الرئيس مام جلال .. الفيصل بين الانتصار والانهيار

الدكتور خليل شمه ـ مستشار في الخارجية التشيكية
موقع حزب په يمان،
7/4/2005

ونحن نهنئ مام جلال كرئيس منتخب للعراق، تعود بنا الذاكرة الى عهد، لا هو غريب ولا هو ببعيد عن لحظة تحول تاريخية، قلبت موازين في القوى بين الشر والخير، وخلقت مناخات لقيم تحديثية على انقاض قيم قيدت حركة الإنسان العراقي وتطلعاته نحو نور يقوده الى الجانب الآخر، حيث العالم الحر المتحضر المطمئن الى غده.

الحديث عن جاهزية وكفاءة الرئيس العراقي الطالباني وحنكته السياسية في قيادة العراق، وكذلك الخصال الوطنية الراقية، او المثل العليا التي يتسم بها هذا القائد الفذ، يتطلب منا كتابة الكثير من الصفحات التوثيقية، وهذا ما نتركه للمؤرخين الأوفياء لقضايا شعوبهم للكشف عن شخصية مثل هذا المناضل، قياسا بالذين سبقوه من رؤساء اميين، كانوا من ألد اعداء الثقافة والمفاهيم الحضارية.

اليوم، وبحق، يمكن لنا أن نطوي تلك الصفحة قاتمة السواد، من تاريخ شعب تميز بالتسامح، وحب الخير، والذي ترك بصماته الابداعية عند كل أثر تاريخي تجده على أرض الرافدين. هكذا كانت أرادة الشعب، وهكذا قررت القيادة الواعية أن تكون الصفحة الجديدة فيصلا بين عقود من الظلامية والانهيار المعنوي والمادي لمجتمع، طالما قارع، بأباء ونكران ذات، قوى التخلف والأمية، وتضحيات قلما أقدم عليها شعب من شعوب المنطقة.

جاء جلال ليتبوأ بجدارة قيادة مثل هذا الشعب، الذي خسر الكثير من عمره، من عمر حضارته وتطوره وتطلعه ليوم كان أمره محسوما. وجاء جلال ومعه كوكبة من المناضلين الاقحاح، وطنيتهم وولاءهم للعراق هو عنوان هويتهم، ورسالتهم الجلية هي الخدمة العامة لكل مكونات المجتمع العراقي.

لم يكن بالأمر الهين ان تدفع بقوى الظلام والتخلف الى الخانة الأخيرة من النفاق السياسي وبالتالي الى الانهيار، ولم يكن بقدور أي كان أن ينتصر على طاغية، يذكرنا بالسفاحين ومصاصي الدماء وشراذم الرذيلة والخذلان، إلا إذا كان مؤمنا بقوة الخالق على دحر كل ما يمت الى الشر بصلة، أو من كان قد نذر نفسه لدحر من جعل من نفسه مطية السلطة والجاه والاستعلاء.

اليوم، وبعد أن طوينا تلك الصفحة المظلمة من تاريخ العراق الحديث، علينا أن نتدارك أمورا لا تقل اهمية عن انهيار الطغمة الكافرة الظالمة امام انتصارنا التاريخي، بل على العكسن أمامنا من المهام ما هو أكثر صعوبة، وأكثر حرجا، بل اعظم شأنا. علينا، بدءا، القضاء على بؤر الارهاب المتمثلة بالزمرة الصدامية المخابراتية، والمرتزقة الزرقاويين ومعهم أطراف، تحت يافطة المقاومة الوطنية، تعمل ليل نهار من أجل الردة، وجهات تحسب لنفسها تمثيلهم الأخوة من اهل السنة، والسنة منهم براء. هذه الأطراف النكرة في اصولها، هي ذات الجهات، التي اضطهدت، وبشكل عادل، كل من الشيعة والسنة والكورد وباقي الاثنيات، ودمرت خيرات وموارد العراق، وانتهكت الاعراض وحقوق الإنسان .

وكما نعتبر، أن القضاء على الارهاب لا يتم بمعزل عن التأييد والدعم الشعبيين، فأن تحقيق هذا المطلب هو المنطلق الصحيح لإعادة بناء الاقتصاد العراقي الوطني، ورفع الحيف عن شرائح اجتماعية كبيرة، وتعويضهم عن كل ما لحق بهم من تعسف وظلم، وتحديدا، الآلاف المؤلفة من الكورد الفيليين الذين لا يزالون دون هوية وطنية والمسلوبة ممتلكاتهم، والذين لا صوت لهم في الجمعية الوطنية، ولا نجد من يقف الى قضيتهم، في حين نجد أن لباقي الشرائح الاجتماعية احزاب، ووزراء وسلطات تبذل المستحيل من اجلهم، ومن اجل نصرة قضيتهم العادلة.

أن من المهام التي علينا الركون اليها، وصولا الى العدالة الاجتماعية لتثبيت اركان الدولة الحديثة، هو حيادية هيئة الرئاسة والسلطات االتشريعية والتنفيذية عند اتخاذ قراراتها المتعلقة بـ:

التوظيف، والمعيشة، والتعليم والرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، والتمثيل الرسمي للعراق في المحافل الدولية كالسفارات، والمنظمات الدولية والعربية، على اساس من الكفاءة والمعرفة العلمية والإدارية، مع مراعاة اختيار الموظفين، اصحاب المراكز العليا او الحساسة، على اساس الولاء التام للعراق الجديد، وابعاد كل الزمر، ذات الصلة بالعهد البائد، دون هوادة ( الوطنية والعهد الجديد لا يعني المجاملة أو اللهاث وراء افراد أو مجموعات لاتمثل طيفا أو شريحة، على حساب الديمقراطية والتطور الاقتصادي، أو ديمومة النظام الجديد) .. الخ.

لسنا هنا بصدد تقديم توصيات ونصائح للقيادات الوطنية الجديدة، فهي ذات خبرة ميدانية كبيرة كالرئيس العراقي مام جلال. ولكن حرصنا على بقاء نظامنا الديمقراطي الفيدرالي التعددي كنموذج لباقي شعوب المنطقة، يقودنا الى التأكيد على اهمية النظر الى المصالح العليا للشعب العراقي أولا، دون التلكؤ بتنفيذ العهد الذي قطعوه للناخبين. وتحضرني الذاكرة مرة ثانية، المتغيرات السياسية التي رافقت الحياة الاجتماعية في الجمهورية التشيكية، حيث فاز فاتسلاف كلاوس برئاسة الجمهورية، وهو رئيس ومؤسس للحزب الديمقراطي المدني المحافظ من الكتلة المعارضة. وحال انتخابه رئيسا للجمهورية، تخلى عن كل مهامه وصلاحياته الحزبية دفاعا عن المصالح الشاملة للمجتمع التشيكي. لقد زادت شعبية كلاوس عند التشيكيين بشكل لم يسبقه حتى الرئيس السابق فاتسلاف هافل، صديق مام جلال. كما زادت شعبية الحزب المدني المحافظ لتصل الى نسب عالية جدا، قياسا للاستفتاءات التي تجري بين الحين والآخر. ان خطاب مام جلال، عند تنصيبه رئيسا للجمهورية، كشف عن دراية وحنكة سياسية على درجة من الوعي التحديثي لمتطلبات العهد الجديد، ويعتبر نموذجا للقيادي السياسي، الممثل لكل اطياف الشعب الاثنية والمذهبية، وجب على الآخرين ان يحتذى به وصولا الى كسب القناعات والمصداقيات الجماهيرية. كما وجب التذكير بالمواقف الوطنية للمجلس العام للثورة الاسلامية وحزب الدعوة الاسلامية من مجمل العملية السياسية في العراق، عند مفاتحاتها الحوارية مع باقي مكونات الشعب العراقي وصولا الى رص وتوحيد الصف الوطني.

أن الانتخابات القادمة ليست ببعيدة ولها من الاستحقاقات ما يقتضي التعامل مع كل اجراء يعززالمصداقية والشرعية لديمومة العهد الجديد. فالى المزيد من المكاسب، وهنيئا لهذا النصر الكبير على قوى الظلام وهي على حافة الانهيار التام.