بين القائمة الكردستانية و الكرد الفيليين : مشروعية تساؤلات زهير عبد الملك

د. طالب مراد
talibelam@hotmail.com
14/1/2005

العزيز أبو محمود ( د. زهير عبد الملك ) تحية عراقية و بعد

قرأت مقالك المعنون بـ (قائمة التحالف الكردستاني و الكرد الفيليون ) و الذي أثار في ذهني و قلبي الكثير من التساؤلات و الشجون ، فنحن كأكراد فيلية عراقيو الهوى و الانتماء ، كنا أول ضحايا صدام عندما أجرى علينا تجاربه الكيميائية في السجون ، كان ذلك في زمان تحالف فيه البعض مع صدام واجدين أن هذا التحالف هو الخيار الأمثل للتنمية في العراق و رفع مستوى البلاد ، كنا أول من انضم للحزب الشيوعي العراقي ، ليس فقط لأنه أكثر الأحزاب العراقية وضوحا في طرحه للعراق ككل و لحق تقرير المصير للشعب الكردي و لكن لأننا اقتربنا من أفكاره التقدمية و أعجبتنا فلم يكن الكرد الفيلية متزمتين دينيا يوماً ما ، عملنا داخل الحزب الشيوعي كعراقيين و وصلنا لأعلى المناصب وكنا حريصين ربما أكثر من غيرنا على بقاء الأكراد ضمن النسيج العراقي أو بالأحرى رأينا وطننا كصحبة الورد مختلفة الألوان و الروائح .

قبل ذلك بقليل كنا نناهض الإنجليز ضمن الحركة الوطنية العراقية و أثناء الحرب العالمية الثانية اتهم الكثير من الكرد الفيلية العراقيين بأن لديهم ميول نازية بل و سجن بعضهم ، عمي أحد من ماتوا في مظاهرات
1952 و قتلته الشرطة العراقية في باب الشيخ و بعد ذلك الحادث بـثلاثين عاما يأتي صدام و يطرد كل أبنائه في يوم و ليلة بعد تجريدهم من كل شيء و لم يخرجوا إلا بملابسهم ، و لازال أبناء عمي في طهران و لم تركض الحكومةالعراقية الجديدة لإعادتهم للعراق ، و المفارقة أن زعماء العراق الآن يركضون في اتجاه آخر لاستمالة بقايا البعثيين و لمقابلة أبناء الطاغية و من لف لفه من نظامه البائد، العجيب أن رغم انتماء الكرد الفيلية للكثير من الحركات العراقية و الأحزاب كان وقت الانشقاقات و الانفصالات و تصفية الحسابات يتم التضحية بعناصر عدة من الكرد الفيلية إذ كانوا دائما على أول القائمة التي تفصل من هذا الحزب أو يضحى بها لإرضاء فصيل أو جناح ما ، لكن ذلك لم يجعلهم ناقمين على العمل ضمن أحزاب العراق المختلفة بل زادهم إصرارا و لم ينسهم انتماءهم للعراق ككل و لم يوقف شغفهم بالعمل السياسي و الاجتماعي العام و لا أحد يمكنه أن ينكر أن الكرد تالفيلية بتواجدهم في مناطق عدة بالعراق خارج اقليم كرستان كان بوسعهم العمل ضد الحكومة العراقية البعثية بعمليات ضدها لكن خشيتهم على المواطنين الذين عاشوا بينهم بالعراق أبعدتهم عن هذا الخيار و لم نسمع يوما عن كردي فيلي قام بعمل ارهابي أو عمل عسكري ضد هدف للحكومة البعثية لانهم كانوا حريصين على أرواح أي مدني أو بريء قد يسقط جراء هذه الاعمال ، قارن نبل أخلا الفيليين بما يقوم به تجار الدم الآن من أعمال عنف و لا يتورعون حتى عن وضع قنابلهم أو استهداف هاوناتهم لمدارس ليس بها سوى اطفال ابرياء و مدرسين مدنيين ، و للتاريخ فإن الحالة الوحيدة التي اتهم فيها الكرد الفيلية هي محاولة اغتيال طارق حنا عزيز و هي التمثيلية التي فبركها نظام البعث و بعدها بدأ في ترحيل الكرد الفيلية في شكل منتظم و تعسفي . يا أبو محمود : هل تتذكر مواكب الحسين والسبايات و اللطميات و التطبير ، و ضرب القامات ، كنا نحن كشيعة نقف في أول هذه المواكب و نجلد أنفسنا ، لم نكن نحس وقتها أننا غرباء عن المجموع العام ، كنا نتعارك من يتقدم منا ، كنا نعد أنفسنا وحدة في بناء و لسنا إضافة جاءت من بلاد بعيدة ، و تنتظر وقت الرحيل ، و لكنهم رحلونا رغما عنا !! قدمنا من شرق بغداد و سكناها ، كانت المصارعات تتم كل فترة في الزور خانات حيث كانت المسابقات تقام على ضفاف النهر و نتصدى نحن لهؤلاء الذين يقدمون من غرب بغداد ، كنا نكسب و يهلل لنا أهالي بغداد ، اشتهر بيننا حسن كرد و مجيد كسل و حميد كردي ، مرت الأيام و جاء ربع صدام و حكموا بغداد ، و يبدو أنهم أضمروا في نفوسهم شيئا ضدنا ، فكنا أول من انتقموا منه بل و رحلوه عن العراق فهم لا يطيقون الهزيمة و لو في لعبة مصارعة . كنا في مجال العمل مجتهدين ، لا أقول الأفضل ، و لكننا استطعنا بجهودنا - و ليس لما ورثناه أو نهبناه - أن نكون لنا تجارة و أعمال ناجحة و مثمرة ، و حتى العمالة المتواضعة من حمالين و نحوهم كانت متفانية و أمينة في عملها ، و الشورجة شاهدة على هذا ، بدليل الملايين التي صودرت منا في أوائل الثمانينات ، و مولت الأعوام الأولى من الحرب ضد إيران . كنا ضمن الحركة الكردية العامة بالعراق ، أتذكر ترددي الصيفي على بيت صديقي الدكتور رؤوف في منطقة طق طق و كان والده المرحوم ( كوخا عزيز ) مختار الناحية ، و ذكر لي أن منزله كان في الستينات أثناء ثورة أيلول مركزا لتجميع العديد من " كواني قلم أحمر ( أي جوالات ) تمتليء بالنقود مصدرها تبرعات الأكراد الفيلية ببغداد و ضواحيها تذهب في طريقها شمالا لنصرة الحركة الكردية ، أخلصنا للقضية و لم ننجر للمصالح الخاصة و للحروب البينية فهدفنا كان العراق و أن يصبح الأكراد فيه مواطنين كاملي الأهلية ، و لم نكن ننظر لعملنا السياسي كطريق أو كوبري لمنصب بل لأنه فرض عين علينا نبذل فيه كل جهودنا لصالح شعبنا الكردي ككل و العراقي ، و لضمان حياة أفضل لكل الشباب و الشابات العراقيين الذي سيأتون بعدنا . بالطبع تعرف أنت يا أبو محمود الحبيب كل هذا - أو لم تكن أنت من طليعة العاملين بالإذاعة الكردية أوائل الستينات ؟ ، ألست شاهداً على إخلاص أهلنا في الماضي و الغدر الذي لحق بهم عبر عقود و حتى الآن ، لحد أنه حتى بعد سقوط نظام الطاغية صدام لم تعد لنا و لا حتى بيوتنا و لا أقول أكثر من ذلك ، كالمحال التجارية و لا تعويضات عما سلب منا و صدور بالملايين بحسابات 25 عاما خلت ، و المدهش ان ما صودر من أموال " أخوتنا " اليهود في منتصف القرن الماضي و ما تلاه وضع في دائرة للاموال المجمدة في حين ان كل مالنا صودر و بعض ممتلكاتنا الشخصية بما فيه مقتنيات منازلنا تركت للنهب و البيع بمزاد ، بالطبع هناك الكثير من الجيران من تعفف و رفض شراء بيت كردي مُسفر و لكن بالمقابل كان هناك من اغتنم الفرصة و لم يجد غضاضة في سلب ممتلكات جاره بما فيها بما فيها أوان الطهي بطعامها الساخن بعد . المدهش أن هناك من يبكي على الأندلس التي ضاعت منذ قرون و يريد العودة لها ، أما نحن و معنا سكان خانقين و كركوك فيريدون منا نسيان كل شيء و غض النظر عن سرقتنا و ترحيلنا و لم يمض عليه سوى 3 عقود، و يبخل البعض علينا بحق المواطنة الكاملة و التمثيل النيابي الكافي لنا في البرلمان الجديد أو على الأقل وضع عدد معقول من الكرد الفيلية على قوائمهم الانتخابية . آه يا أبو محمود لقد أثرت نقطة هامة في طرحك، و منها أننا نحن بتشرذمنا مؤخرا كنا عاملا أساسياً في نظرة الآخرين لنا كمجرد رقم انتخابي صغير و هضم حقوقنا ، و للأسف هناك العشرات من الأحزاب و الحركات التي أصبحت تمثل الكرد الفيلية و لكن هذا فيلي إسلامي و هذا فيلي ليبرالي و هذا فيلي اشتراكي ، و هذا فيلي أكاديمي و ربما نسمع عن حركة جديدة للكرد الفيلية الحمالين و أخرى للكرد الفيلية البائعين الخ ، و بالطبع الناخب لن يصوت في الانتخابات القادمة على أساس المرشح الأفضل ، و لكن الأمر يحكمه اعتبارات سياسية أخرى و تربيطات و حسابات خاصة و للأسف فإننا لم نفهم الخريطة و لم نوحد أنفسنا و بالطبع بسبب تواجدنا الجغرافي مع العرب و بقية مواطني العراق من غير الكرد فلا يعقل أن نطلب من الأحزاب الكردية بكردستان أن تمثلنا أو أن تتحدث عن همومنا طوال الوقت ، بل هذه مبادرة علينا نحن الاضطلاع بها و نشكر من يساندنا من بقية ملل و نحل الشعب العراقي . . إنني قلق على مستقبل أبنائنا من الكرد الفيلية في العراق الجديد فرغم تاريخ آبائهم المشرف في العمل للعراق ككل ، و رغم الرصيد الجيد من علاقاتنا مع الكثير من العراقيين في أيام الخمسينات و الستينات فإن العراق الجديد ربما تراجعت فيه هذه القيم لأسباب يطول شرحها ، و لا أظن أن أحدا سينصفهم هكذا لوجه الله خاصة أننا تواجدنا ليس داخل حدود كردستان بل ببغداد و الكوت و ديالى و العمارة ، و لا سبيل لنا لترك هذه المناطق طبعا اللهم إلا لو كان هناك نية في حركة تهجير جديدة لنا و لكن هذه المرة صوب الشمال و كردستان لا للشرق و إيران !! ،، يجب علينا التمسك بكوننا عراقيين و لن نترك بيوتنا مرة أخرى و على ساستنا بلورة مطالبهم في مواطنة كاملة و تعويض أهلنا عما لحق بهم من مآسٍ و مصادرات ، و لن أطلب إعادة من ماتوا في السجون و على الحدود في ليالي البرد الشديد أثناء التهجير - و منهم والديّ رحمهما الله -، فأجرهم عند ربي و كفي به وكيلا . نحن الان في مفترق طرق و الباقي من الوقت على الانتخابات القادمة قليل و اعتقد أن أقرب القوائم لنا هي القائمة الكردية ، و التي يمكن التنسيق معها على الأقل في الفترة الحالية و حتى الانتخابات القادمة نهاية هذا العام ، و أرى أن القائمة المذكور بها بعض الأسماء الكردية الفيلية المخلصة و هناك اسماء كردية أخرى لها تاريخ في العمل الكردي و العراقي عامةً ، و ارى أن وجود عناصر فيلية مثل الأخت سامية عزيز مثلال حتى لو انتخبت عبر قائمة كردية عامة أو قائمة عراقية ما ، فإنه نصر لنا ككرد فيليين ، و أشعر أن إسما مثل سامية عزيز لو دخل البرلمان القادم فكأنني أنا و أنت و أهلنا أعضاء فيه بالفعل .

إن من حق د. زهير عبد الملك مثلما هو حق الكرد الفيلية أن يتساءلوا عن خلو القائمة الكردستانية من عدد كاف من الكرد الفيلية و عن وضع مشكلتنا ضمن مطالب و أهداف القائمة الكردستانية باعتبارها تمثل اقليم كردستان و بالطبع هي ليس قائمة كردية قومية ، بل حسب الإسم فهي تمثل مع الكلدو آشوريين و التركمان و الأزيديين تضم بالطبع الكرد ، صحيح أننا جغرافيا لا نقع ضمن حدود إقليم كردستان و لكننا في النهاية أكراد ، لا نريد تحميل ساسة اقليم كردستان مطالبنا كلها ضمن أجندتهم و لا نريد أن يفاوض أحد حكومة بغداد ممثلا بالنيابة عنا ، و لكن عند التنسيق بيننا و بين القائمة الكردستانية في الانتخابات القادمة - بعد ايام - سيكون من السهل علينا تقريب وجهات نظر الساسة الكرد في شمال العراق مع اشقائنا من الساسة العراقيين في مناطق تواجدنا و الذين نزعم أننا على علاقة جيدة بكثير منهم ، كما أنه من اليسير علينا أن نقرب وجهات نظر الساسة الكرد لهم أيضا ، نحن بحاجة لكيان كردي فيلي أو حركة ينضوي تحت رايتها الحركات الكردية الفيلية الوليدة بعد تحرير العراق و المتواجدون خارج اقليم كردستان العراق، وان يتم تفعيل عمل هذا الميدان استعداداً للانتخابات القادمة نهاية هذا العام ، و على هذا التيار أن يجمع أفكاره و يحدد أهدافه و مطالبه و يطرحها علانية و ينصف فيها أبناء جلدته ، و إنصافنا الوحيد أن نعامل كعراقيين لنا مالهم و علينا ما عليهم ، لا نريد نقصانا و لا تمييزاً .