طبيعة الدستور العراقي القادم

المهندس صارم الفيلي
sarimrs@tele2.nl
10/3/2005

تطرح مسألة طبيعة الدستور القادم نفسها بقوة في هذة اللحظة الدقيقة من تاريخ العراق ، حيث ستتركز جهود المختصين في الأشهر القليلة القادمة بصياغتة بشكل يحدد الحقوق والواجبات على خلفية مبدأ المواطنة الذي لم يصل الفرد أليه لهذه اللحظة . حيث لم يعطى الفرصة لتحقيق ذاته وممارسة حريته ويتعامل تعاملا منتجا مع الزمن وهذا غير مختصر على المستوى الفردي وانما الشعبي والرسمي ايضا . فقد مارست السلطات السابقة علاقة الملكية مع الفرد مستندة على ما يمكن ان نطلق علية " تضخم الدولة ألآيديولوجي " فنشأت فجوة عميقة بين " الفكر " والواقع تحول دون أنتقال العقل من الأستهلاك الى الفعل والأبداع . ومن هنا تطرح فكرة المواطنة نفسها بقوة في معادلة الديمقراطية . فماذا تعني الديمقراطية لمجتمع مسلم كالعراق ؟

فهل تؤخذ بمفهومها الغربي الذي هو نتاج تاريخي معين لمخاضات كبرى انتصرت العلمانية فيها على الدولة الثيوقراطية، منتجة بذلك جوهرها الذي عنوانة الرئيسي هو "الشعب مصدر السلطات وبالتالي التشريع" ؟

أم تؤخذ فقط آلياتها كالانتخابات وسماتها من استقلال السلطات والتداول السلمي للحكم ، مع ترك موضوعة التشريع على عاتق علماء الأسلام لملأ الفراغ في مستحدثات المسائل بالأجتهاد ، أواعطاء الراي في مطروقاتها بتبيان الموقف الفقهي منها ؟ .

ام نعمل على انشاء قانون مدني يكون بمثابة عقد اجتماعي لمرحلة تاريخية معينة . يأخذ بنظر الأعتبار حاجات الناس ضمن واقع مكاني وزماني محددين ، ويراجع بين فترة واخرى على ضوء المتغيرات التي تحصل في المجتمع ، ويتم تعديلة او تغيرة بعد أستفتاء موافقة الشعب . وان وجد خلاف في فهم او تفسير بعض النقاط يرجع الى ذوي الخبرة المساهمين في اعداد ذلك القانون .

ان مثل هذا المنهج لايتعارض مع الشرع في المواقف والأحكام غير المقترنة بنصوص شرعية ، حيث يأخذ الفقية عادة أزاءها قواعدا اصولية تنسجم في نصوصها وروحها مع المسلمات العقلية من جهه والمصالح الأ جتماعية من جهه اخرى .

الدين الأسلامي يشمل على ، العقائد والعبادات وهي تنظم علاقة الأنسان مع الخالق وهذه تدخل في الاطار الشخصي لا العام ببعده الدستوري والقانوني . والمنظومة الأخلاقية والقيمية وهي تتوافق مع القيم وألأخلاق الأجتماعية العامة الضرورية لنشوء المجتمعات والحفاظ عليها وتطورها فالقتل والسرقة جرائم واضحة عند الناس وتؤديان الى تفكيك العلاقات الأنسانية والعودة الى شريعة الغاب وكذلك الأخلاق الفردية فالكذب والغش وشهادة الزور فهي كلها مستهجنة عند الناس بما هم ناس ، اما قيمة حقوق الأنسان التي اصبحت اليوم ضرورة لبناء مجتمع عصري ومتطور فنجدها بوضوح شديد في فكر فيلسوف الأسلام والأنسانيةالأمام علي (ع) ببعديها الفردي والأجتماعي في ظل العدل والحرية وهناك مجلدات مطولة تبين ذلك لمفكرين منهم غير مسلمين .

أما جانب الأحكام الأسلامية فلم توجد في القرآن الكريم الا القليل منها تشمل احكاما في الأحوال الشخصية والمواريت والحدود ، كما لم نجد في السنة اسغارا مطولة في التشريع وانما اصول العلم والحكمة وقواعد كلية تفتح آفاقا تتسع لأستيعاب متغيرات المجتمع .
هذه الأحكام تعتبر بنظر اغلبية المرشحين للجمعية الوطنية خطوطا حمراء لايمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال لذلك تراهم مجمعين على انهم لايريدون دولة دينية بل ديمقراطية متعددة فدرالية يعتبر الأسلام أحد مصادر التشريع فيها بالأضافة الى مصادر تشريع أخرى وأن " لايكون هناك تشريع يتعارض مع مبادئ الدين الأسلامي " .

وهناك آخرون من العراقيين يريدون دستورا يبعد الدين كليا من عملية التشريع ، لا ان يعزلة عن المجتمع ، ويقولون بأن الأفراد هم أوجدوا المجتمعات ، والتشريع يجب ان يكون على اساس المواطنية التي تجمع الناس ولاتفرقهم.

بينما انصار الغالبية يصفون اصحاب هذا الرأي بأهم منغلقون لشدة انفتاحهم ، حيث ان الدين بأحكامة بالاضافة الى جانبه القدسي قد شكل الوعي الجمعي للناس وصاغ منطلقاتهم النفسية والسلوكية ، فهل يمكن فصل الأنسان عن وعية وثقافتة ؟

لهذة الأمور تركز الفئات العراقية على صياغة دستور يضمن حقوقها ويصون ثقافتها وآرائها، لتضمن لاحقا منع اية تشريعات يمكن لأغلبية برلمانية معينة ان تسنها تتعارض مع مصالح فئة من الفئات ، كمثال ان توافق اغلبية ما مستقبلا ان تعدل تشريعات في قوانين الأحوال الشخصية تتعارض مع ثوابت الشريعة ، فعندها يلجأ المتضررون الى المحكمة الدستورية العليا التي من بين صلاحياتها ابطال تشريعات البرلمان التي تتعارض مع الدستور . كما تقوم هذه المحكمة بحماية مصالح الأقليات وتمكنها من ان تعبر عن مصالحها وفق الضوابط المعتمدة في الدستور على أرضية المساواة السياسية التي تقتضي اعطائهم حق التعبير عن حقوقهم بنفس القدر الذي تعبر بها الأكثرية عن حقوقها وآرائها .