شاهد على المأساة يروي لـ"العربية.نت" نصف مليون من الأكراد الفيليين.. تعرضوا للاعتقالات واغتصاب النساء


صورة لاجئون أكراد على الحدود العراقية الايرانية (ارشيف)

العربية.نتن 26/7/2005
دبي ـ ابراهيم هباني

أثارت الاتهامات الموجهة للرئيس العراقي السابق صدام حسين في جلسة المحكمة الأخيرة التي بثتها قناة العربية مؤخرا بتهجير ومصادرة أموال الكرد الفيليين مطلع عام 1980 استياء كبيرا وسط الأكراد الفيليين، لأن المحكمة تجاهلت قضية الإعدامات الجماعية التي طالت نحو12 ألفا من الشباب.

وكانت سلطات النظام العراقي السابق قد قامت في مطلع عام
1980 بتهجير 500 ألف أسرة من الأكراد الفيليين إلى إيران على خلفية محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز من قبل أحد المنتسبين لمنظمة العمل الإسلامي، ويدعى سمير نور غلام علي وهو من الأكراد الفيليين.

وطالت عملية التهجير الصغير والكبير في هذه الطائفة ومصادرة كل ممتلكاتها، واعتقال الرجال بين
17 و40 عاما، وبينهم طلاب المدارس والجامعات وحتى أعضاء في حزب البعث الحاكم، وراح ضحيتها نحو 12 ألفا.

ويقول الصحفي باسل الربيعي لـ"العربية.نت" إنه واحد من هؤلاء المهجرين، وفقد
5 من أسرته، مشيرا إلى استخدام نحو 10 ألاف من الشباب في تجارب نظام صدام الكيماوية.

ويضيف أنه بعد محاولة اغتيال طارق عزيز في بغداد
1980 زار صدام حسين جرحى العملية في المستشفى التي استخدم فيها سمير نور قنابل يدوية، ووعد صدام أحد الجرحى بأن يقوم بترحيل كل الأكراد الفيليين الذين اتسمت علاقتهم مع النظام السابق بعدم المعارضة، ويذكر أن تصريحات صدام كانت منقولة على الهواء على التلفزيون العراقي. وبعد أسبوع تم استدعاء كل التجار الفيليين في بغداد إلى غرفة تجارة بغداد بغرض الاجتماع معهم، ولكنهم فوجئوا باعتقالهم وترحيلهم إلى إيران وكانت هي بداية التهجير.

ويرى أن محاولة اغتيال طارق عزيز لا تعتبر السبب الرئيسي الذي دفع نظام صدام بتهجير
500 ألف شخص وقتل 12 ألف شاب، مشيراً إلى أن "العلمية الإجرامية" كانت بسبب حقد مزودج من النظام للأكراد الفيليين الشيعة، وأن علاقة نظام صدام مع الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال طالما اتسمت بالدموية، موجهاً أصابع الاتهام للرئيس المخلوع صدام حسين داعياً إلى إنزال أقصى عقوبة به نظير "الجريمة" التي قام بها بحق أبرياء ذنبهم أنهم أكراد شيعة".


أعدموا شقيقيه واقتيد الأطفال لشرطة التسفيرات
ويصف الربيعي طريقة تهجيره وأسرته من بغداد إلى إيران، حيث قامت قوات الأمن بمداهمة منزله وتم اقتياده وكامل أسرته المكونة من والديه وشقيقيه اللذين كانا يعملان في الجيش العراقي، بالإضافة إلى
4 أطفال، إلى قسم شرطة التسفيرات الرئيسي في بغداد، وقامت إدارة القسم بعزله وشقيقيه عن باقي الأسرة التي تم ترحيلها إلى إيران في ظروف "مهينة"، أما شقيقاه يوسف وسلامة الربيعي، فلم يرهما بعد ذلك بعد أن تم نقلهما إلى سجن الرشيد ثم إعدامهما فيما بعد، وتم نقله هو إلى سجن أبوغريب.

ويستطرد أنه تم ترحيل
500 ألف من الأطفال والشيوخ بعد أن تم عزل الشباب عن الأسر، وزج بهم النظام في سجون أبوغريب والرشيد المخصصة للملتحقين بالجيش العراقي، والعدد الأكبر الذي فاق 10 ألف شاب وضعوا في سجن نقرة سلمان في مدينة سماوة جنوب العراق على الحدود السعودية.

ويضيف أن طريقة التهجير تمت بشكل "لا يليق بالإنسان" ولم يكتف نظام صدام بتهجيرهم والزج بشبابهم في غياهب السجون، بل قام بالتنكيل بالشيوخ والأطفال في رحلة التهجير القسري من وطنهم، علاوة على تجريد الأسر حتى مما يطعمون به أطفالهم، واغتصاب الفتيات على مرأى ومسمع ذويهن، العاجزين عن فعل شئ سوى توسلاتهم وصرخاتهم للقوات المكلفة بالترحيل التي لم تحرك ساكنا.

أخذوها من والديها واغتصبوها
20 مرة
وفي السياق نفسه يروى الربيعي واحدة من عشرات حالات الاغتصاب التي تعرضت لها الفتيات أمام أسرهم.. "روت لي إحدى الفتيات وتعمل مهندسة مدنية أنه تم اقتيادها بعد أخذها من والديها لاغتصابها، وسط توسلاتهما للقوات المكلفة التي لم تعرهما أي اهتمام، وتم اغتصابها
20 مرة حتى أصيبت بنزيف حاد".

ويوضح الربيعي معاناة
2000 من الشباب الفيليين بسجن أبوغريب الشهير.. "كانت سلطات السجن تمارس علينا حربا نفسية، كانوا يقولون إن أعراض أسركم تنتهك، وأنتم مرتاحون في السجن". ويضيف بأن إدارة السجن لم تكتف بذلك فقط بل كانت تسب أئمة الشيعة.

"عندما اشتدت علينا الحرب النفسية قررنا التظاهر وتحطيم السجن، وقمنا بعمل بطولي ولكن تمت محاصرة السجن بطائرات الحرس الجمهوري، وطالبنا إدارته بالإفراج عنا باعتبارنا عراقيين ولم نرتكب جريمة، أو ترحيلنا إلى إيران لنلحق بأسرنا إّذا كانت السلطات العراقية ترى أننا لسنا عراقيين". ويذكر أن السلطات العراقية كانت تردد حينها بأن الأكراد الفيليين هم من جذور إيرانية.

ويضيف: "بعد يومين تم نقلنا إلى القيادة العامة ببغداد في مجموعات تتكون المجموعة من
100 شخص، لكن الدفعات لم تستمر أكثر من 6 مجموعات، والبقية تم نقلها إلى سجن نقرة سلمان، وتم نقلنا من بغداد إلى خانقين على الحدود الإيرانية في منطقة وسط الأحراش التي تكثر فيها الأفاعي ومن ثم إلى النقطة الحدودية، وبعدها دخلنا الأراضي الإيرانية".

ويقول إنه رأى تجمعات عسكرية كبيرة على الحدود تؤكد أن النظام العراقي كان بصدد اجتياح إيران، "عند دخولنا إيران استقبلنا بواسطة مجموعة عراقية معارضة بقيادة مالك الحكيم. وهنا اشكر السلطات الإيرانية على حسن استقبالها وترحيبها الأكراد الفيليين".. إلا أنه يقول إن السلطات الإيرانية في الفترة الماضية قامت بتضييق فرص العمل وتحديد نشاط الأكراد الفيليين، مما دفع بمجموعات كبيرة بالهجرة إلى أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا حيث وصل عددهم في إيران طبقاً لآخر إحصائية إلى
201 ألف.

وهاجم الربيعي بشدة هيئة محكمة صدام حسين التي تجاهلت قضية شباب الأكراد الفيليين، واكتفت باتهامه بتهجيرهم ومصادرة أموالهم فقط .. كما هاجم المعارضة العراقية بأنها استغلت قضيتهم قبل سقوط نظام صدام كجسر ولم تعرهم اهتماماً بعد وصولها للسلطة.

مشكلتهم مصادرة أوراقهم الثبوتية
وناشد الربيعي الحكومة العراقية الاستجابة إلى مطالب الأكراد الفيليين والتي لخصها في تعويضهم بأراض أو شقق سكنية بعد أن صادرت حكومة صدام منازلهم وممتلكاتهم، والسماح لهم بالانخراط في المؤسسات المدينة والعسكرية العراقية، لكنه يقول إن المشكلة التي تواجه الأكراد الفيليين في المهجر هي فقدانهم لأوراقهم الثبوتية التي قام النظام السابق بمصادرتها.

الجدير بالذكر أن منصب وزير المهاجرين والمهجرين بالعراق تشغله سهيلة عبد الجبار وهي من الأكراد الفيليين.

وكشف بأن
الـ12 ألف شاب الذين اعتقلهم نظام صدام بسجن نقرة سلمان الصحراوي قام بتصفيتهم في التجارب الكيمياوية وفقاً لتصريحات سفير العراق برومانيا عادل مراد، وقد حصل الربيعي على وثيقة تفيد بأن نظام صدام كان يستدعي السجناء في شكل مجموعات تتكون المجموعة من 200 سجين لا قامة حفلات لهم.. "كنا نعتقد بأن النظام كان يقيم حفلات للسجناء لكننا اكتشفنا بعدها بأنهم كانوا يؤخذون إلى رحلة الموت لاستخدامهم في التجارب الكميائية حتى وصل العدد إلى 10 ألف قتيل".

ويوضح أن العدد المتبقى في سجن نقرة سلمان طلب منهم المشاركة ضمن القوات العراقية في حربها مع إبران مقابل الإفراج عنهم والسماح لأسرهم بالعودة للعراق وتعويضهم عما تم مصادرته منهم، لكن النظام لم يف بوعده.. "تم إلباسهم الزي العسكري ووضعوا في الخطوط الأمامية بدون سلاح".

وقد أعدم النظام العراقي
800 شاب في سجن أبوغريب، بسبب قيامهم بمظاهرة في السجن وفق ما أدلي به أحد الناجين ويدعى نخلة سليمان ويقيم الآن في إيران.

وكشف الربيعي عن حصوله على وثيقة بتوقيع صدام حسين يأمر فيها بإعدام
300 شاب آخرين بعد إلباسهم الزي العسكري، واعتبارهم أمواتا، وأن يصرف لذيهم رواتب تقاعدية إذا كانوا موجودين في العراق، ومن ضمنهم أبناء عمه كريم ونجم الدين وفتاح عبد الفتاح، ووضعت السلطات العراقية في يد كل قتيل قطعة جلدية مكتوب عليها اسمه وتاريخ إعدامه.

ويردف أنهم اكتشفوا الجثث في مقبرة محمد السكران المعروفة شرق بغداد في اتجاه بعقوبة، وأن مسؤول المقبرة كان يقوم بعد استلامه الجثث بدفنها عبر نزع القطعة الجلدية ووضعها في إناء زجاجي بجانب الجثة خوفاً من تحلل القطعة الجلدية.