مستقبل العراق ما بين الكونفدرالية و التقسيم

ناجي عقراوي
7/1/2005

بتأريخ
26/12/2004 صرح السيد هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق ، ووزير خارجيتها السابق حفظه الله و رعاه ، لقناة CNN الأمريكية قائلا :

( لا مصلحة لنا في ابقاء العراق موحدا )

و كان الحاج المقدسي كيسنجرأدام الله ظله قد صرح قبل ذلك بفترة بما يلي :

( العراق طائر بثلاثة أجنحة ، جناح يمنع طيرانه )

نحن الكورد نذكر و نقول للقاصي و الداني ، أن العراق كيان مركب وعند تشكيله لم يكن متجانسا ، و أخطاء السلطنة العثمانية الطورانية زادت من تفاقم اوضاعها ، التي أستغلها الأنكليز و الفرنسيون و لأغراض استعمارية مصلحية ، خرج الكيان العراقي الحالي الى الوجود ، بعد الحاق كوردستان الجنوبية بهذا الكيان المصطنع ، دون أخذ رأي و موافقة شعب كوردستان ، و رغم قبول العراق لاحقا في عصبة الأمم ، كان هذا القبول مشروطا بتشكيل حكومة كوردية في منطقة كوردستان ، الا ان الحكومات العراقية المذهبية و العنصرية المتعاقبة ، التفت حول قرار عصبة الأمم لأسباب معروفة .

مما لا ريب فيه بأن حقوق الشعوب هي مثل عليا ، ما لم تتجسد افعالا فأنها تصبح أحلاما ، لذلك أعتبرفي التاريخ من ان الحقوق لا تمنح بل تؤخذ ، و اعتبر موادعة الخصم هو معناه اغراؤه لألتهام المزيد من الكعكعكة ، و اعتبرت الشعوب الموادعة و المهادنة مع العدو او الخصم ، ضعف و لا سلام لمن ضعف ، و الضعيف في مثل هذه الحالات يصبح كالهشيم في متناول الأحتراق ، و الكورد بأرادتهم رغم تكالب الجميع عليهم لم يكونوا ضعفاء ، بل كانوا مهادنين و مسالمين ، و كانت نتيجة تلك المهادنة و المسالمة هي الممارسات و الجرائم التي مورست بحقهم ، و التي يندى لها جبين الأنسانية ، هذه الممارسات لا زلنا نلاحظه نحن الكورد كشعب و أمة ، يفتك بحرية الكوردي و بحياته وهو في عقر داره .

الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة ، تتطلب من الكورد حزما و حسما و شدة في السياسة مع رموز التسلط ، و على الساسة الكورد تجاوز شقاء المجاملات لكي لا تغمط الحقوق في ثناياها ، و على القيادات الكوردية ان يدركوا أين تكمن مصالح شعبهم ، عليهم ان يشرحوا له صدره ، و يضعوا عنه وزره ، الذي أنقض ظهره بيافطات الدين و الوطنية ، لأن خصوم الكورد لا زالوا تحت تلك اليافطات يطالبون من الكوردي ، السير معهم وسط الزحام ، دون ان يعرف هؤلاء الخصوم أنفسهم الى أين تأخذهم أقدامهم ، و في نفس الوقت يتجاوزون الكورد و يحرقون أوراقهم ، و يزورون تأريخهم و يقضمون جغرافيتهم ، جاعلين من الأناء الكوردي مأدبة للئام .

بتأريخ
27/12/2004 يصرح العطري رئيس وزراء سوريا في انقرة و بدون خجل ، من أن الدولة الكوردية خط أحمر ، متناسيا لواء الأسكندرونه المحتل من قبل الطورانيين ، و ناسيا ارض الجولان التي أصبحت جزء من أرض الميعاد ، هذا العنصري البعثي في نفس الوقت ينكر حقوق الشعوب السورية ، و يتناسى أحتلاله للدولة اللبنانية و التلاعب بمقدرات شعبها الذي صنع الحضارة ، و من ثم يتفق أعداء الأمس في دهاليز مخابراتهم ليتدخلوا في الشأن الكوردي ، و بنفس عنصري و مذهبي يتجاوب معه ابن شرطي حراسات جامخانات استنبول رجب طيب اوردغان ، الذي لبس لبوس الأسلاميين و يتحالف مع الجماعة الأرهابية ( كابلان ) التركية ، بعد طرد قيادات هذه الجماعة من أوربا و بالأخص من فرنسا ، و من ثم يعقد صفقة عن طريق الميت مع امامهم المدعو عمر اوزتورك ومساعده اوهران أرسلان ، هذه الجماعة الوهابية التركية القريبة من السعودية ، و هي الفرع التركي للقاعدة ، التي تنسق مع المخابرات التركية و بمباركة الحكومة الطورانية ، حيث يتم أرسال أعضاء هذه الجماعة الى الموصل و تلعفر و كركوك ، وغيرها من المناطق في العمق العراقي لغرض زعزعة الأستقرار و القيام بالأعمال الأرهابية ، و بتناغم اطلاعات الفرس معهم ، اجتمعوا كلهم رغم ما بينهم ما صنعه الحداد تحت يافطة الأسلام العتيد ، ليمنعوا جميعا و معا عن الكوردي نفسه القومي ، و ليحرضوا أرذالهم و مريديهم ضد كل ما هو كوردي ، ليكتبوا هنا و هناك ويخاطبوا بعضهم البعض بالأصدقاء ، و ليدعوا الى بدعة جديدة أمة عراقية ، كأن ما حصل للكورد من معاناة على يد الأمة الأسلامية و العربية و التركية و الفارسية لا يشفي غليلهم ، لذلك يريدون ان يكملوا المسيرة بهذه البدعة الجديدة ، في حين يتجاهل هؤلاء ما يقوم به أسيادهم من قضم أرض أمتهم العراقية المزعومة ، من الشرق و الغرب و من الشمال و الجنوب ، أيوجد رياء و سخافة أكثر من هذه الخدعة البدعة التي أصبحت نكتة العراقيين .

و مع هذا يشهر كل طرف سكينه ليقطع وصلة من جسد الأنسان الكوردي في المولد الكوردي ، حتى جعلوا من معاناة الكورد و حولوها الى قصص خيالية ، كما سبقهم حقيرهم الخيالي المسعودي صاحب خرافات مروج الذهب ، الذي قال بأن الكورد من أحفاد الجن تكردوا في الجبال فسموهم اكرادا ، و لا زال أصحابه يؤمنون بهذه الخزعبلات .

ما يبعث على الألم بأن بعض الساسة الكورد ، يقومون بالوساطات لأطفاء النار المشتعلة بين بعض هذه الأطراف العراقية ، و تلك الأطراف نفسها لا تعير أذنا صاغية لهذه الوساطات ، لأن النار المشتعلة خارجة عن ارادتها و هي بالأساس تحريض من الدول الجوار ، لذا نطالب الساسة الكورد بأن يحترموا الأرضية التي يقفون عليها ، و لا يتدخلوا في مثل هذه النزعات بواساطاتهم ، لكي لا يفسر الكورد تدخلاتهم هذه بأنهم ، يتناسون الذات الكوردية من أجل الآخرين مثل النجمة التي ضيعت طريقها . لو كان لخصوم الكورد ذرة من الرحمة و العدل ، لكانوا قد أنصفوا الكورد ايام التهجير و التعريب و القتل و الأنفالات ، و لما دافعوا عن مخلفات النظام السابق في المناطق المعربة ، علمنا التاريخ بأن الحق يجب ان يكون الرصاص لا قلم الرصاص ، بل طلقة بارود تكنس كل مخلفات الماضي .

يجب ان نؤمن بأن الأتحاد الأختياري بين الكورد و الشعوب الأخرى ، ليس معناه ان ينوب عنا الآخرين في أعادة الحقوق او في تقرير المصير ، و خاصة في مكة الكورد كركوك المقدسة و المناطق الأخرى التي تعرضت للتهجير ، لأن في عالمنا الجديد ليس هناك أبناء الست يكافؤن و أبناء الجارية يهملون ، على جماهير الكوردستانية أن تطالب و بألحاح تطبيق المادة (
58 ) من قانون ادارة الدولة العراقية ، و على حكومة بغداد عدم المماطلة و شراء الوقت ، بحجة المتنازع عليها يؤجل ، في مثل هذه الحالة تكون من صلاحيات الأدارة المحلية في محافظة كركوك تطبيق تلك المادة ، لأن المادة (25) من القانون المذكور تمنح صلاحيات الحكومة المركزية الى السلطات المحلية ، لتنفيذ بنود مواد قانون ادارة الدولة ومنها المادة (58) ، و الا على الجماهير الكوردستانية أخذ المبادرة و تفتيت الوقت الضائع و أرجاع الحقوق ، و من ثم الأمتناع عن المشاركة في الأنتخابات ، و المطالبة بأحالة المفوضية العليا للآنتخابات الى المحاكمة لتجاوزاتها و انحيازها .

ان ما قلناه ليست خواطر حزينة او تلاعب بالألفاظ او تشويه موسمي لما يمر به الكيان العراقي ، بل نريد ان نذكر البعض من الصارخين من ان الكيان العراقي المستحدث فرض علينا فرضا كزواج قسري ، و بتواطوء بريطاني - فرنسي مع الحكومات المصطنعة في المنطقة ، و تعاقبت الحكومات العنصرية و المذهبية على الكيان العراقي المستحدث ، وهي تستنفذ شبابنا و مواردنا ، و بررت الأطراف التي تعشق سماع مآسي التي حلت و تحل بالكورد بذرائع واهية ، كل حسب مصلحته قسم ارادوها زواجا قسري ، وهناك من أرادها زواج متعة ، و آخرين فسروها زواج مسيار ، و منهم من أعتبرها زواج مسيار ، و كنا طوال الوقت نريد الطلاق و الأنطلاق و الأنعتاق ، و نقول بأن الوطنية المفروضة مرفوضة ، و الآن وبعد
11 سبتمر و تحرير أفغانستان و العراق ، القراءة أصبحت مختلفة و الرؤى واضحة حيث توضح كل شئ على حقيقته ، لذا نرفض ان نكون مرة ثانية غرباء في أرضنا مسلوبي الأرادة ، كي يستمر اعداؤنا كما كان أسلافهم يتاجرون بنا و بمصيرنا ، و خاصة بعد ان توضح بأن مواكب مجدهم كانت زائفة ، و نقول للناعقين من على هذا الموقع او من على صفحات تلك الصحيفة ، بأن تبني الحرص على وحدة التراب العراقي ليس حق شرعي لجهة دون أخرى ، بل من حق كل جهة أن تفسر مستقبل وحدة العراق حسب ما تراها مناسبة لها ، و وفق درجة الغبن الحاصل لها نتيجة تشكيل الكيان العراقي ، ليس هناك خطوط مقدسة او خطوط حمر او محرمات لا يمكن تجاوزها ، و خاصة اذا ما تعارضت هذه المحرمات مع مستقبل الشعوب و وجود الأنسان الذي هو جوهر الحياة .

في الحالة العراقية شكلت الدولة على اسس غير سليمة و باطلة ، و الباطل مرفوض و مدان ، و خاصة اذا ما أدت الى تحكم أقلية في مصير و مستقبل الأكثرية ، و لا زالت تلك الأقلية العنصرية و المذهبية تدافع عن امتيازاتها ، محاولة جعل العراق يبابا خرابا ان لم تسود و تحكم ، لذا لا نسمح ان يطلع علينا من هنا و هناك جربوع ليعطينا دروسا في الوطنية في وطن لم نشعر فيه يوما بمواطنيتها ، و منهم هؤلاء النابحين من شذاذ الآفاق و المنسيين المتسكعين في شوارع و بارات الغرب ، الذين يحاولون منع الكوردي حتى من الشعور بالأنتماء لأرضه ، بعد ان جعل أسيادهم و حكامهم الوطن الكوردي كي لا يصلح حتى ككيان للسكن ، اي لا كيان وطن و لا كيان سكن بل كيان سجن .

أفيقوا أيها الكورد أعداؤكم لا يرحمونكم ، التجارب و الفواجع شاخصة أمامكم ، لذا يتوجب على المثقف الكوردي ان لا يعير أهمية لكل كلام معسول بدون فعل ، و عليه عدم المراهنة على نداءات البعض من في الدول التي تتقاسم كوردستان ، و هم يطالبون بأصوات خافتة بالأصلاح الداخلي ، و ان كان التجاوب مع نداء الأصلاحات عملا محمودا ، لكن يجب ان لا ننسى بأن لدينا رصيد من التجارب المؤلمة مع هذه النداءات و الطروحات ، و الذي يراهن على مثل هذه النداءات كمن يراهن على الغيب ، لأن عناصر الأصلاح و المصداقية مفقودة ان لم تكن معدومة لدى أنظمة المنطقة و لدى الأكثرية من قواها السياسية المؤثرة ، لأن الأرث التاريخي المبني على انصر أخاك ظالما او مظلوما ، و التربية العقائدية السلبية قد تجذرت لدى اوساط كثيرة في المنطقة ، و خاصة لدى أصحاب القرار ، مما ولدت لدى هذه الأوساط أزدواجية المعايير ، في حالة ضعفها تظهر خوفها و جبنها بكلام معسول ، و في حالة توفر القوة لديها تنكر المصداقة و تحارب الحقائق .

حتى ان القوى التي تنادي بالأصلاحات السياسية و الأعتراف بالآخر ، هذه النخب التي نحترمها و نعتز بها ، و خاصة تلك التي تعارض الأوضاع السائدة ، فأن أياديها مكبلة لا تستطيع القيام بالمطالبة بالأصلاحات الشاملة ، و لا تتجاوز نداءاتها اكثر من المطالبة بأستحياء بتحسين الأوضاع السائدة .

اما انصاف المثقفين الذين كانوا من أزلام السلطة و لبسوا عباءة الوطنية ، فحدث و لا حرج لأنهم أساسا فاقدوا الأهلية ، بسبب الأرث التأريخي الذي يسبحون فيه ، يؤمنون بالأنصهار القومي او المذهبي ، لذلك يدعون الى غريزة البقاء السياسي ، خير أمة أخرجت للناس ، اطيعوا الله و رسوله و أولي الأمر منكم ، يساوون بين أحكام الله و رسوله و أحكام الحكام من ولاة الأمر ، و يسوغون الف سبب و سبب لأطاعتهم ، و الذي يطلع على تأريخ فترة خلفاء الراشدين مرورا بالدولة الأموية و من ثم الدولة العباسية و لاحقا العثمانية وصولا الى نظام المجرم صدام حسين ، يجد جليا ما ذهبنا اليه . اما اذا تصور البعض من ان مصير و مستقبل الكورد مرهون بدول التي تتقاسم كوردستان ، و على الكورد أنتظار مجئ الديمقراطية بحجة أن الديمقراطية مكفولة لترجمة ارادة الشعب ، و على الكورد البقاء ضمن او مع هذا الشعب او ذاك ، تحت مسميات خيالية عفى عليها الزمن ، مثل الأمة العراقية او الأمة الأسلامية او الآرية او الأمة الطورانية ، هنا نرجع الى نفس أسطوانة الأكثرية و الأقلية ، مستغلين جوهر السياسي للديمقراطية التي تعكس ما تريده الأكثرية ، متناسين بأن لهذه القوميات الكبيرة لها كياناتها المصطنعة ، و تحت يافطة هذه الكيانانات جرى تقسيم و تجزأة اوطان و أضطهدت فيها شعوب ، و نرى ذلك واضحا في الحالة الكوردية تأريخيا و جغرافيا كقومية و امة مضططهدة ، و في الحالة الكوردستانية كأرض و وطن مجزأ .

أما في الحالة العراقية هناك شعوب عراقية ، لذا لا يمكن اعتبارشعوب العراق امة واحدة قائمة بذاتها ، او حتى على شكل أمة في أبسط حالتها ، لأن الحالة العراقية تفتقد اسس و معايير قيام الأمم ، نعم العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين ، ليس فيه قومية كبيرة و اخرى صغيرة او أقليات بل شعوب ، و بأرادة التوافق يمكنهم العيش المشترك ، لأن الزمن الوصاية و الأخ الكبير و الأخ الصغير و السيد و المسود قد ولى ، و لا سيما بعد ان تفتحت العقول و العيون و نحن نعيش في بدايات القرن الواحد و العشرين ، لا توجد هيمنة لأية قومية أ و مذهب على أخرى ، بل يجب ان يكون هناك توافق و أختيار حر ، وبعكس ذلك قد يطلع غدا من بين الكورد او السنة او الشيعة او من بين غيرهم ، من لا يؤمن بالديمقرطية و الحريات أو بالحوار و تبادل الآراء و الأفكار ، بل قد يركز على تناقض المصالح على اساس ان طرحه هو الأصوب و الأسلم ، فارضا رأيه بالأكراه او بالقوة ، التي تؤدي في أحسن الحالات الى مزيد من الدماء و الدموع .

قد يقول البعض بأن السياسة تخدم الأقتصاد ، و ان الجانب الأقتصادي قد يخفف من المعاناة و الدماء المراقة ، و تؤدي الى العيش المشترك و تبادل المنافع ، لكننا نقول بأن الأزدهار الوقتي للأقتصاد ، لا يؤتي بثماره على مدى المنظور و لا يؤمن مستقبل الشعوب ، هذا ما حصل أثناء الحكم العنصري الطائفي البعثي في العراق بعد تأميم النفط ، سرعان ما تحولت اموال النفط بعد ازدهار آني ، الى ترسيخ حكم العفالقة و الى اسلحة وسجون والى كوارث و ويلات و حروب ، ليست على الشعوب العراقية فقط بل على شعوب المنطقة كلها .

أذا تطرقنا الى وضع علاقات الشعوب العربية و الاسلامية في آسيا و أفريقيا مع أنظمتها ، لا تقل مرارة عن الأوضاع التي سادت سابقا ، منذ فترة مسارها التاريخي الى وقتنا الحاضر ، حيث لا مكانة للأصلاح و لحرية التعبير ، و حقوق الأنسان في أدني درجاتها ، و الفقر و الجهل و المرض و الخرافات و الغيبيات تتوزع على مساحة شاسعة من هذه الأوطان ، و المآسي المفزعة التي حلت في جنوب شرق آسيا بعد الزلزال الأخير ، ما هي الا نتيجة التخلف و افرازات أسلوب الحكم ، حتى اصبح الأنعتاق من هذه الآفات اكثر صعوبة ، بعد ما أقترن الأرهاب الفكري الجاهلي مع اسلوب الحاكم السلطوي الغيبي ، و نجد ذلك جليا خلال محاولات التي تجرى لتحويل المجرمين الى ابطال ، و جعل المنهزمين منتصرين ، و كذلك أحدث الأقتران المذكور بلبلة في ذهن الشعوب ، بعد دخول بعض رجال الدين اصحاب الفتاوي على الخط ، و أنقلبت المعايير ايضا في أوساط الأكثرية الصامتة ، و أصبحت عاجزة عن التفريق بين الحق و الباطل ، و أنتشرت الموجة السلفية كالنار في الهشيم ، و شعوب المنطقة أخذت تشاهد بأعصاب باردة ، قطع رؤوس الأبرياء من قبل الملثمين و تحت يافطة و صيحات الله اكبر كأنه شئ عادي ، و كأن تلك الأفعال الشنيعة هي جزء من تراث شعوب المنطقة ، حتى أصبحت أعذارهم أبشع من جرائمهم .

الحريص على بقاء الكيان العراقي و مصلحة العراقيين ، لا تكمن الأرتماء في حضن الأنظمة العربية و الأسلامية ، لأن هذه الأنظمة اما هي عنصرية استبدادية او غيبية متطرفة ، بل مصلحة العراق يكمن في أعادة بنائه و ترميمه على اسس جديدة و بخارطة حضارية حديثة ، بحيث يصبح العراق الجديد دولة من كونفدراليتين عربية و كوردية حسب الولايات السابقة ، و لاية بغداد و ولاية البصرة + ولاية الموصل ، و في حالة عدم التوافق جعله ثلاثة كونفدراليات على اسس تأريخية جغرافية ، و لاية الموصل + ولاية بغداد + ولاية البصرة ، و يمكن ان تتحول كل كونفدرالية الى عدة فدراليات ، حسب أتفاق أبناء الكونفدرالية الواحدة ، بذلك نبني مجتمعا ديمقراطيا تعدديا قويا حرا مزدهرا ، بعد ان يأخذ كل طرف حقه بعيدا عن ديمقراطية الهيمنة ، ويصبح العراق نموذجا لشعوب و دول المنطقة ، بعدها نتوجه لخلق مجتمعات حضارية معرفية ، و ننسى مجتمعات المساحات و السكان بعد تأمين حقوق الجميع ، عندئذ تظهر على السطح في مجتمعاتنا رغبة حقيقية لترسيخ العيش المشترك ، و ترفرف عالية رايات التطور السياسي و الثقافي و الأقتصادي .، و هذا لا يعني بأننا الكورد لا نفتخر بذاتنا ، وان كنا أمة مغبونة و مظلومة ، و كذلك من حق الشعوب الأخرى من مكونات العراق الكونفدرالي ، الأفتخار بأنتمائها و أصولها و تراثها .

ندعو لهذه الكونفدراليات لكي نثبت حرصنا على وحدة العراق ، و في نفس الوقت لنقول بأننا نرفض النفوذ والهيمنة كما حصل في السابق ، و لأن الكونفدرالية هي الأسلم لوضع العراقي المقسم أساسا ، و لأن خارطة الناقصة للشعوب لا تتوقف عن التغيير مثل الحياة ذاتها ، و لا يصح الا الصحيح وفق المسار التاريخي و الجغرافي ، لذا نكررها و نقولها صراحة بأن الجماهير الكوردستانية ، ترفض مناهج الآخرين التي تدعوا الى الهيمنة ، بعد تحرير العراق من قبل قوات التحالف و سقوط الصنم ، و قد يسميها البعض قوات غزو ، الا اننا نعتبر ما حصل نقطة تحول تاريخية ، و علينا تطوير علاقاتنا مع بعضنا و مع الوافد الجديد على اسس صحيحة ، و نحن لا يهمنا الذين لا زالوا لا يلاحظون التغيير الذي حدث ، ولا يلمسون المستجدات و التطورات التي جرت على الأرض ، كأنهم يعيشون في كوكب آخر مع شعاراتهم القديمة ، سواء كانوا في داخل العراق او في خارجه ، الذين يدعون الى بدع و ترهاتات من خلال الحناجر العالية ، بدعم من بعض دول الجوار ، أنهم حقا يحتاجون للقصاص قبل الشفقة ، لأنهم حقا يريدون ان تقع الشعوب العراقية خلال بعض المسميات في نفس ورطة الديكتاتور ، حينما أكدت له المصادر الروسية و الفرنسية بأن قواته تستطيع مقاومة قوات التحالف .

قد يختلف البعض مع الطرح الأمريكي حول الديمقراطية في الشرق الأوسط ، بسبب العولمة و هيمنة القطب الواحد و هذا من حقهم المشروع ، لأننا ايضا نؤمن بأن الديمقراطية قد تأتي بالتفاهم و الأقناع لا بالتهديد في بعض المواقع او الأماكن ، لكننا لسنا على أستعداد الذهاب الى التهلكة لنصبح وقود معارك و حروب الآخرين و التضحية نيابة عنهم .

نعم كما ذكرنا ان العراق حاليا بلد مقسم و ان كان ظاهره جسد واحد يحمل اسمه ، الا ان هذا الجسد بثلاثة رؤوس ، ان لم تتوحد هذه الرؤوس في عقل واحد ، لا يمكن أنعاش الروح فيه بالتفكير الساذج و بالشعارات البالية ، التي تؤدي الى الجدال التكفيري ، او الى الجدل الفكري العقيم الذي يرفض الآخر ، دخل الشيعة و السنة خلال اكثر من الف سنة و الكورد منهم في معارك و حروب طاحنة ، و لكن كلما سنحت لبعض رموزهم او لحكامهم فرصة ، كانو يلطمون الكورد بقسوة و يضربون خاصرته بدون رحمة ، و حتى هذه اللحظة أتباعهم يذبحون الكورد على الهوية ان كان شيعيا او سنيا ، و ينسق بعض رموز الطرفين مع دول الجوار في السر و العلن ، لطمس حتى معالم ملاحم الحقوق الكوردية ، لذا في حالة عدم تأمين مستقبل شعبنا الكوردي ، يكون من حقنا مطالبة المجتمع الدولي بأجراء أستفتاء في كوردستان على حق تقرير المصير ، و رفع علمنا على ارضنا ليتخلص شعبنا من القلق الذي يعيش فيه ، و خاصة اذا استمرت دول المنطقة النظر للقضية الكوردية بنظرة شوفينية متعالية ، لذا ننصح هذه الدول بأن دراساتها الفوقية لا تستطيع معرفة خفايا ثقافات الشعوب ، و مهما تجاهلت عجز مخابراتها الألمام بتفاصيل ارادة الشعب الكوردي ، فأن الواقع سوف تفرض عليها مهما أعمت مصالحها الأنانية بصرها و بصيرتها ، و المضحك المبكي في تصرفات هذه الأنظمة بأن كل منها تحاول ان تلعب دور النخبة او دور دولة التمييز في الشأن الكوردي و العراقي ، رغم التنافس الأحمق بين هذه الدول ، لكن الكورد أثبتوا فشل رهانات هذه الأنظمة ، بعد ان نزلت الأحزاب الكوردستانية بقائمة موحدة لأنتخابات العراقية القادمة ، و هذا الأرتباك جعلت هذه الأنظمة عاجزة عن املاء فراغ مهزوميها في العمق العراقي ، و سوف تثبت الأيام ايضا فشل هذه الدول الطامعة ، في ممارسة اي دور في تحديد مصير المنطقة أ و في حالة اعادة تشكيلها ، مهما أستعانوا بأستشارات أشخاص نفعية تعتبرها مخلصة لها ، و مهما نشطت أجهزة مخابراتها في هذه الساحة العراقية او تلك ، لأنهم هم وضعوا أنفسهم في المأزق الحالي ، حينما تسارعوا جميعا الى مد حبل النجاة لنظام الطاغية ، و من ثم قيامهم بخلق أجواء الأرتباك و الأهتزاز في العراق بعد التغيير ، و من ثم خلق العشرات من الأحزاب و التنظيمات الوهمية ، و تمويل اصدار صحف صفراء التي تروج لدولهم .

يعيش البعض الهاجس الكوردي لغرض ابتزاز المتخوفين من انطلاق المارد الكوردي ، فاذا تعثر رجلهم بحجر او اصابت مصارينهم العفنة بالغازات او تأخرت حافلة النقل عن موعدها ، فأنهم سرعان ما يتهمون الكورد حتى انهم احرقوا اوراقهم جميعها و أصبحوا مصدر التندر ، و قافلة الكورد مستمرة تواصل سيرها الى الأمام مهما نبحوا ، لأن هؤلاء الجيف العفنة لا يدركون ماهية المجتمعات المتقدمة و المتطورة ، وأن عاش بعضهم في الغرب ، لذا وجدناهم مترددين في الأختيار بين الحرية و الأستعباد ، و من ثم فضلوا الأستعباد على الحرية ، لأن الأستعباد يكفيهم مؤونة التفكير لتحديد غاياتهم في الحياة ، و لأنهم شربوا ماء البعث فيفضلون استعباد الآخرين معهم ، و لكونهم نازيون جهلة يقومون الدنيا في حالة مطالبة الكورد بحق تقرير المصير اسوة بشعوب العالم ، و لم يدرك هؤلاء السفهاء الذين يتبعهم بعض الغاوون ، من ان شعوب الأتحاد الأوربي لم تفقد قيمها بعد قيام الأتحاد ، بل تعايشت مع بعضها و تقاربت و تبادلت المصالح و المنافع ، و في اوربا المتحدة لم تصبح الشخصية الأيطالية فاشية و لم تتراجع الثقافة الفرنسية و لم ترجع المانيا الى النازية و لم تفقد هولندا وبلجيكا كرهها للعنصرية ، و استمرت بريطانيا في ديمقراطيتها الملكية ، ولم تفقد هذه الدول مشاريعها التنموية ، و حافظت على تقدمها التكنلوجي و الصناعي و طورتها نحو الأفضل ، في هذه الحالة و في مثل هذه المواقف من هؤلاء ، أرحم عقاب نعطيه لمثل هذه النماذج المتخلفة عن الحضارة و التقدم ، هي وضعهم في دهاليزمزبلة التاريخ ، ليعيشوا فيها مرعوبين من الرعب الكوردي ، و من قمقم الأخرين حسب تخيلاتهم المريضة .

اعداء الكورد من حكام و احزاب و افراد ، هم مثل ذلك السكير الذي يمسك كأس الخمر بيده اليمنى ، لأنه يعتقد مسك الأشياء باليد اليسرى يعتبر حراما ، و لغباء أعداء الكورد و ضيق أفقهم ، يتصورون كوردستان مجرد قطعة ارض عليها شعب يمكن ان يتفرغ لهمومه في حالة عدم أستطاعتهم وأدهم ، ناسين بأن الأمة الكوردية الباسلة و العظيمة قد خرجت من قوقعها ، و كسرت القيود و الأغلال بالدماء و الدموع ، و هي في طريقها لأن تتحول من شعب الله المحتار ( بالحاء ) ، الى شعب الله المختار ( بالخاء ) ، و سوف يستثمر الكورد علاقاتهم المتشعبة و المتينة في ارجاء المعمورة بدون أستثناء لما فيها مصلحتهم و رفاهيتهم ، لأن شعب كوردستان ينام على بحور من المياه ، و خزين من حقول النفوط ، و مناجم من المعادن الثمينة ، و كوردستان المقدسة تقع في محيط جغرافي و استراتيجي ، و في منطقة قلقة مضطربة يريد لها الغرب الأستقرار ، لا بد ان يكون للكورد دورهم المتميز في استقرار المنطقة و تأمين المصالح فيها ، لأنهم مفتاح المنطقة و هذا ما أثبتوه في عملية تحرير العراق من النظام السابق ، و لكونهم المعادلة الصعبة في خيارات أنظمة المنطقة المرشحة أكثرها للسقوط او التغيير ، لأن هذه الأنظمة لا تستطيع ردم الهوة السحيقة و الكبيرة للتخلف عن طريق مشية السلحفاة ، ان كانت هناك أصلا نية لديها لردم هذه الهوة ، نظرا لصعوبة استعابها المتغيرات و كلفتها و نتائجها عليها ، لأنها تعيش في الماضي و تفضل الرجوع الى الوراء ، لأن حياة الماضي حية في شعورها و في اللاوعي لديها .

لو لم أكن كورديا كنت أتمنى ان أكون كورديا ، لأن الكورد بأرادتهم التي لا تلين و عزمهم ، ضمدو جراحهم و شمروا عن سواعدهم بدلا من البكاء على الأطلال ، و انطلقوا من الصفر لبناء بلدهم في وقت قياسي ، عزمهم و أصرارهم و جديتهم أدهش اصدقاء الكورد قبل الأعداء ، رغم الحصارات التي كانت مفروضة عليهم في كل مجالات الحياة ، و رغم البنية التحتية التي كانت دون الصفر ،
4500 قرية مسحت عن الأرض ، ينابيع المياه اغلقت بالكونكريت المسلح ، 182 ألف مؤنفل من الشيوخ و الأطفال و النساء ، 10 آلاف شاب من الكورد الفيلية غيبوا ، نصف مليون منهم هجروا من وسط العراق و جنوبه الى ايران في اوضاع مزرية ، ناهيك عن الأعدامات و السجون و أستعمال الأسلحة الكيمياوية في حلبجة و باليسان و بهدينان ، و عمليات التعريب و الترحيل التي طالت نصف كوردستان الجنوبية المقدسة ، في مكة الكورد كركوك و في سنجار و زمار و الشيخان و قرى الكورد الأزيدية في سهل الموصل ، و لاننسى خانقين و كفري و جلولاء و الزرباطية و بدرة و جصان ، أليس من حق هذا الشعب ان يقول للعالم ؟ اني شعب لا أموت و لن أموت ، و أظل من غرائب معجزات الدهر و القدر ، و أن يقول أنا شعب سأم و رفض الحياة في الرفات ، لأني شعب يؤمن بأن عيش الكرامة ليست تحت الحفر ، و يرفض الوطنية المفروضة عليه كزواج قسري ، الوطنية التي تعتبره أقل من الضيف و ليس شريكا ، الا يستحق هذا الشعب وهو على هذه الدرجة من العزم ، بالمطالبة ليرفرف علمه شامخا شموخ صديقه الجبل ليناطح السحاب ، و كي يقول أجياله لحساده موتوا بغيضكم ، و من ثم ليلعنوا كل الحاقدين على الكورد على مدى الدهر ، أينما كانوا و من كانوا .