هيئة دعاوى الملكية العراقية.. مشاكل متفاقمة يقابلها قانون مبهم وناقص

جريدة الصباح، 22/6/2005

هادي الربيعي :
اعداد كبيرة من المواطنين الأبرياء وقع عليهم ظلم النظام السابق لا لذنب اقترفوه او قانون تجاوزوه بل لمعتقداتهم السياسية والدينية وانتماءاتهم القومية والطائفية او بسبب تشريدهم واجبارهم على ترك ديارهم ووطنهم والهجرة الى الخارج خشية من بطش النظام وملاحقاته التعسفية.

هؤلاء المواطنون انتزعت عقاراتهم منهم وصودرت أموالهم ومحالهم ومزارعهم بغير وجه حق ومن دون الاستناد الى أي أساس او مسوغ قانوني، وتصرف هذا النظام بهذه العقارات وعرضها للبيع الى أناس آخرين وهؤلاء بدورهم قاموا ببيعها مجددا وأضافوا وغيروا في معالمها وأبنيتها لتتحول الى مشكلات معقدة وصعبة.
وحينما عاد قسم من هؤلاء المواطنين بعد التغيير الى أحضان الوطن وجدوا ان كل شيء قد تغير فحنينهم الى بيوتهم التي تركوا فيها ذكرياتهم قد تبخر وان هذه البيوت والمحال تشغل الان من قبل اناس آخرين اشتروها من دائرة عقارات الدولة وبعضها انتقلت ملكيتها لإكثر من طرف.. فماذا يفعل هؤلاء؟ والى اين يذهبون لاسترجاع حقوقهم ورفع الظلم والمعاناة عنهم؟!
وبسبب ضياع الحق كثرت الشكاوى وتفاقمت المشكلات ليجري بحكم الضرورة استحداث هيئة دعاوى الملكية العراقية لتتولى معالجة المشكلات الشائكة التي خلفها النظام السابق وتعيد الحق الى أصحابه الشرعيين على وفق اسس قانونية وقضائية تراعي مصلحة الطرفين ولا ينجم عنها نشوء مظالم جديدة.
وللوقوف على طبيعة اهداف وعمل هذه الهيئة وعدد مكاتبها وكيفية تعاملها مع دعاوى المواطنين سواء في الداخل او في الخارج ولديهم عقارات مصادرة وكيف سيتم التعويض.. هل باعادة العقارات ام بالتعويض المادي؟ وكيف سيكون موقف الهيئة من العقارات المصادرة التي تملكها أكثر من طرف واجريت عليها تحويرات وتغييرات واضافات؟ وهل تشمل جهودها ايضا من صودرت امواله غير المنقولة بسبب الرشوة والاختلاس؟
هذه المحاور وغيرها من التساؤلات التي تدور في أذهان المواطنين هي ما يتناوله هذا التحقيق.

وظيفة الهيئة
اذن.. ما هي الوظيفة التي جاءت من اجلها فكرة تأسيس هيئة دعاوى الملكية العراقية؟
ـ يجيب رئيس هيئة دعاوى الملكية العراقية قائلا: ان فكرة تأسيس الهيئة جاء بضوء تطبيقات مماثلة سابقة في دول اخرى مثل المانيا ويوغسلافيا وهي قد جاءت لتتولى اعادة جميع الاملاك التي تمت مصادرتها او الاستيلاء عليها او التي تم وضع اجراءات الحجز عليها او اية وسيلة اكراه اخرى وضعتها الحكومة العراقية السابقة التي لا تدخل ضمن نطاق التعاملات القانونية المتبعة الى مالكها الاصلي من دون تبعات قانونية على ان يكون سند الملكية باقيا باسمه واعادة جميع الاملاك التي تمت مصادرتها او الاستيلاء عليها وتحويلها الى النظام السابق او الى احد رموزه والتي لم يتم بيعها الى طرف ثالث الى مالكها الاصلي واعادة جميع الاملاك التي قام النظام السابق بمصادرتها والتي كانت تستعمل مساجد او دور عبادة او مدارس دينية او جمعيات خيرية او ما الى شاكلها لى دائرة الاوقاف، واعادة جميع الاملاك المسجلة باسم المسؤولين الكبار في النظام السابق الى اصحابها الشرعيين اذا تبين ان تلك الاملاك قد انتزعت بصورة غير شرعية.

شروط الدعوى
* ما هي الشروط الواجب توفرها في الدعوى المقدمة من قبل المواطنين؟
ـ ليست لدينا شروط ولكن هناك وثائق معينة ينبغي توفرها في الدعوى ومنها سند الملكية ان وجد الاصل مع الصورة وهوية الاحوال المدنية مع شهادة الجنسية الاصل والصورة واستشهاد من دائرة التسجيل العقاري المختصة الاصل مع الصورة وفي حالة عدم وجود هوية الاحوال المدنية او شهادة الجنسية يتم جلب هوية العائدين او صورة قيد او أية هوية ثبوتية بالنسبة للمسفرين. وفي حالة وفاة صاحب العقار الاصلي يتم جلب قسام شرعي للمتوفى او شهادة وفاة مصدقة من السفارة او القنصلية بالنسبة للمسفرين الاصل والصورة وفي حالة وجود ممثل قانوني يجب ان تبرز وكالة، واود ان اشير الى ان هذه الدعاوى هي مجانية ومن دون رسوم او اجور خدمة.

أعداد الدعاوى
* ما عدد الدعاوى المقدمة الى الهيئة ومكاتبها؟
ـ ان عدد الدعاوى المقدمة لغاية مطلع حزيران الحالي هي
68 الفاً ومائة دعوى في جميع انحاء العراق بما فيها اقليم كردستان وقد تم انجاز خمسة الاف و 244 دعوى منذ تأسيس الهيئة في 2004/3/14 وقد تم خلال الاسبوع الماضي انجاز 352 دعوى وطموحنا في الهيئة انجاز اكثر من هذا العدد وبحدود 400 - 500 دعوى في الاسبوع اذا ما أدخلت بعض التعديلات على القانون. والقانون قد نص على ان يكون 30 حزيران الحالي هو اخر موعد لتسلم دعاوى المواطنين ولدينا الرغبة في تمديد مدة تسلم هذه الدعاوى وهناك مقترح وطلب تقدمنا به الى مجلس الوزراء كما ان لدينا مسودة لتعديل قانون الهيئة وقد قدمناه الى مجلس شورى الدولة من شأنه ان يفعّل هذا القانون ويجعله اكثر ملاءمة للواقع العراقي ومعطياته وبما يضمن تحقيق العدالة وتحقيق مصلحة الطرفين المالك الاصلي السابق والمالك الجديد.
ويمكن ان أشير الى ان الهيئة تمتلك الان
32 مكتبا في بغداد والمحافظات وقد وزعت في ضوء زخم وكثرة هذه الدعاوى المقدمة من قبل المواطنين منها 6 مكاتب في بغداد وحدها ثلاثة منها في جانب الكرخ وثلاثة في الرصافة. وقد تم في البصرة انجاز 145 دعوى وفي الموصل 501 وفي كركوك 922 وفي كربلاء 200 دعوى وفي النجف 290 دعوى وفي بعقوبة 444.

* هذه المعاملات هل اعادت حقوق الناس؟
ـ اود ان اشير الى ان الدولة قد خصصت اكثر من
300 مليار دينار لمعالجة هذه المشاكل وتعويض الاطراف المتضررة او تحقيق العدالة ورفع المظالم لكن القانون الحالي للهيئة لا يوصل الى هذا الهدف. لذا فاننا قد عكفنا على دراسة نصوص القانون واقترحنا مشروعا جديدا لهذا القانون اكثر تفهما لملابسات هذه القضية ولا تنجم عنه مظالم جديدة.

الحالات المعالجة
* ما هي الحالات التي يعالجها قانون الهيئة؟
ـ يجيب المشاور القانوني في الهيئة عبدالحسين محسن العيساوي قائلا: ان هذه الحالات هي حالات المصادرة او الاستيلاء او الاستملاك لغبن فاحش لغير اغراض النفع العام او قانون الاصلاح الزراعي او حالات وضع الحجر على العقارات او حقوق الاتفاق الخاصة بهذه العقارات التي تمت من قبل النظام السابق خلال المدة ما بين
17 تموز 1968 لغاية 9 نيسان 2003 لاسباب سياسية او طائفية او عرقية كانتماء مالك العقار المصادر الى حزب محظور او معارض او الى قومية او طائفة معينة اما الاموال المنقولة فهي غير مشمولة بقانون الهيئة.

ملاحظات سلبية
* ما هي ابرز ملاحظاتكم على قانون الهيئة؟
يجيبنا السيد محمد جميل مدير الاعلام والعلاقات في الهيئة قائلا: ان قانون الهيئة الحالي يعد المواطن الذي اشترى العقار من الدولة في النظام السابق يسيء النية لانه يعرف ان هذا العقار مغتصب واقدم على شرائه لذا ينبغي ألاّا يعوض بينما الواقع ان هذا المواطن اشترى هذا العقارعلى وفق قانون نافذ وبالمزاد العلني وبموجب ضوابط وتعليمات دائرة عقارات الدولة التابعة لوزارة المالية العراقية وقتها واعطى هذا القانون التعويض للمالك الاخير ومثال ذلك ان مواطناً قد تملك عقارا وظهر ان هذا العقار تعود ملكيته لمواطن اخر مسفر فالتعويض لا يكون بالسعر الحالي بل بالسعر القديم وهذا المبلغ لا يساوي شيئا حتى لو ضرب بثلاثة دولارات.
والملاحظة الثانية هي أنه ينبغي تعويض المواطن من تاريخ اقامة الدعوى، وبهذه الحالة يتم انصاف الطرفين وليس انصاف طرف على حساب اخر والا ماذا فعلنا؟ فنكون عندها رفعنا الظلم عن طرف واوقعناه على طرف آخر. كما ان مدة التبليغ التي تضمنها القانون البالغة
45 يوما اضافة الى الـ 60 يوما وهي مدة الطعن فهذه مدد مبالغ بها وتطيل من مدة الدعوى كما ان المدة التي حددت لتسلم الدعاوى وهي 30 حزيران الحالي لابد من تمديدها لاتاحة الفرصة لاكبر عدد من المواطنين الذين في الخارج او الارياف والبوادي وطلبنا من مجلس الوزراء تمديد هذه المدة انسجاما مع روح القانون في معالجة الظلم وارجاع الحق الى اهله الشرعيين ولكن من دون وقوع مظالم جديدة.
وان الهيئة تشجع الحل الطوعي الذي ينجم عن اتفاق بين الاطراف المتخاصمة وقد حصلت مثل هذه الحالات اذ تمت التسوية بالقبول والتوافق وفي مكتب الرصافة الثالثة الكائن في الوزيرية التقينا مدير المكتب وسألناه عن اجراءات التقاضي امام الهيئة فقال: من المعلوم لدى المختصين ان اجراءات التقاضي امام المحاكم المدنية رسم لها القانون شكلية معينة، اما فيما يخص قانون الهيئة فبالنسبة لاجراءات التقاضي يعتمد قانون المرافعات المدنية المعمول به في المحاكم المدنية لان للهيئة قانوناً موضوعياً فقط هو قانون دعاوى الملكية فقط وليس لها قانون اجرائي خاص بها لذلك فاننا نتبع القوانين الاجرائية كقانون المرافعات وقانون الاثبات المعمول به بالمحاكم العراقية ولكن لخصوصية الدعاوى المرفوعة امامنا فان اغلب المدعى عليهم يكونون من المسفرين او الذين هجرهم نظام صدام المباد او اجبرهم على الهجرة ومن المعلوم ان في هذه الشريحة من يجد صعوبة في ابراز المستمسكات الاصلية الخاصة به لغرض اقامة الدعاوى اما بسبب انتزاعها من قبل النظام السابق او فقدانها او تلفها لذلك اعتمدت الهيئة مسلكا توفيقيا بين ضرورة تقديم المستمسكات الاصولية لاقامة الدعوى وبين فهم الصعوبات التي تواجه هؤلاء المواطنين وذلك عن طريق استخدام المرونة وتسهيل الاجراءات وتخطي الكثير من الحلقات الروتينية التي تعترض سبل اصحاب تلك الدعاوى.

أخطاء لا تغتفر
ويشير المحامي جابر عبد جابر الربيعي المستشار القانوني في مكتب الرصافة الثالث الى وجود خلل كبير في نصوص قانون الهيئة وانه اذا بقي على هذه الحال فلا يرجى منه ازالة المظالم وتحقيق العدل والقانون لان القانون هو تسوية تاريخية لكل النزاعات وينبغي ان يراعي المصلحة العامة ولا يؤدي الى مصادرة حقوق طرف على حساب طرف اخر
ويضيف قائلا.. انا اجد ان القانون لانه معد من قبل جهة اجنبية هي سلطة الاحتلال السابقة فقد جاء مليئا بالاخطاء التي لا تغتفر فالمالك الجديد في تقديري وتقدير اي قاض منصف يستحق التعويض ولكن من هي الجهة التي تعوضه؟ هل هي وزارة المالية؟ او هناك جهة اخرى لذا فان المسؤول الاول والاخير عن هذه المشاكل القانونية الشائكة هي الحكومة في ظل النظام السابق لذا فان على الحكومة الحالية وهي حكومة منتخبة وقد جاءت من رحم الشعب ولمعالجة اوضاعه ووضع حدٍ لمعاناته وآلامه اقرار مشروع تعديل قانون الهيئة باسرع وقت لكي لا تقع في الخطأ الذي وقع فيه النظام السابق، علينا ان نعترف ونقر بأن المواطن الذي اقدم على شراء العقار فقد اقدم على هذا الفعل على وفق القوانين التي كانت نافذة وليس له شأن في عملية الاغتصاب ومثال ذلك ان المواطن الذي اشترى عقارا وهي قطعة ارض واقام عليها تغييرات او اضافات بلغت قيمتها 500 مليون دينار او مليار دينار فعلى القانون ان يعيد هذا المبلغ اذا ارد انتزاعه وان المحكمة تنتدب خبراء مختصين لتقدير أقيام هذه المنشآت والتغييرات وبالسعر الحالي وتعتمد تاريخ اقامة الدعوى وهو التاريخ المعتمد وهنا يكون الحل اما بدفع مبلغ له وهو سعر الارض او تأخذ منه الارض بالسعر الحالي والدولة لا تقوم الان بعملية التعويض.