الأكراد الفيليون.. أكثرهم شيعة ويرفضون قيام "دولة كردية"

ثائر الفيلي
شبكة اخبار العراق،
20/1/2005

لا يصدق الأكراد الفيليون في العراق وغالبيتهم من الشيعة أن تلك السنوات انقضت بالفعل، فعلى مدى عقود طويلة من بداية القرن العشرين إلى غاية نهايته عرف هؤلاء صنوفا من التعسف والتهميش بلغ ذروته في السنوات التي قضاها صدام حسين رئيسا للعراق. وبحسب مصادرهم، فإن عشرات الآلاف جرى إعدامهم فيما تم تهجير مئات الآلاف إلى إيران.

وينتظر
2,5 مليون من الأكراد الفيليين في العراق تحسنا في الأوضاع المعيشية، فيما يلبث 500 ألفا في إيران و500 ألفا في بلدان أخرى في انتظار العودة إلى العراق. ويرفض هؤلاء قيام دولة كردية منفصلة في الشمال. وبحسب الأمين العام للاتحاد الإسلامي لكرد العراق الفيليين ورئيس قائمة الكرد الفيليين للانتخابات ثائر الفيلي، فإنهم "يشددون على وحدة التراب العراقي وأن تقوم الحقوق والواجبات على أساس المواطنة".

وتعود أصول الكرد الفيليين إلى قبائل اللولوية التابعة لقبائل زاغراوس. ثم أطلق على هذه القبائل اسم "اللور" ثم "اللور الفيلي" وينتشر هؤلاء من جنوب مدينة السليمانية إلى مشارف مدينة البصرة شرق نهر دجلة إلى جبال إيران. ويقول مؤرخون إن "اللور" هم قبائل رحالة يعود أصلها إلى الشعوب الهندو- أوروبية.

اختلافات مع "الأكراد"

ويفصح الفيلي عن الاختلافات البائنة بينهم وبين الأكراد الآخرين في أن هؤلاء الأخيرين يطالبون بالفدرالية مثلا في حين أن الفيليين عمليا لا يستطيعون المطالبة بها نظرا لعيشهم مع إثنيات وطوائف أخرى في مناطق ليست كردية خالصة. وبالإضافة لهذا -يضيف الفيلي- فإن معاناة الفيليين تختلف تماما، ففي حين عانى الفيليون من قضية الجنسية وتهجير الآلاف منهم إلى إيران لم يعان الآخرون. كما لم يقدموا أي عون بحسبه للفيليين.

وعلى الرغم من أن سقوط النظام السابق دفعهم للتفاؤل بشأن مستقبل أفضل يزيل عنهم الظلم ويعيد إليهم حقوقهم المسلوبة وخصوصا ما يتعلق بحرمانهم من الجنسية العراقية والحقوق والواجبات طبقا لقياداتهم، غير أن المرحلة الانتقالية الحالية التي بات فيها العراق نهبا للعنف، لم تنجيهم شأنهم شأن بقية العراقيين من هذه الدوامة.

فقد سعت مجموعة على سبيل المثال منذ شهرين إلى مواراة جثمان مسؤول منهم تم اغتياله في ناحية هب في محافظة ديالي الثرى في مدينة النجف، وخلال رحلتهم أوقف مسلحون مجهولون حافلة الركاب التي كانوا يستقلونها ليذبحوا
17 دفعة واحدة منهم 13 لأنهم أكراد فيليون فقط . أما القتيل نفسه فلم ينج هو الآخر من العقاب الذي نزل بالجماعة، إذ أنزل المسلحون التابوت الذي كان موضوعا فوق الحافلة وجزوا رأسه.

ويحكي الفيلي عن وقائع أخرى، حيث خدع مسلحون
21 كرديا فيليا في مدينة الكوت التي يعاني سكانها ذوي الغالبية الكردية الفيلية من نسبة بطالة عالية تبلغ 70%، وأقنعوهم بالذهاب معهم إلى العمل في شمال العراق. وحين وصلت الحافلة التي تقلهم إلى تكريت وخيم الظلام قاموا بذبحهم.

باحثون عن العمل حصلوا على "الذبح"

والحكاية نفسها تكررت في مدينة الصدر في بغداد منذ 6 أسابيع، حيث يتجمع الأكراد الفيليون صباح كل يوم في منطقة المسطر في انتظار فرص العمل اليومي كعمال بناء، وبالفعل استقل 16 كرديا فيليا حافلة توجهت بهم إلى العامرية وجرى ذبحهم هناك. لكن ثائر الفيلي لا يعتبر هذه الحوادث استهدافا للأكراد الفيليين فقط. ويوضح لـ"العربية.نت" أن "الأشراف من السنة المستنيرين والشيعة والأكراد والمسيحيين كلهم مستهدفون".

ومنذ الحكم العثماني جرى تهجير عشرات الآلاف منهم إلى إيران وتضاعف الأمر خلال العقود التي تلت استقلال العراق في
1924، لتبلغ عمليات التهجير ذروتها باستلام الرئيس المخلوع صدام حسين السلطة في 1979. ويروي الفيلي عن مذابح جرت بحق 4 من عائلات أقاربه مشيرا إلى رحلة الآلام الطويلة التي تعرض لها الأكراد الفيليين خصوصا في عهد صدام.

عائلة الحاج كريم عزيز فاروق مثلا، فنيت عن آخرها حين هجمت أجهزة الأمن في يناير/كانون الثاني
1981 على منزل الأسرة في ضاحية جميلة في بغداد، وتم إعدام الحاج فاروق و5 من أبنائه هم عبد المنعم وصبحي وسالم وناجح وعزيز إلى جانب أمهم. ولا يعرف ثائر الفيلي إلى غاية الآن الطريقة التي تمت بها عمليات القتل، لكنه يشير إلى أن شهود عيان تحدثوا عن "فرامة" كانت قد نصبت في مركز للمخابرات في الكاظمية استخدمت لفرم الأكراد الفيليين وكانت ترمى بقاياهم في النهر.

ويضيف ثائر الفيلي أن زوجته نجت من مذبحة أوقعتها أجهزة صدام بأسرتها لأنها كانت غائبة عن المنزل، حين هوجم من قبلهم في مايو
1981 ليلقى والدها محمود غل حتفه بجانب أبنائه شكر وعبد الوهاب وشهاب وسلام ونبيل وشقيقتهم سلامة وزوجها بالإضافة لأطفالهم. ويشير إلى أن التهمة التي استندت إليها أجهزة النظام السابق تمثلت بعدم موالاة الحكم الذي كان قائما آنذاك.

التهجير إلى إيران

في تلك الفترة التي حاول النظام البعثي في العراق فيها تهجير الأكراد الفيليين إلى إيران، تم إعدام
28 ألف من هؤلاء في عام 1980 فقط بعد أن تم تهجير مليون كردي فيلي بالفعل. وكان يجري طبقا لأقوال ثائر الفيلي الهجوم على دور الكرد الفيليين ليلا ليأخذوهم مع نسائهم وأطفالهم في شاحنات إلى الحدود الإيرانية ويتركوا هناك في العراء.

وتتراوح تقديرات مصادر كردية فيلية حول عدد المفقودين خلال
20 عاما بين 150 ألفا و210 ألفا. وبحسب ثائر الفيلي، فإن البعثيين على وجه الخصوص كانوا يعادون الكرد الفيليين الذين التحقوا طوال التاريخ العراقي بالأحزاب السياسية كلها يسارا ويمينا ما عدا حزب البعث.

وبالإضافة لهذا العامل كان البعثيون ينظرون لخصيصتين لدى هؤلاء لكونهم أكرادا وشيعة بوصفهما ادانتين أخريين جاهزتين. وحين حكم هذا الحزب العراق في
1963 اعتبر الكرد الفيليين إيرانيين تماما، مستغلا الأوضاع الدستورية التي تكرست منذ 1924 عام استقلال العراق بصدور القانون رقم 42 في تلك السنة الذي يعتبرهم عراقيين "بالتجنس".

وعنى ذلك بحسب إفادات الفيلي نزع صفة المواطنة والأصالة عنهم. ويضيف أن ذلك القانون حرمهم من
80% من حقوقهم إذ كان لا يحق لهم الالتحاق بالوظائف الحكومية ولا التمتع بالدراسة في مدارس ومعاهد الدولة ولا ممارسة العمل السياسي ولا تملك العقارات إلا بشكل مؤقت.

ولم يعان الكرد الفيليين طويلا في تلك الفترة، حيث لم يلبث حزب البعث في السلطة إلا
9 أشهر حاول جاهدا خلالها إرغامهم على الهجرة صوب إيران. وتعود جذور مشكلة الكرد الفيليين الذين يقول الفيلي إن أصولهم ترجع إلى 4 آلاف عام قبل الميلاد، حيث أسسوا أول مدينة في التاريخ بحسبه وهي "كميت" قرب مدنية العمارة الحالية، إلى عام 1905 حين دارت بينهم وبين الدولة العثمانية معارك شرسة في منطقة زورباطة انتهت بخسارتهم، ليجري تقسيم مناطقهم بين العراق وإيران.

بعد أن التقطوا أنفاسهم قليلا في الفترة بين
1963 و1968، عاد الكرد الفيليون لمواجهة الأزمات الطاحنة بعودة حزب البعث إلى السلطة. وفي الأعوام التي تلت توليهم الحكم، شن البعثيون حملات إعدام بحق أعداد منهم بتهمة التجسس لصالح إسرائيل ودول أجنبية، وفي عام 1970 ابتدأت حملات التهجير الجماعي ومصادرة الأموال والممتلكات لتستمر إلى 1979 العام الذي شهد صعود صدام إلى الرئاسة.

سنوات صدام.. الكابوس!!

ويتحدث ثائر الفيلي عن سنوات صدام بوصفها كابوسا جثم على صدورهم، فمن حملات التهجير القسري التي تعرض لها الأكراد الفيليون إلى الإعدامات التي نفذت في صفوفهم، ومن مصادرة الممتلكات إلى الإفقار التام، عانى الأكراد الفيليون كما لم يعانوا من قبل. لكن تلك السنوات لم تخلف آثارا عدائية تجاه العرب السنة على وجه الخصوص. فما يرفضه الفيليون كما يشير ثائر الفيلي هو ما يصفه بـ"الفكر العربي الشوفيني المتخلف".

ويضيف بأن الفيليين على وئام مع العرب و"ليس لنا أي عداء معهم"، مبينا أن عداءهم ينصب على فكر ساطع الحصري الذي وصفه بأنه تركي. ويقول الفيلي "إنني لا اعتقد أن هذا الفكر أعلى من شأن الثقافة العربية لأنها لا يمكن أن تقوم بالقوة".

ويؤكد أن "نابغة اللغة العربية د.مصطفى جواد والشاعر أحمد شوقي هما كرديا فيليان". وقال إن "الثقافة الشوفينية المتخلفة أنتجت حكومات متخلفة ودولا متخلفة زراعيا وصناعيا وحتى دينيا لأنهم عولوا على مظهر الدين لا جوهره".

وعن رؤيتهم لدول الجوار يشير إلى أنهم كفيليين لا يحملون ضغينة لهذه الدول، لكنهم يفضلون عدم تدخلها في شؤون بلادهم. ويوضح ثائر الفيلي أن الشواهد التي رأوها على القنواة الفضائية تؤكد تدخل إيران في الشؤون العراقية.

لكنه لا ينسى أن يوضح "ربما من دون علم الحكومة أو قد يكون بعض المسؤولين الحكوميين متورطين. وأضاف أن مجموعات إرهابية في سوريا أيضا متورطة في تشجيع أعمال العنف في العراق.

لا لتأجيل الانتخابات

ويرى الفيليون أن تأجيل الانتخابات العراقية لن يضمن أبدا انحسار العنف. ويتساءل الفيلي "تأجيل الانتخابات من العام الماضي إلى يناير الجاري حفز الإرهابيين فمن يضمن إجراؤها بعد
3 شهور مثلا ومن يملك الشرعية لتأجيلها". ويضيف أن التأجيل من الناحية القانونية يعني إلغاء الانتخابات لأن الحكومة ذاتها تصبح غير شرعية، حيث أن واحدة من مهامها الرئيسة إجراء الانتخابات في 30 يناير/كانون الثاني الجاري.

ويتساءل مرة أخرى عن "البرنامج" الذي يمكن أن يقدمه دعاة التأجيل، مضيفا "أن القوى التي تدمر ليس لها الحق في المناداة بالتأجيل". وأشار إلى أن الفيليين يحترمون الحزب الإسلامي مثلا، لكن هذا الحزب "لا يملك الإرادة في توفير ضمانات إذا ما تقرر التأجيل". ويؤكد من جانب آخر أنهم -أي الكرد الفيليين- مرتبطون بالأرض العراقية فقط دونما أية ارتباطات طائفية أو عرقية.

ويقول الفيلي إن الاتحاد الإسلامي لكرد العراق الفيليين يدعو لدستور مدني ويطالب بالمساواة بين البشر رافضا الدستور الديني لأنه "يلغي حقوق الأقليات الأخرى". ويخوض الأكراد الفيليون الانتخابات العراقية طبقا لأقواله بقائمة مستقلة، بعد أن كانوا ضمن قائمة الائتلاف العراقي الموحد لشهرين خليا.

وكشف ثائر الفيلي عن الأسباب التي حدت بهم للانسحاب من تلك القائمة التي كانت تحظى بنوع من الدعم من المرجع الشيعي السيد علي السيستاني ملخصا إياها في تخطيط بعض أعضاء اللجنة لإبعاد مرشحيهم، بالإضافة لمطالبة الفيليين أعضاء اللجنة بإبراز ورقة تثبت تأييد السيد السيستاني للقائمة الأمر الذي لم يحدث، وتهميش شخصيات إسلامية ووطنية.

وبشأن عدم مشاركتهم في قائمة كردية إلى جانب الحزبين الكرديين الرئيسين، قال إن الفيليين واقعيون ويدركون أنهم يعيشون وفقا لثقافة وتراث مستقلين عن الأكراد الآخرين مما يجعل لهم خصوصية عن أولئك. وأشار إلى أن الفيليين يشتركون في الأرض نفسها مع العرب والتركمان والمسيحيين والصائبة والكلدانيين والآشوريين، كما يشتركون مع هؤلاء في التراث نفسه تقريبا.