتجاجات في مفاهيم كثيرة سادت لعشرات السنين في الثقافة العراقية الموجهة من قبل السلطات السابقة والمكرسة في اعلامها ومناهجها الدراسية، وفي مقدمتها مفهوم الهوية القومية للعراق الذي صيغ في بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة التي جعلت من جنسية المحتل العثماني اساسا لتقييم الأصل العراقي من عدمه مستندة في الوقت نفسه على بعدين أحدهما قومي عربي كان في بدايته منفعلا وذو طبيعة دفاعية أمام سياسات قومية عثمانية اعتمدت " التتريك " كما يقال ليتحول فيما بعد هذا المفهوم الى الفعل والهجوم والأقصاء " بفعل الأحزاب القومية وخاصة البعث " ضد الآخر الذي هو كردي تارة ومن أصل "ايراني " في حالة ثانية لتصبح صناعة الكراهية نظاما جاهزا للقيم واداة لأستنفار المشاعر والأنفعالات للأفراد الأقل ثقافة وأدنى تعليما حيث تصبح الأمزجة أكثر خضوعا لمفهوم التطابق والتماثل وبالتالي سهولة تكوين مجموعة متماسكة تستميت للدفاع عن الطاغية .

البعد الثاني كان طائفيا استصحب من تاريخ الصراع الصفوي التركي على النفوذ في المنطقة، كانت هوية المتصارعين العرقية واحدة فتطلبت الحاجة الى البحث عن عامل اختلاف فكان التباين المذهبي ليصبح لاحقا جذرا لتهميش وأبعاد الأكثرية العراقية الشيعية.

وبصورة عامة من السهل على الناس ان يتفقوا على برنامج سلبي مثل كراهية مجموعة معينة أكثر من الأتفاق على قيم ايجابية، " نحن " و " هم " فكانت الغاية تبرر الوسيلة ومصالح الدكتاتورية هي المعيار الوحيد ليكون القمع الوحشي وعدم الأكتراث الكلي بحياة الناس سمة النظام البائد .

ظهرت مفاهيم تقسيمية احدثت خللا في الأنتماء النفسي للعراقي منها " عربي أمام كردي "، " غوغاء أمام المحافظة البيضاء "، " عرب أقحاح وذوي اصول قادمة من الهند "، " لاشيعة بعد اليوم " .

ان هذه التناقضات لم تقف عند السطح بل اخترقته الى العمق في البنية المجتمعية واللاشعور الفردي لتنتج صراعات داخلية غير منظورة على المستوى العرقي والطائفي والفكري واحدثت كذلك تباينات وتفاضليات مناطقية وجغرافية .

اسوق هذه المقدمة كرد على بعض الكتاب الطائفيين العنصريين المتسترين بستار "علماني" لكنهم لايتورعون احيانا عن تجريح الشيعة او بعض رموزهم أو مهاجمة أماكنهم المقدسة بعبارات فيها سخرية وقحة، بل تجاوزوا في بعض الأحيان على المعصومين (ع)، وبعضهم يتصيد الفرص وآخرها المناقشات حول تثبيت بعض الأقليات العراقية في الدستور ليعترضوا على " ادخال الأقلية الفارسية " ليقول مثلا العليان في لجنة الحوار للسنة العرب بأنه لم يسمع من قبل بوجود فرس في العراق، اجيبه لحظيا قبل ابرازي للأدلة المضادة، بأنه عدم سماعك لشئ لا ينفي عقلنا حقيقة وجوده .

وآخر يعترض ويصف المتبنين لهذا المشروع " بأن وصلت بهم الوقاحة والتحدي للشعب ..

" كأنه يمثل الشعب العراقي، أقول له اترك العراقيين ليقولوا كلمتهم، انهم سوف يصوتون على الدستور فردا فردا، لايمكن لشخص واحد أو فئة واحدة ان تختزل كل اصوات ورغبات العراقيين، لاتجاوزوا على ممثلي الشعب بكلمات او جمل غير لائقة، كونوا حضاريين في معارضتكم أو مخاصمتكم، هذه هي أوليات الديمقراطية، بل هي من مبادئ الحكمة والأخلاق الفردية والأجتماعية .

وآخر يحمل الموضوع محملا مخابراتيا، ليقول الا تكفي ايران مخابراتها في العراق ويسترسل ايضا بكلام لاأريد ان أذكره للحفاظ على مستوى الكتابة، اجيبه لماذا تربط هذه بتلك، وماعلاقة مخابرات ايرانية في العراق، ان وجدت, مع حقيقة وجود القومية الفارسية العراقية؟ ثم العراق كان مفتوحا لمخابرات كل دول العالم فلماذا التركيز فقط على دولة واحدة؟ القضية عند كاتب هذه السطور ليست كم هائل أو قليل من كتب قرأها وانما منهج تفكير، وان من اولياته تقليص المسلمات غير المسموح " المحظورات غير الدينية "المساس بها الى اقل دائرة ممكنة، وكذلك التأمل الموضوعي، لنصل للعراق تلك الأرض المقدسةوخاصة عند الشيعة، بوجود معظم مقدساتهم فيها، بالأضاقة الى حوزة علمية عمرها ألف سنة يأتي اليها الطلبة الشيعة من كل حدب أو صوب، وحدود تمتد الى
1400 كم مع ايران، بالأضافة الى طبيعة ارضها الأروائية الخصبة، كل تلك ألم تكن اسبابا كافية لتدفق اعدادنا كبيرة من الفرس وخاصة خلال العهود الصفوية والقاجارية اسوة ببقة الأيرانيين الذين يقدسون الرسول العربي واهل بيته الأطهار (ع) بحيث انه في مقدمة امنياتهم ان يدفنوا بجوارهم .

واسوق بجانب هذا ما يؤيده نقلا : يذكر صاحب كتاب شيعة العراق : " في سجل احصاء
1919 البريطاني على انهم ثمانون ألف فارسي، وفي حين ان عددهم كان أكثر اذا أخذنا في الحسبان الزيجات المشتركة والعوائل التي أقام افرادها في العراق منذ اجيال متعددة، فان المرء يجب ان لا يخلط بهذه الفئة الشيعة ذوي الأصل العربي من الذين أخذوا الجنسية الأيرانية للتهرب من الخدمة العسكريةخلال الفترة العثمانية ص 177 ترجمة عبد الألة التميمي" ثم تعرض هؤلاء لمضايقات عديدة بعدها لأسباب سياسية وطائفية لامحل هنا لذكرها ومفصلة في نفس الكتاب اعلاه ليقل عددهم أو يقلل في احصاء عام 1947 ليصل الى 52000 فارسي كما ذكر ذلك حنا بطاطو في الجزء الأول من كتابه " العراق ص60 " ذكرهم بجانب الشيعة الآخرين من العرب والكورد الفيلية والتركمان والشبك، ليذكر في نفس الصفحة نسبتهم بـ " 1.2% فارسيون شيعة الصفحة نفسها " .

المشكلة اني قرأت لكاتب شيعي مقالا يظهر قيه اشكالات حول هذا الموضوع قد اجبنا على بعضها وسوف نحاول ان نناقش بقية النقاط التي أوردها، ومنها ان اضافة الفرس كأقلية من مكونات الشعب سوف تؤكد تبعية الشيعة لأيران وذكرها " (الطمغة) التي تدبج بها مؤخرات الشيعة من خلال تبعيتهم الى ايران .

" اجيبه العكس تماما، فالعرب غير العراقيين يتهمون كل الشيعة بالفارسية، وهتا سوف نؤكد لهم نعم هناك فرس شيعة عراقيين لكن اقلية موجودة في الدستور بجانب وجود كورد شيعة (فيلية) عراقيين وتركمان شيعة عراقيين وشبك شيعة عراقيين، وعرب شيعة عراقيين يمثلون الأغلبية العظمى من الشيعة العراقيين، ومجموع ماذكرناهم من الشيعة يمثلون اغلبية واضحة في المجتمع العراقي ككل .

واقول لأخي صاحب المقال عندها سيخرس من ذكرتهم " ذكر صدام وايهم السامرائي " .

اقول له ان اضافة ا% مثلا بحق كمكون من مكونات الشعب العراقي لايشكل تهديدا للهوية العراقية بل انها من لوازم الأنصاف والعدالة، التي لاتلتقيان ابدا مع اثارة المشاعر وموجبات الأحقاد بلا مبرر وان انتماء العراقي لقومية معينة لا يلغي عراقيته ولا انسانيته .

وعلينا ان لا نضع اعتبارا لمن هم خارج الحدود، من الذين أصبحت توصيات الزرقاوي نصوصا مقدسة عندهم تضاف الى تراثهم الأسود الذي كتب بدماء شهدائنا، فهم لايعترفون بنا لأننا شيعة بغض النظر الى قوميتنا .

انهم فقط يبحثون عن طريق لأسترداد مجدهم الضائع ونهب خيرات العراق .

اننا أمام موضوع كتابة الدستور، ووضع تضاريس المجتمع العراقي فيه، كضمانة للتعايش السلمي، لذا يجب توخي الموضوعية، التي لاتعني هنا فقط تجريد المفهوم وفصلة عن قائلة فحسب، بل عدم اخضاعه لمساومات أو مزايدات سياسية تمليها وقوفنا مع أو ضد جهة من الجهات في الحكومة الحالية المنتخبة .

دستور يتكفل بحماية مصالح الأقليات وتمكنها من ان تعبر عن تلك المصالح وفق الضوابط المعتمدة في الدستور على أرضية المساواة السياسية التي تقتضي اعطائهم حق التعبير عن حقوقهم بنفس القدر الذي تعبر بها الأكثرية عن حقوقها وآرائها .

السؤال هو البحث في امكانية جعل هذه الأختلافات ان توظف باتجاه تشكيل نسق ايجابي عام في السلوك الأجتماعي يتسامى فوق الذاتية والأنتماءات والولاءات المستندة الى مضامين عشائرية وقومية وطائفية ؟ من المعوقات امام هذا المشروع هي التجربة السياسية السابقة التي قادت الى السقوط الأخلاقي الهائل عند الكثيرين وانهيار المنظومة القيمية والتي ادت بدورها الى فهم مبتذل للسياسة قائم على اصطياد الفرص للكسب غير المشروع مستخدمة في احيانا كثيرة تلك التناقضات بجانبها السلبي لسحق محاولة قيام مجتمع يقوم على مبدأ المواطنة وخط شروعها المساوات في القيمة الأنسانية لكل مكونات الشعب .

يجب العمل على تفكيك ألبنى الشعورية واللا شعورية لهذة المناهج في التفكير " سواء الشوفينية منها أو الطائفية " باحداث دراسات تراجعية على المسارالزمني لتتبع الظروف التاريخية والبيئية والنفسية التي صاحبت أنتاج نصوص واحكام الكراهية ودراستها تاريخيا ولغويا ورمزيا لفصل السياسي عن التراثي الشعبي عن المثيولوجي تمهيدا لمهاجمتها على الجبهة المعرفية .

وفي اطار هذا البرنامج علينا محاربة النظرة العرقية للقومية القائمةعلى نقاء الدم لأنها تقوم على الغرائز البدائية وتمهد لنازية في الفكر والسلوك " علما ان اساطينها لم يكونوا عربا مثل ساطع الحصري وميشيل عفلق " وان نسلم بأن هذه الأرض قد عاشت عليها اقوام متعددة، فهل انقرض السومريون والبايليون والعيلاميون والفرس الذين عاشوا فيها لمئات السنين ثم اين هي الأقوام التي جاءت بعد الأسلام اين السلاجقة والمماليك وذوي الأصول الهندية والباكستانية والأفغانية، أين الزنوج الذين ثاروا لسنين طوال تلك الثورة المعروفة تاريخيا .

ان هذه المقاربة المنطقية تخفف كثيرا من غلواء العنصرية المقيتة خاصة عند التأكيد عليها بأحداث دراسات مستفيضة حولها من قبل المختصين، عزيزي القارئ لاترمي كاتب هذه السطور بتهمة الشعوبية قبل التأمل الموضوعي .

كذلك يجب العمل على أيجاد برامج أجتماعية وأقتصادية لتنمية وأعادة أعمار النفس العراقية, كمطلب مهم لعملية التحول الديمقراطي، حيث الأرث الدكتاتوري الطويل عمل على ترسيخ معايير مشوهه للقيم وجدت صداها في السلوك والمزاج الشخصي العام وفي أنماط التفكير جعلت من البعض غيرمبال لعمليا ت الأبادة الجماعية والتطهير العرقي والمذهبي بحق مئات الآلاف من الفيليين وشيعة الوسط والجنوب في عمليات التهجير التي كانت في مثل هذه الأيام قبل ربع قرن من الزمان وما رافقتها من قتل لشبابهم في سجون الطاغية، بل قام البعض بالأستيلاء على املاكهم كأنها غنائم حرب بينما انكرهم حتى بعض سياسي عهد علاوي بقوله " ان ايران ارسلت مليونا من مواطنيها للتأثير بالأنتخابات وترجيح كفة الشيعة " ان مثل هؤلاء كثر في الساحة العراقية الذين لايعرفون عن مكونات الشعب الا ماتعلموه في دروس التربية الوطنية وماتشربوه من فكر القائد الضرورة .

«يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات ـ
13).

تتناول آية سورة الحجرات موقف الإسلام من مسألة (القومية) في ثلاث نقاط:

1 ـ الجانب التكويني من مسألة القومية، وهو قوله تعالى:«يا أيّها الناس أنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل».

2 ـ الجانب الوظيفي من هذه المسألة، وهو قوله تعالى:«لتعارفوا».

3 ـ الجانب القيمي من هذه المسألة، وهو قوله تعالى:«انّ أكرمكم عند الله أتقاكم».

فالأسلام يرفض الأنغلاق القومي والعشائري والمناطقي، ويدعو الى الأنفتاح والعالمية الواعي والمنطلق من مبادئه السمحة، يتخذ التقوى والحق مقياسا عاما، بعيدا عن حمية الجاهلية المذمومة اسلاميا .

نحن في ممارستنا الديمقراطية نضفي اليها قيمنا الأسلامية، أو قل ان جانبتها العدالة في التطبيق، وخاصة في المجتمعات التي خضعت طويلا للأستبداد، كمجتمعنا، هنا يجب علينا ان ندخل فيها روح الأسلام : الحرية الملتزمة، المساوات في الأنسانية والأخوة، هذا يتطلب منا ان نكون مواطنين بل اسلاميين فاعلين، مشاركين في العملية السياسية، وناقدين موضوعيين لغرض التقويم لا تسقيطيين يتصيدوا أخطاء الغير ويضخمونها لتجيرها لمصالحهم سياسيا .

علينا ان نشارك في عملية البناء المادي والروحي للمجتمع، بتمثل الآخر في ضميره، ومصالحه، ومواقفه، ان غاب هذا الآخر أو كان ضعيفا في مطالبته بحقوقه، لضعف تمثيله البرلماني، أو قلة حضوره الفعلي في الساحة لظرف آني، أو ابعد أو اطول زمنيا، علينا ان نعطي روحا اسلامية لديمقراطيتنا، لا في مضاعفة نشاطنا، أو ممارسة التوعية للآخرين وحثهم على المشاركة الطوعية في مختلف نشاطات المجتمع لتسريع عملية التحول فقط، بل ان نكون ذلك الآخر.

أكون التركماني اذا انضغطت حقوقه بين الكوردي والعربي، كما يكون العربي فيليا أذا ضعفت الأستجابة لمطالبنا كفيليين كما حصل ايام مجلس الحكم أو ايام علاوي، بدافع التعارض بين الأنتماء المذهبي القومي المناطقي المتميز، وان اكون انا الذاتي، وان اسعى كذلك كأنا نوعي، وانا الأسلامي الشيعي في ان أكون في موقع المسيحي اذا تعرض لأضطهاد ديني من قبل بعض الجهلة، لنبني منهجا متميزا، لنأسلم تطبيقنا للديمقراطية .

على هذا الأساس كتبت هذه المقالة - وهي اصعب - ماكتبت لحد هذه اللحظة للأمور التي ذكرتها وان افتقرت الى التفصيل رغم انني الشيعي الفيلي الكوردي صاحب المشكلة التاريخية التي تقع على نقطة تتقاطع فيها خطوط مظلومية الشعب العراقي، وحلها يساهم في صياغة معادلة هوية عصرية ممكن أن تعتبر اساسا لتفكيك كل المشاكل ذي الجذور المذهبية والمناطقية والقومية .