ماذا يريد الأيزيدية من الدستور العراقي الجديد

زهير كاظم عبود
26/4/2005

في لقاء لنا بمدينة بعشيقة في المركز الثقافي الكوردي بالموصل بتاريخ
18/4 طرح عدد من الأخوة الأيزيدية تطلعاتهم ورؤاهم حول قضيتهم في الدستور العراقي القادم .
مالمسته في المطالب التي اختصرها الأخوة المتداخلين من الأيزيديين يتجسد في أصالتهم وعراقيتهم وتمسكهم بكورديتهم وكونهم جزء من هذه الأمة الكوردية العظيمة ، بالأضافة الى تسامي الأفكار التي تم طرحها في الندوة المذكورة والتي ناقشت نقاط عديدة من اهمها قضية الدستور وحقوق الأديان والقوميات والأيزيدية منها بشكل خاص .
كما لمست بساطة المطالب وكونها تمثل جزء من الحقائق العراقية ، ولم تتعدى الضرورات الأساسية للمطلب الانساني في حقيقة كون الأيزيدية ديانة قائمة في العراق منذ القدم ، وأن لهذه الديانة معتنقين ومؤمنين بأعداد لايستهان بها ، وأن أبناء هذه الديانة جزء من الأمة الكوردية وجزء من شعب العراق ، وأن لهم الحق في الحياة بالشكل الذي تضمنه لهم نصوص الدستور والقوانين المتفرعة عنه ، وأن لهم الحق في خصوصيتهم وحرية عقيدتهم وممارساتهم الدينية ، كما أن لهم الحق في التمتع بما تضمنه النصوص ممارسة طقوسهم والتي لم تسيء مطلقاً لأية ديانة أو مذهب أو فكر في يوم ما ، لابل لم تكن مصدر قلق للسلطات في يوم ما .
طالب عدد من الأخوة الأيزيدية أن يكشف الدستور العراقي عن حقيقة وجودهم في العراق ، وطالما أغمضت الدساتير والسلطات العراقية المتعاقبة والتي ابتليت بالشوفينية عن حقيقة وجودهم وفاعليتهم ضمن المجتمع العراقي ، وبالرغم من تضحياتهم ومشاركتهم ضمن الحركة السياسية العراقية ، سواء بالأنخراط في صفوف قوات البيـــش مركة ( الجناح العسكري المسلح لثورة الشعب الكوردي في العراق ) أو بالأنضمام الى الأحزاب العراقية المناضلة .
ورغم ان نظام الحكم الاتحادي يقوم على أساس الحقائق الجغرافية والتأريخية والفصل بين السلطات ، ولايقوم على أساس الأصل أو العرق أو الأثنية أو القومية أو المذهب ، وبالرغم من كون الأيزيدية من الكورد الاصلاء ، فأن خصوصية ديانتهم ومانالها من تهميش وظلم عبر التاريخ العراقي الحديث والقديم يجسد بشاعة مالحقهم وماأصابهم من حيف .

لم يزل الأيزيدية حتى اللحظة يشعرون بعدم الطمأنينة وعدم الأستقرار حتى بعد سقوط الطاغية العراقي ، بالنظر لوجود الأصوات المبتلية بالحقد والكراهية ليس لهم وحدهم وأنما لكل التآلف والتآخي والأنسجام بين الأديان والقوميات ، بالنظر لما أبتليت به هذه العقول من تعصب أعمى وحقد دفين يأكل العقل والقلب فيحيلهم الى معوقات ضد كل ماهو خير وأنساني في العراق الجديد .
وكحقيقة لاتغب عن بال العديد من المهتمين بالشأن العراقي من وجوب أن يكشف الدستور العراقي القادم حقائق المجتمع العراقي من وجود قوميات متعددة تتشكل من العرب والكورد والتركمان والكلدان والآشوريين ، وكذلك وجود أديان متعددة تتشكل من الاسلام والمسيحيين واليهود والصابئة المندائية والأيزيدية ، بالأضافة الى وجود طوائف وملل تتشكل من الكاكائية وأهل الحق ، مما يستوجب على المساهمين في كتابة مشروع الدستور العراقي القادم أن يكتبوا النصوص التي تعبر عن حقيقة مكونات الشعب العراقي بصراحة واضحة نفتقدها في نصوص الدساتير السابقة مثلما نفتقدها في الحياة الدستورية والقانونية في العراق .
أن أعتراف نصوص الدستور بوجود كل تلك الديانات يعبر عن مطلب عراقي طالما انتظرته الجماهير العراقية ، وبدلاً من اطلاق العبارة العامة التي درجت الدساتـــــير السابقة على ادراجها تخلصا من الوضوح والتخصيص بعبارة ( المسلمين والمسيحيين والديانات الأخرى ) ، يصبح من اللائق أن يتم ذكر الديانة اليهودية والأيزيديـــة والصابئة المندائــية وعدم اعتبارها تحت عباءة كلمة ( الأخرى ) ، وحين يتم ذكر كل تلك الديانات لايتم الكشف عن حقيقة جديدة ، بقدر مايتم الكشف عن حقيقة قائمة وواقعة فعلا ويعرفها جميع أبناء العراق ولاخلاف عليها مطلقاً .
كما طرح عدد من الأخوة وجوب تفعيل النص الذي يساوي بين العراقيين في الحقوق والواجبات ، وهذه المساواة بغض النظر عن القومية او الدين او العقيدة او الجنس او الأصل او العرق او المذهب ، ومادامت الخصوصية الدينية تستوجب أن يكون لكل دين محكمة خاصة للأحوال الشخصية ، وأن يتم القضاء بين كل اهل ديانة وفق الشرائع والنصوص والتقاليد العرفية التي يتبعها الدين او المذهب المذكور ، وحيث أن للعراقي حرية العقيدة الدينية وممارسة شعائرها فقد أكد المتداخلين على وجوب أن تكون محاكم للأحوال الشخصية لكل دين من الأديان بما فيها الأيزيدية حيث حرموا منها ، وأن يتم تطبيق القانون او النظام او اللائحة التي تصدر عن ذلك الدين او المذهب .
أن حقوق الأيزيدية في ديانتهم من الحقوق الأنسانية والأساسية التي تؤكدها جميع الشرائع وتنص عليها بشكل غير مباشر جميع الدساتير التي صدرت عن السلطات التي تعاقبت على العراق ، غير أن المصيبة التي كان المواطن الأيزيدي يقع تحت حملها ، أن هذه السلطات تمارس شتى اشكال التعسف والقهر بحق المواطن الأيزيدي ، فتضغط عليه وتحاصره نفسياً بصدد تغيير ديانته ، وكما تمارس عليه شتى المظالم لتغيير قوميته من الكوردية الى العربية ، بالأضافة الى ممارستها حملات التهجير والترحيل والأعتقال .
يقينا أن المسلمين والمسيحيين واليهود يحترمون الديانات الاخرى ، ويؤكدون على وجوب رعايتها والمحافظة على حرية أبنائها ، كما أن الثوابت الأساسية للأديان تتشابه فيما بينها ، فجميعها تؤمن بالله الواحد الأحد ، كما أنها جميعها تشكل دعوات أصلاحية بأتجاه خير الأنسان ورسم معالم سلوكه ضمن المجتمع بما يحقق المحبة والتآخي والوئام بين الناس ، ومن خلال ذلك فأن الأيزيدية والصابئة المندائية محط تقدير وأحترام جميع تلك الديانات .
كما طالب عدد من الأخوة الأيزيدية بضرورة أن يتم أشراك الحقوقيين الأيزيديين ضمن اللجان التي ترسم مسودة الدستور العراقي القادم ، وكنت قد لمست الحرص على المشاركة في كتابة الدستور من جميع اعضاء مكتب شؤون الأيزيدية في السليمانية ، بالأضافة الى حرص الأخــوة كل من عادل ناصر وجميل خضر عبدال ، كماأستطيع أن اؤكد ان الأخوة في مركز لالش الثقافي في دهوك لايقلون حرصاً عن أخوتهم في باقي المناطق ، بالنظر لما يشكلة الدستور العراقي القادم من أهمية قصوى في رسم معالم الحياة العراقية الجديدة ، وهذا مال\نلمسه في مواقع الأنترنيت والدوريات الخاصة بالأيزيدية .
وأزاء المطالب الأيزيدية التي جسدها بعض الأخوة في لقاء بعشيقة بصرف النظر عن عقائدهم السياسية ، فانها تجسد التوازن العقلاني ، والمطالب الحقيقية التي يريدها اغلب الأيزيدية ، كما لمسنا حرقة الصوت الأيزيدي من عودة الفكر الشوفيني البائد الى الساحة العراقية حيث كان أول الضحايا هم الأيزيديون .
ولكون الأيزيدية خبروا نصوص الدساتير المؤقتة التي تجاهلتهم ، فقد كانوا يستبشرون بنصوص العراق الجديد الواردة ضمن نصوص قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية ، غير ان هذه النصوص ساهمت في تغييبهم وعدم ذكر أسمهم مرة أخرى ، مما عزز القناعة لديهم في أستمرار التجاهل والغبن ، ويتسائل الأيزيدية عن الكوامن الحقيقية والمغزى الذي يدفع بنصوص دستورية غاية في الوضوح والصراحة أن لاتذكر الديانة الأيزيدية كونها من ديانات شريحة مهمة من شرائح العراق ، وديانة لها ثقلها ومميزاتها ، ومثلما يقول نص الفقرة ب من المادة السابعة كون العراق بلد متعدد القوميات ، فانه بلد متعدد الأديان ، ومثل هذه التعددية لاتعدو للخجل ولاتبيح للنصوص ان تأتي خجولة لاتشير الى حقيقة المكونات الأساسية للديانات العراقية .
ومرة اخرى يؤكد الأيزيدية مطلبهم الأساس ونحن معهم من ضرورة أن يتم الأفصاح عنهم في النصوص القادمة ، وأن ينصفهم الدستور القادم وفق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات العراقية ، كما ينتظرون بفارغ الصبر أن يلتفت كتبة الدستور اليهم دون ان يغمضوا عيونهم عن أسم الأيزيدية ، تلك الديانة التي تحترم الديانات وتدعو للخير والمحبة والسلام والأيمان بالله ، بالأضافة الى كونها ديانة غير تبشيرية ومقفلة على أتباعها .
ومن النداءات التي يطلقها الأخوة الأيزيدية نستطيع تلمس مدى تواضع المطالب الأنسانية وبساطتها ، وهي مطالب تدعو للتأمل والتقدير بالنظر لكونها تجسد الحقيقة المريرة التي طالما شعروا انهم عراقيين مظلومين مرتين ، مرة ككورد ومرة أخرى كأيزيدية ، ولذا فهم يأملون أن يكونوا في ضمير من سيشارك في رسم نصوص مسودة الدستور ، ويدعون كل أصحاب الضمائر الحية ، ودعاة حقوق الانسان الى أنصافهم في الدستور الذي يفترض انه سيرسم معالم الطريق العراقي الجديد ، دستور العراق الديمقراطي والفيدرالي التعددي .